طلال سلامة من روما: تغيرت أحوال ايطاليا كثيراً بين عامي 1987 و2008. فقبل عشرين عاماً تقريباً، وعن طريق حذف ثلاثة قوانين من التشريع الإيطالي، قرر الشعب الإيطالي رفض وجود محطات إنتاج الطاقة النووية على الأراضي الإيطالية. بمعنى آخر، فان الاستفتاء الشعبي، آنذاك، نجح في حذف ايطاليا من قائمة الدول العالمية المنتجة للطاقة النووية. في أي حال، لم يغب ملف النووي عن الساحة السياسية هنا لا بل هو تحول الى ملتقى تحاول جميع الأطراف السياسية تبادل الأفكار من خلاله لتقويم إيجابيات وسلبيات مشروع وطني ضخم ما يزال الإيطاليون، لغاية اليوم، يخافون منه خصوصاً من حيث التداعيات السلبية، البيئية والصحية. ويبدو أن عدوى ضرورة استعمال النووي، مستقبلاً، انتقلت بسرعة من رئيس الجمهورية الفرنسي ساركوزي الى رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني بدعم من أطراف سياسية هامة موجود في محور الوسط السياسي. كما يبدو أن خطوة برلسكوني الاستثمارية في قطاع النووي قد تعزز من ثقة الناخبين الإيطاليين به.

في هذا الصدد، يقود ائتلاف برلسكوني استفتاءات واسعة النطاق بهدف دراسة تفاصيل نتائجها بدقة شديدة، قبل أن يقرر برلسكوني خطواته القادمة التي قد تتحول بسرعة البرق من نظريات الى قوانين سارية المفعول تتعلق ببناء مجموعة من محطات إنتاج الطاقة النووية النظيفة.

من جانب آخر، وبعد مرور عشرين عاماً على مناهضة الإيطاليين لبناء هذه المحطات، يسجل المراقبون تغييراً في ميولهم. في الحقيقة، ثمة 47 في المئة من الإيطاليين اليوم، الذين يؤيدون بناء مثل هذه المحطات. في حين يعارض بناؤها 44 في المئة منهم ويفضل 9 في المئة منهم عدم التعبير عن رأيه. في حال نجح برلسكوني في استقطاب هذه النسبة المئوية الصغيرة الى خطته فان إجراء أي استفتاء شعبي جديد، خاص باستخدام النووي، يعطي برلسكوني فوزاً متواضعاً (53 في المئة) أمام اليساريين.

في الحقيقة، هناك حرب خفية بين اليمينيين واليساريين حول إنعاش الملف النووي أم إسكاته الى الأبد. فناخبي حزبي برلسكوني ورابطة الشمال، إضافة الى ناخبي اتحاد الديموقراطيين المسيحيين الذي بدأ يقدم الدعم السياسي لليساريين، يؤيدون بناء محطات إنتاج النووي في ضواحي بعض المدن الإيطالية الكبرى. أما الناخبون اليساريون، في أحزاب فلتروني ودي بياترو والفصائل الشيوعية، فيعبرون عن تشاؤمهم إزاء بناء محطات الموت هذه، في قلب ايطاليا.