واشنطن: من سيكون المسؤول عن قطاع غزة ، من سيكون المكلف بتوفير الحاجات الأساسية لسكان القطاع ؟ من سيتولى مهمة تامين المعابر الحدودية؟ أسئلة فرضت نفسها على اهتمامات وسائل الإعلام الأميركى هذا الأسبوع ، خصوصا بعد الحصار التى فرضته إسرائيل على القطاع مؤخرا ، الأمر الذى أدى إلى ظهور بوادر أزمة إنسانية بدا القطاع يشهدها نتيجة نقص السلع الأساسية والطاقة من القطاع.

غزة نقطة صراع ساخنة بين الإسلاميين والحكومات
اهتمت صحيفة Los Angeles Times بالأزمة الإنسانية المتفاقمة فى غزة ، ولكنها لم تركز على الآثار السلبية التى تركتها هذه الأزمة على الواقع اليومى للفلسطينيين فى القطاع ، وإنما انصب اهتمامها على الانعكاسات الإقليمية لهذا الأزمة ، خصوصا هذا التعاطف الذى خلفته الأزمة فى نفوس الشعوب العربية ، مثل مصر التى اندلعت فيها العديد من المظاهرات التى رفضت الحصار الذى فرضته إسرائيل على القطاع ، هذا الحصار الذى يهدد القطاع بالدخول فى كارثة إنسانية ndash; إن لم يكن قد دخلها بالفعل. حيث أشار جيفرى فليشمان Jeffrey Fleishman مراسل الصحيفة إلى المظاهرات فى مصر ، والتى نظمتها التيار الإسلامى ممثلة فى جماعة الإخوان الإسلامية جنبا إلى جنب مع القوى العلمانية فى الحياة السياسية المصرية.

هذه المظاهرات التى أكد فليشمان Fleishman انها لم تكن فقط لرفض الحصار المفروض على غزة ، وإنما أيضا للتظاهر ضد الرئيس المصرى حسنى مبارك ، حيث لفت المراسل الانتباه إلى أن هذه المظاهرات كانت من اجل إظهار التضامن المصرى مع سكان غزة المحاصرين ، فضلا عن أنها كانت فرصة للمشاركين لإظهار سخطهم على الأوضاع الاقتصادية فى مصر وانتقاد الرئيس المصرى لعلاقاته الوثيقة مع واشنطن.

وأشار فليشمان Fleishman أن الإخوان المسلمين فى مصر استطاعوا أن ينظموا حوالى 80 مسيرة لإعلان التضامن مع سكان غزة ، فى الوقت الذى استطاع فيه سكان غزة من عبور الحدود مع مصر حيث تدفقوا من اجل شراء احتياجاتهم المعيشية من مصر.

حماس متغير أصيل فى المعادلة الفلسطينية
ومن ناحية أخرى أكد فليشمان Fleishman أن القضية الفلسطينية هى الهم الأول الذى يشغل بال الشعوب فى العالم العربى. إلا أن الأزمة الأخيرة ndash; وكما يشير فليشمان Fleishman - والمتمثلة فى الحصار الأخيرة الذى فرضتها إسرائيل على القطاع ، قد تم استغلالها فى الصراع الدائر بين القوى والتيارات الإسلامية من جهة والحكومات العلمانية من جهة أخرى على طول الوطن العربى خصوصا فى مصر.

وبالتالى فان هذا الأمر أكد - كما يشير الكاتب ndash; على أن حماس الحركة المسلحة ذات الخلفية الأيديولوجية الإسلامية والمرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين ما تزال عاملا مهما فى المعادلة الفلسطينية ، وذلك على عكس رغبة دول مثل الولايات المتحدة الأميركية ومصر وإسرائيل فضلا عن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبو مازن.

وقد أكد التقرير على أن دعم القضية الفلسطينية وسكان غزة أعطى جماعة الإخوان المسلمين مزيد من الشرعية والدعم فى الشارع ، فالجماعة ndash; كما ينقل التقرير عن عدد من المحللين السياسيين ndash; تتخذ موقفا معاد لإسرائيل والولايات المتحدة ، بالإضافة إلى أنهم يعتبروا أنفسهم أكثر الممانعين للسياسات الأميركية والإسرائيلية فى المنطقة.

مصر تطالب بالسيطرة على القطاع
أما ستيفن إيرلانجر Steven Erlanger مراسل صحيفة النيويورك تايمز New York Times فقد اهتمت بمطالبات الحكومة المصرية بضرورة قيام الرئيس محمود عباس أبو مازن بالسيطرة على المعابر والنافذ الحدودية ، حيث أكد إيرلانجر Erlanger أن الحكومة المصرية راغبة فى إعادة نظام إدارة المعابر الحدودية مع إسرائيل والاراضى الفلسطينية الذى كان مطبقا قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة فى يونيو الماضى ، حيث كان يشرف على القطاع الاتحاد الأوروبى بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ، فى حين كانت إسرائيل تراقب الحركة فى المعابر بكاميرات الفيديو.

تقرير فينوجراد يضع أولمرت على المحك
وبالرغم من هذه الأزمة التى يمثلها قطاع غزة لإسرائيل ، إلا أن هذا الفوضى والمشاكل التى يسببها القطاع خصوصا لأمن إسرائيل ، إلا أن هذه المشاكل كما أشار إيرلانجر Erlanger قد توارت جزئيا لصالح التقرير الذى أصدرته لجنة التحقيق حول كيفية إدارة الحكومة الإسرائيلية للحرب التى شنها الجيش الإسرائيلى على حزب الله اللبنانى فى صيف عام 2006 حيث لفت لانجر Erlanger الانتباه إلى أن تقرير لجنة فينوجراد قد وجه انتقادات شديدة اللهجة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت Ehud Olmert ووزير الدفاع الإسرائيلى فى هذا الوقت عامير بيرتس Amir Peretz.


الحدود شوكة فى خصر إسرائيل
من جانبه كتب كيفن بيرانو Kevin Peraino تقريرا صحفيا لمجلة النيوزويك Newsweek أكد فيه أن ما قامت به حركة حماس مؤخرا من قيام بعض عناصرها بتفجير أجزاء من السور الحدودى الفاصل بين مصر وقطاع غزة ، قد أدى إلى نقاش وجدل محتدم بين صانعى السياسة فى الحكومة الإسرائيلية حول أفضل الطرق لتامين وإدارة الحدود بين مصر وقطاع غزة. الأمر اعتبره معد التقرير نصرا لحماس وتراجع للولايات المتحدة فى إطار سعيها لعزل الحركة داخل القطاع وتأليب سكان القطاع ضدها.

وأكد بيرانو Peraino ان الجدل الدائر فى الوقت الحالى داخل أروقة صنع السياسة داخل إسرائيل يدور حول ما إذا كان انسحاب إسرائيل من قطاع غزة فى العام 2005 فى صالح إسرائيل على اعتبار أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد ملتزمة بتحمل عبء معيشة ورفاهية سكان القطاع البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة ، وهو الأمر الذى ترفضه جماعات حقوق الإنسان.

على الجانب الأخر يرى فريق من الساسة داخل الدولة العبرية أن الانسحاب الإسرائيلى من القطاع كان خطأ جسيما افسد أكثر مما أصلح ، وهو ما بدى جليا فى الأحداث الأخيرة ndash; فى إشارة إلى تفجير أجزاء من السور الحدودى مع مصر وعبور الفلسطينيين إلى الاراضى المصرية ، هذه الأحداث دفعت العديد داخل الحكومة الإسرائيلية إلى القول بان هذه الأحداث تدفع بقوة نحو ضرورة إعادة احتلال القطاع مرة أخرى ، خصوصا وان عمليات عبور الفلسطينيين عبر الحدود مع مصر يمكن أن يمثل فرصة لتهريب صواريخ طويلة ، سوف تستخدم فيما بعد ضد إسرائيل. وبالرغم من هذه المخاوف أكد بيرانو Peraino ان عملية إعادة احتلال القطاع مرة أخرى هو خيار صعب الحدوث فى الوقت الحالى ، خصوصا فى ظل الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت Ehud Olmert على خلفية فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان فى العام الماضى.

مصر هى المسئول الأول.؟!
وعلى صعيد مختلف اهتمت جريدة الواشنطن تايمز Washington Times بمطالبات كبار مسئولى وزارة الدفاع الإسرائيلى مصر بان تتحمل المسئولية الكاملة عن قطاع غزة خصوصا بعد أن سمحت للفلسطينيين بالعبور إلى الاراضى المصرية لشراء احتياجاتهم. حيث نقل التقرير الذى نشرته الصحيفة تصريحات عن نائب وزير الدفاع الإسرائيلى ماتان فيلنان Matan Vilnai والتى أكد فيها أن القاهرة وليست إسرائيل هى المسئولة عن تزويد القطاع بالماء والكهرباء وغيرها من الحاجات الأساسية اللازمة لمعيشة لسكان القطاع.


أولمرت وعباس لن نسمح بأزمة فى القطاع
أما جريدة يو اس إيه توداى USA Today فقد ركزت من جانبها على لقاء القمة الذى عقد بين رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت Ehud Olmert ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن.

وقد أشارت الصحيفة فى التقرير الذى نقلته على صفحاتها أن موضوع الحدود والحصار المفروض على قطاع غزة مثلا جوهر اللقاء ، فضلا عن أن هذا الموضوع تم تناوله فى إطار حرص رئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت Olmertعلى عدم حدوث كارثة إنسانية فى القطاع نتيجة الحصار الإسرائيلى ، وذلك على الرغم ndash; كما تشير الصحيفة ndash; من أن القطاع يسيطر عليه عدو إسرائيل اللدود المتمثل فى حركة حماس المسلحة.

على صعيد أخر أكدت الصحيفة أن حماس استطاعت أن تكتسب مزيدا من الدعم بين سكان قطاع غزة ، خصوصا بعد قيامها بفتح بعض الثغرات فى السور الحدودى الفاصل بين القطاع ومصر باستخدام القوة المسلحة.

وأشارت الجريدة من جانبها إلى الاتفاقية التى تحكم حركة العبور عبر معابر الحدود خصوصا تلك المتعلقة بمعبر رفح ، حيث انه بعد خروج إسرائيل من قطاع غزة استطاعت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس Condoleezza Rice من التوصل إلى صيغة للإشراف على المعبر تتضمن أن يشرف على حركة العبور بصورة مباشرة الاتحاد الأوروبى بالتعاون مع السلطة الفلسطينيين على أن يكون لإسرائيل رقابة غير مباشرة من بعيد على حركة العبور. هذه الصيغة ترفضها فى الوقت الحالى حركة حماس المسيطرة على القطاع ، وتنادى باتفاقية جدية لإدارة حركة العبور عبر المنافذ الحدودية تستبعد تماما أى دور إسرائيل. وهو الأمر ndash; على حد ما نقلته الصحيفة ndash; غير مقبول سواء من قبل إسرائيل التى تخاف من أن يتسع نطاق تهريب الأسلحة إلى القطاع إذا هى لم تشرف على الحركة عبر هذه المنافذ والمعابر الحدودية. أو من مصر والتى تخاف من أن استمرار فتح الحدود بهذه الطريقة يمكن أن يؤدى معه إلى احتمال أن تستطيع بعض الجماعات المتشددة الدخول إلى مصر بهدف تقويض استقرار الحكومة المصرية.