يوسف عزيزي من طهران: اصبح لتقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي نشر يوم امس الجمعة قراءات مختلفة من قبل الاطراف المتخاصمة كإيران و الولايات المتحدة الاميركية و الدول الغربية المتحالفة معها؛ و كأنه ليس نصا سياسيا واضحا بل نص ادبي و فلسفي يجب تحليله و تفسيره.
وفي هذا السياق ترى ايران الرسمية ان التقرير هو لصالحها و يؤيد اداءها و ادعاءاتها في ما يتعلق بالملف النووي الايراني حيث وصفته بالانجاز العظيم و النصر القاطع للشعب الايراني. لكن من جانب اخر ترى واشنطن في تقرير البرادعي ما تريده اي استمرار الغموض في بعض زوايا الملف و عدم ايقاف عملية تخصيب اليورانيوم من قبل ايران.
كما لاننسى ان هناك قراءتين في ايران للتقرير: الاول للحكومة و الصحافة المحافظة المؤيدة لها و الثانية للصحافة و الاوساط السياسية الاصلاحية و المعارضة التي ترى نوعا من الازدواجية في تقرير البرادعي.
وقد نتطرق هنا الى ردود الفعل الايرانية و الغربية ازاء التقرير الذي سيحدد مواقف المجتمع الدولي ازاء الملف النووي الايراني.
الموقف الايراني الرسمي و غير الرسمي
فقد رحبت الحكومة الايرانية بتقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ووصفته بالايجابي و اعتبرته نصرا للشعب الايراني.
و اعتبر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد quot;ممارسة الضغط على موقع ضعف الصهاينة بانه رمز نجاح الجمهورية الاسلامية الايرانية في برنامجها النووي السلميquot;.
ووصف احمدي نجاد الامر بالانجاز العظيم الذي حققته ايران مؤكدا quot;ان هذا البرنامج النووي أهم حدث سياسي بعد قيام الثورة الاسلاميةquot;. وأشار الى quot;ان الشعب الايراني تجاوز هذه المرحلة الصعبة رغم تكالب قوى الشر في العالمquot; حسب تعبيره.
وقد هنأ المتحدث باسم الحكومة الايرانية غلامحسين الهام في مؤتمره الصحفي اليوم السبت الشعب الايراني بما وصفه بانتصار إقرار حقه المشروع في امتلاك التقنية النووية المدنية.
وكرر غلام حسين الهام ما كان يؤكد عليه الرئيس الايراني خلال الاشهر الماضية قائلا: انني اعتبر الموضوع النووي منتهيا بالنسبة لطهران لأن طهران تعاونت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل طبيعي و التزمت كباقي الدول الاعضاء بواجباتها، و من جهة اخرى هي متمسكة بحقوقها و لم و لن تتنازل عنها؛ معلنا في الوقت نفسه عن استعداد ايران للتفاوض و الحوار حول جميع القضايا في اطار التوجهات العالمية مع كل الدول ماعدا اسرائيل.
واوضح انه بناء على التقرير الاخير للبرادعي و بناء على القرار المشترك الذي ستتخذه ايران و الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اطار خطة الشفافية، فان الموضوع النووي اصبح موضوعا عاديا حيث اجابت طهران على القضايا العالقة، و ستواصل تعاونها الطبيعي مع الوكالة الدولية.
وتعلقيا على تصريحات وزيرة الخارجية الاميركية من ان واشنطن ستستمر في مساعيها لإستصدار قرار من مجلس الامن بفرض عقوبات جديدة على ايران بغض النظر عن تقرير البرادعي قال المتحدث باسم الحكومة الايرانية: ان هذه التصريحات هي اعتراف واضح بان تدخل مجلس الامن في الموضوع النووي الايراني كان بضغوط سياسية و فاقد لاي اسس قانونية، معتبرا quot;مثل هذه المواقف بانها تأتي في الاساس لدعم اسرائيل و حرمان الشعب الايراني من التطور العلمي و هذا هو اسلوب الدول المتغطرسة في محاول لانقاذ ماء وجه اميركاquot;.
كما وصف امين عام المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي امس الجمعة تقرير البرادعي بانه نصر قاطع لايران امام الضغوط الاميركية، اثمرته صلابة و تمسك الشعب الايراني بحقوقه المشروعة.
واضاف: لقد تم اليوم تسوية جميع القضايا العالقة و الغموض بشأن الموضوع النووي الايراني و لم تعد هناك اية ذريعة بيد من يختلقون الذرائع، ولم يبق حتى تساؤل واحد، وان من كانوا يتهموننا بدون اثبات عليهم ان يجيبوا على اسئلة الرأي العام العالمي.
وقد عكست الصحف المحافظة و المتشددة الموالية للحكومة خبر نشر تقرير البرادعي كعنوان رئيسي في صفحاتها الاولى، فيما لم تهتم الصحف الاصلاحية بذلك و اذا اهتمت البعض منها فقد كان عنوانا فرعيا لصفحاتها الاولى.
وقد عنونت صحيفة ايران الرسمية في صفحتها الاولى quot; النصر النووي العظيمquot; أرفقته بصورة كبيرة لايرانيين يحملان العلم الايراني و رمز الطاقة النووية. كما عنونت صحيفة كيهان في صفحتها الاولى
quot; تقرير البرادعي يتحدى هيبة الغربquot;.
وفيما لم تتطرق صحيفة مردمسالاري (الديمقراطية) الاصلاحية في صفحتها الاولى لتقرير البرادعي لامن بعيد ولا من قريب، عكست الصحيفة الاصلاحية الاخرى quot;اعتماد مليquot; خبر التقرير كعنوان فرعي في صفحتها الاولى كالتالي:quot; تقرير البرادعي يؤيد صراحة
و شفافية البرنامج النووي الايرانيquot;.
كما خصصت صحيفة اصلاحية ثالثة وهيquot;اعتمادquot; عنوانا فرعيا للموضوع في صفحتها الاولى هو:quot; مرة اخرى تقرير ذووجهين للبرادعيquot;.
وكتبت الصحيفة: quot;ان البرادعي أيد في تقريره الذي ضم 11 صفحة التعاون الواسع بين ايران و المفتشين الدوليين من اجل انهاء الابهامات الباقية حول انشطة ايران النووية. لكن ورغم ذلك اعلن محمد البرادعي ان طهران لم تتمكن من الرد على جميع تساؤلات الوكالة الدولية للطاقة النووية في الفترة المحددةquot;.
ردود الفعل الاميركية و الغربية
وتجسد الرد الاميركي على تقرير البرادعي في تصريحات وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس حيث قالت: لاتزال هناك أدلة مقنعة لإصدار قرار شديد للعقوبات ضد ايران.
وأدعت رايس ان سبب اصدار القرار الثالث من قبل مجلس الامن الدولي يعود الى النشاط النووي الايراني لأن طهران مستمرة في نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم و تحاول ان تطور عملية التخصيب.
وأكدت وزيرة الخارجية الاميركية: ان ايران لم ترد حتى الان على التساؤلات المتعلقة بانشطتها النووية السابقة و التي كانت تتم بصورة سرية وهي تؤكد فقط بانه لم يكن لها مثل هذه الانشطة.
كما صرح مندوب الولايات المتحدة الاميركية في الامم المتحدة زلماي خليل زاد ان ايران ردت على معظم تساؤلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية و كان هناك بعض التطور في الامر، لكنه ادعا ان هذه الامور ليست الامور الاساسية في الملف النووي الايراني حيث لايوجد اي تطور في هذا المجال، وفي الحقيقة ان الاوضاع ستتفاقم.
وقال خليل زاد ان تقرير البرادعي يشمل بعض القضايا التي تثير القلق.
واضاف: ما توصلت اليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعزز الحجج الاميركية المتعلقة بفرض عقوبات على ايران لانها تؤكد بان ايران مستمرة في انتهاكها لقرارات مجلس الامن الدولي و التي تطالبها بتعليق عملية تخصيب اليورانيوم.
ومن المقرر ان تجتمع الدول 5+1 ( الولايات المتحدة الاميركية
و بريطانيا و فرنسا و الصين و روسيا و المانيا) يوم الاثنين المقبل في واشنطن للتشاور و القيام بخطوات جديدة في مجال فرض العقوبات على طهران.
ردود الفعل الدولية
فقد رحب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بالحوار المتواصل بين ايران و الوكالة الدولية للطاقة الذرية و الذي عكسه تقرير الوكالة الصادر امس الجمعة حول الانشطة النووية الايرانية.
وقال المتحدث باسم الامم المتحدة فرحان حق في ايجاز صحفي ان بان كي مون يرحب بالتقدم المتحقق طبقا لخطة العمل التي اتفق عليها الطرفان في اغسطس 2007.
ووزع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، الجمعة نص تقريره الى مجلس محافظي الوكالة الدولية حول برنامج ايران النووي و الذي سيناقشه المجلس في الثالث من مارس القادم في العاصمة النمساوية فيينا.
وينتظر الايرانيون و العالم القرار الذي سيتخذه مجلس الامن الدولي الاثنين المقبل، وهل تساير الدول المستفيدة من ايران اقتصاديا كالصين و روسيا الدول المعادية لايران في اصدار قرار مشدد ضد طهران في الاسبوع القادم؟
التعليقات