طالبت الحكومة العراقية بإعادة محاكمة مسؤولين متهمين بقتل طائفي
التوافق السنية: عدالة القضاء اضمحلت أمام إرهاب الميليشيات

أسامة مهدي من لندن: وصفت جبهة التوافق العراقية السنية تبرئة وكيل وزارة الصحة والضابط المسؤول عن الامن فيها والتابعين للتيار الصدري المتهمين بارتكاب جرائم قتل وخطف طائفية ضد السنة في مستشفيات بغداد بأنه خضوع لإرهاب الميليشيات المسلحة واضمحلال لعدالة القضاء ودعت الحكومة الى حماية شهود الاثبات الذين تم تهديدهم واضطروا الى التغيب عن المحاكمة في وقت سلم الجيش الأميركي المسؤولين السابقين الى السلطات العراقية اليوم حيث تم إطلاق سراحهما فعلا . وقالت جبهة التوافق السنية ولها 44 عضوا في مجلس النواب وتفاوض الحكومة حاليا لاعادة وزرائها الخمسة اليها في بيان ارسلت نسخة منه الى quot; إيلاف quot; اليوم ان المحكمة الجنائية المركزية فد برأت المتهمين حاكم الزاملي وكيل وزارة الصحة السابق واللواء حميد الشمري قائد الحرس فيها الاثنين الماضي quot;بحجة عدم كفاية الأدلة وعدم حضور شهود الادعاء الى المحكمة بعد ان كانت القوات الأمنية قد ألقت القبض عليهما على خلفية تورطهما بجرائم قتل وخطف داخل وزارة الصحة وفي مستشفيات بغداد المختلفة والتي تحولت الى أوكار للميليشيات الارهابية عندما كان هؤلاء على قمة المسؤولية في وزارة الصحةquot; .

وعبرت عن استغرابها من quot;أن يتعذر على الشهود أن يحضروا الى جلسة المحاكمة وكان ينبغي على الأجهزة الأمنية الحكومية أن توفر الحماية اللازمة من أجل إحضارهم الى المحكمة وأن توقف الضغوط التي مارستها عليهم (الميليشيات)quot; .. واضافت انه بهذا فقد quot;تلاشت العدالة في القضاء العراقي واضمحلت أمام إرهاب هذه الميليشيات التي لا تزال ترهب الناس وتمارس حماية المجرمينquot;.

وطالبت الجبهة الحكومة العراقية بأن quot;تعيد النظر في موقفها وان تفرض القانون بالقوة فهي تملك ما يكفي من الإمكانات لحماية الشهود والقضاة كي يمارسوا دورهم في إحقاق الحق ولاسيما أن هناك فرصة أخرى في عرض الموضوع نفسه على محكمة التمييزquot;. ودعت القضاء العراقي الى أن يعامل جميع العراقيين على حد سواء وفق ميزان العدل والقانون ويساهم في إطلاق سراح الذين برأتهم المحاكم العراقية لعدم كفاية الأدلة أو عدم حضور المخبر السري أو (الوهمي) .. مشيرة الى انه لا تزال مراكز الاحتجاز تحتفظ بهم لحد الان وقد آن للقضاء العراقي أن يعبر عن استقلاليته ونزاهته وأن يكلل مسيرته بالحكم على المجرمين مهما كانت عناوينهم كما قالت.

وقد برأت المحكمة الجنائية حاكم الزاملي وكيل وزارة الصحة وحميد الشمري قائد حرس الوزارة من التهم المسندة إليهما وإطلاق سراحهما بعد عام من الاعتقال. وأعلن القاضي زهير عبد الصاحب رئيس المحكمة خلال جلسة المحكمة إسقاط التهم عن الزاملي والشمري وتبرئتهما وإطلاق سراحهما ما لم يكونا موقوفين بتهم أخرى على ان تكون القضية قابلة للتميز. وقال القاضي خلال جلسة النطق النهائي بالحكم quot; لقد قررت المحكمة تبرئة المتهمين وإسقاط التهم عنهما وإطلاق سراحهما مالم يكونا محتجزين على ذمة تهم أخرى لان الشهادات التي كانت ضدهم هي سمعية وليست عينية.

يذكر أن الزاملي والشمري قد تمت محاكمتهما في قضية هي الاولى من نوعها لمسؤولين مدني وعسكري في وزارة الصحة ينتميان الى التيار الصدري، بتهمة التورط في استغلال أجهزة وزارة الصحة واتهامهما بارتكاب جرائم خطف وقتل وأعمال عنف طائفي وذلك بعد حوالى عام من اعتقالهما في اذار (مارس) من العام الماضي.

وشهدت جلسة الاثنين الماضي من المحاكمة الاستماع لافادة تسعة من الشهود ينتمون إلى أجهزة حماية وزارة الصحة والتي كانت لصالح المتهمين ليرتفع بهذا عدد الشهود الى 14 شاهدا كان اربعة منهم لم يحضروا المحكمة الاثنين قد أدلوا في اوقات سابقة بشهادات تدين quot;المتهمينquot; حيث اكدوا ارتكابهما جرائم قتل أطباء في عام 2006 والضلوع بأعمال إرهاب، وسرقة أجهزة حاسوب من الوزارة .. الا ان هؤلاء الشهود لم يتمكنوا من الحضور لجلسات المحكمة بسبب تهديد حياتهم ومن ضمن الشهود وزير الصحة السابق علي الشمري الذي طلب اللجوء الى الولايات المتحدة خلال الصيف الماضي والمفتش العام عادل محسن واثنان اخران من موظفي الوزارة.

وكانت القوات الأميركية ومعها قوات عراقية اعتقلت في الثامن من شباط (فبراير) من العام الماضي وكيل وزارة الصحة حاكم الزاملي في مقر الوزارة. وبعد أربعة أيام من اعتقال الزاملي قامت قوة أميركية باقتحام مبنى وزارة الصحة في منطقة باب المعظم وسط بغداد واعتقلت عددا من حراسها .
وقد سلمت القوات الاميركية اليوم وبعد يومين من تبرئتهما وكيل وزير الصحة العراقي السابق ومسؤول قوة حماية الوزارة المعتقلين لديها منذ عام الى الحكومة العراقية بناء على طلبها.

وإثر ذلك فقد تجمع المئات من المؤيدين خارج منزل الزاملي في مدينة الصدر بعد الإفراج عنه حيث تم ذبح عدد من الخرفان احتفالا بهذه المناسبة.
ويعتبر الزاملي أول مسؤول عراقي بارز يواجه اتهامات بالإرهاب منذ الحرب الأميركية في العراق التي أطاحت بنظامه السابق ربيع عام 2003.

ومن ابرز أسماء الاطباء الذين اختطفوا وقتلوا من وزارة الصحة عام 2006 الدكتور عمار الصفار الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الصحة لشؤون الاعمار والدكتور علي المهداوي مدير عام صحة محافظة ديالى والدكتور مؤيد الجنابي طبيب الحساسية في مستشفى في مدينة الصدر وسعد خريبط المرشح في حينها لتولي منصب مدير عام لشركة الادوية والمستلزمات الطبية واحمد محمد الذي كان صيدلانياً مفرغاً للدراسات العليا.

وكان المتهمان اللذان احيلا على المحاكمة وفقا لقانون الإرهاب قد أكد شهود خلال التحقيق معهما انهما quot;قاما بتشكيل ميليشيات شيعية تتولى اقتحام المستشفيات الحكومية لخطف الجرحى والمرضى من العرب السنة بعد تهديد الأطباء والعائلات التي تواجدت لزيارة أبنائهاquot; . وقد تم إحضار المتهمين الاثنين وسط إجراءات أمنية مشددة الى محكمة جنايات الرصافة في الجانب الشرقي من بغداد وهي المرة الاولى التي تحاكم فيها عناصر شيعية بارزة متهمة بالقيام بأعمال عنف طائفي حيث كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد أعطى منتصف العام الماضي الضوء الاخضر لمحاكمة المسؤولين السابقين . وتقع المحكمة في مبنى جديد بجانب الرصافة وهي منشأة جديدة شيّدها الجيش الأميركي وخصصت الحكومة العراقية 49 مليون دولار لإدارتها.

ويقول الجيش الاميركي إن الزاملي متهم بالتورط في مقتل العديد من المسؤولين في وزارة الصحة بينهم المدير العام لصحة محافظة ديالى (65 كم شمال شرق بغداد) والتخطيط لمقتل متعاقدين مع الوزارة، .. بالاضافة الى التواطؤ مع عدد كبير من عناصر جيش المهدي للعمل في الوزارة والاستعانة بسياراتها في اختطاف وقتل العرب السنة.

وفي رد على المحاكمة أعلن لواء سميسم رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري أن الاتهامات الموجهة للتيار الصدري عارية عن الصحة جملة وتفصيلا والأمر ينطبق على جميع الوزارات التي يتولى التيار مسؤوليتها. واضاف quot;نرفض الاتهامات التي تحاول تشويه الخط الصدري والتى لاتستند الى حقائق تذكرquot;.

وقد رفع تسعة أشخاص دعاوى ضد الزاملي والقائد العسكري للوزارة يتهمونهما فيها بالضلوع في قتل اقارب لهم. وكانت قوات عراقية وأميركية قد دهمت مبنى وزارة الصحة في شباط (فبراير) واذار (مارس) عام 2007 وألقت القبض على الزاملي بالاشتباه في انه قد quot;زرع عناصر مارقة من جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر في الوزارة وساعد في تسريب ملايين الدولارات الى رجال جيش المهدي التابع للصدرquot;.

وقد احيل المتهمان على المحكمة بموجب المادة 4 من قانون الارهاب التي تجيز تنفيذ عقوبة الاعدام على المدانين والذي اقرته الحكومة العراقية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2005 لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم في اعمال ارهابية وهي المرة الاولى منذ عام 2003 التي يحاكم فيها مسؤول عراقي كبير بشأن اتهامات خطرة تتعلق بالارهاب. وكانت صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; قد اشارت في وقت سابق الى ان التحقيق الاولي مع المتهمين شمل تسعة من شهود العيان بينهم من حصل على تأشيرة لمغادرة العراق والعيش في الولايات المتحدة لحمايته.

وقال الشهود ان الزاملي والشمري نظموا حوالى 150 من العاملين في امن الوزارة للعمل كقوة ميليشيا خاصة. كما تحدثوا عن استغلال تلك الميليشيا سيارات الاسعاف لنقل الاسلحة والهرب بمئات قتلى الاعمال الطائفية بين عامي 2005 و 2006 من السنة الذين ذهبوا الى الطب العدلي للبحث عن جثث اقاربهم الذي قضوا في اعمال عنف.

وقالت إنه كان من الصعب على حكومة نوري المالكي الموافقة على مثل هذه القضية في السابق بسبب الدعم الذي كان يلقاه شخص رئيس الوزراء من التيار الصدري إلا أنها لفتت إلى أن الوضع تغير منذ انسحاب الوزراء الصدريين من الحكومة مطلع العام الماضي وتقرب المالكي من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي. وأبلغ الجنرال الأميركي مارك مارتنز الصحيفة ان التحقيق في قضية الزاملي والشمري ومحاكمتهما يوجه رسالة تؤكد أن القانون العراقي سيسود على الجميع بمن فيهم كبار المسؤولين الفاسدين.

وبحسب وثائق القضية فإن الزاملي والشمري زوّدا أفراد هذه القوة التي تنتمي فعليا إلى جيش المهدي بهويات وزارة الصحة لكي يتمكنوا من التحرك بحرية واستخدام سيارات الاسعاف لنقل الأسلحة وتنفيذ توجيهاتهما القاضية بقتل المرضى من السنة. وأشار التحقيق وفق الصحيفة الأميركية إلى أن مرضى من العرب السنة في مستشفى اليرموك وابن النفيس والنور اختطفوا وقتلوا منذ اوائل سنة 2004 اضافة الى قتل أقارب المرضى الذين كانوا يطالبون بجثث موتاهم أيضاً. وأكد التحقيق أن بعض المرضى كانوا يحتجزون في وزارة الصحة قبل قتلهم مشيرا الى ان الأطباء السنة الذين كانوا يرفضون الانصياع لأوامر جيش المهدي كانوا يقتلون أيضا ومنهم مدير صحة ديالى الدكتور علي المهداوي الذي استدعي الى بغداد ليتولى منصب وكيل وزارة الصحة وهو ينتمي الى جبهة التوافق السنية ثم اختفى بعد ذلك. واضافت أن عمار الصفار المساعد الخاص للزاملي اختفى بعد ابلاغه مقربين له بأن الزاملي هدده .. فيما تعرض المفتش العام في الوزراة للتهديد لمنعه من فتح تحقيق داخلي.

وقال مايكل والتر المسؤول في وزارة العدل الأميركية الذي يقود الفريق الأميركي المكلف بتدريب العراقيين على كيفية التحقيق في الجرائم وإجراء المحاكمات إن هذه القضية من شأنها أن تخفف من حدة التوتر الطائفي. وأضاف والتر لمراسلي الصحيفة أن العرب السنة ينظرون إلى هذه المحاكمة على أنها أداة لطغيان الأغلبية الحاكمة بيد أنه أشار إلى أنها يمكنها أن تكون عامل توازن. واشار الى ان العرب السنة طالما اشتكوا من استهدافهم على الهوية في العيادات الطبية والمستشفيات .. موضحا أنهم باتوا الآن يشكلون عيادات خاصة لمعالجة مرضاهم.

وكان وزير الصحة العراقي السابق المنتمي إلى التيار الصدري ايضا علي الشمري قد حصل الصيف الماضي على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الاميركية. وغادر الشمري العراق وقيل انه توجه الى ايران بعد ان اشارت تقارير الى وجود مذكرة اعتقال بحقه اثر اتهامه بعلاقة مع ميليشيات مسلحة تنتمي إلى التيار الصدري.

وقال مسؤول أميركي إن دائرة الهجرة الأميركية منحت الشمري حق اللجوء الموقت داخل الولايات المتحدة ضمن برنامج حديث التطبيق يسمح لدائرة الهجرة الأميركية من تجاوز المعوقات الروتينية المعروفة ومنح اللجوء الموقت للعراقيين. وأضاف أنه إصطحب الوزير الشمري من العراق ليحط في أحد مطارات نيويورك الأسبوع الماضي وهو الآن يتمتع بحق البقاء الموقت في الولايات المتحدة الأميركية لحين البت بطلبه المتعلق بالبقاء الدائم كلاجئ سياسي. ومن جانبه أكد الدكتور سعيد حقي مدير جمعية الهلال الاحمر العراقية أن الوزير السابق الشمري كان مهددا بالقتل بسبب إقصائه المئات من الموظفين في وزارة الصحة.