البطالة تستشري وسط تحذير دولي من كارثة إنسانية
الفلسطينيون في غزة... صور معاناة وفقر مدقع

نجلاء عبد ربه من غزة: quot;هل تعتقدين أن حملي لتلك المُكنسة جاءت ببساطة..!؟ سعيت بكل جهدي الخاص منذ أربعة أشهر حتى أحصل على بطالة لمدة شهرينquot; هذا السؤال، وتلك الإجابة قالها فريد أبو صالح (48 عامًا)، بعدما سالته quot; إيلافquot; عما اجبره لحمل تلك المُكنسة وينظف بها شوارع قطاع غزة.

هذا الرجل الذي يعيل أسرةً مكونة من 7 أطفال، كان قد أكمل دراسته الجامعية قبل 15 عامًا، بحث كثيرًا عن عملٍ يناسب شهادته إلا أنه فشل في كل مرة، وأخيرًا إهتدى إلى قصص البطالة التي تأتي معظمها من الدول المانحة، فأصبح يلجأ لمقرري وواضعي كشوفات البطالة بإسلوبه الهادئ وعينيه اللتين تحكيان معاناة سبعة من خلفه، أطفاله.. وأصبح يعمل كل ستة أشهر، شهرين على بند البطالة.

بوجهه الشاحب، وتجاعيده التي تروي طموحًا كسّرته الوضع الاقتصادي الصعب التي تعاني منه السلطة الفلسطينية منذ عام 200م تارة، وأخرى جشع الموظفين القائمين عليها، فيضعون أسماء أقاربهم أو من يستفيدون منه سابقًا ولاحقًا.. يحكي بفخر أبو صالح أنه لم يُدخل أي واسطة حتى يحصل على هذه البطالة، فغيره، كما يقول quot;كانت له واسطة قوية للحصول على مكنسة لمدة شهرين وراتب لا يتجاوز 500 دولار عن تلك المدةquot;. ويقول أبو صالح quot;لم تسعني الفرحة عندما أبلغوني أن إسمي نزل في كشف البطالةquot;، أخيرًا كما يقول quot;سأسد بعضًا من ديوني المتراكمة على البقالات الثلاثة التي أتعامل معهاquot;، فهو بحسب وصفه quot;صرت أخجل أن أمر من أمام أصحاب البقالات الثلاثة، لأنني أدرك أن الدين أصبح كبيرًا جدًاquot;، متسائلاً: quot;ماذا بإمكاني أن أفعل..!؟

ولم تخفِ زوجته وفاء سعادتها براتب الشهرين، هي تقول إن مناسبات إجتماعية كثيرة مرّت على أقاربي، دون أن أذهب إليهم وأقدم لهم شيئًا رمزيًا لتلك المناسبة، ومضيفة: quot;حتى بناتي، هن بحاجة إلى بعض الملابس الخاصة بهن، فهديل كبرت وأصبحت في الثانوية العامة، وتخجل كلما ذهبت إلى المدرسة بالتنورة والقميص نفسهما، وكذلك أحلام فهي في الصف العاشر، لم تعد صغيرةquot;.

في هذه المناسبة، عمل رب الأسرة في بطالة الشهرين، إستغلتها الزوجة وفاء، وصنعت بعض الحلوى البيتية، وأكوابًا من الشاي الساخن، لتحتفل مع باقي أطفالها وزوجها عصر اليوم الأول من عمل أبو صالح.

وأدت التطورات التي عاشتها الأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخاصة الحصار الإسرائيلي المحكم على قطاع غزة وإغلاق المعابر، إلى تفشي ظاهرة البطالة وإرتفاعها إلى معدلات قياسية، فيما وصل الفقر لأعلى نسبة له، حيث تجاوز نسبة 70% في بعض المحافظات الفلسطينية، وبدأت تعكس نفسها على المجتمع بشكل عام، الأمر الذي حوّل الفقر والبطالة، وسبل مواجهتها من قضية إقتصادية وإجتماعية إلى قضية سياسية مهمة.

وقال رئيس مركز الإحصاء الفلسطيني لؤي شبانة، إن أوضاع وظروف العمل والعمال في الأراضي الفلسطينية بالغة التعقيد، إذ ما زال الاقتصاد الفلسطيني يعيش في حالة حصار دولي أضيف إلى الحصار الإسرائيلي، وانسداد الأفق في إيجاد مصادر بديلة في أسواق العمل العربية. وأضاف شبانة، إن هذه الصورة المتشائمة تجلت في التراجع الواضح الذي أبداه أصحاب المنشآت في تفاؤلهم بتحسن الأوضاع، على المدى القصير والمتوسط، في مجالات التشغيل وتوفر المواد الخام، وأكثر من ذلك على مستوى التسويق.

وأكد إن quot;هذا الوضع الخطير لم يكن وليد اللحظة أو الأيام القليلة الماضية، حيث شهدت الأراضي الفلسطينية منذ اليوم الأول من إنتفاضة الأقصى في 28 أيلول 2000م، فصلاً جديدًا من فصول المعاناة، إذ تدهورت حالة الاستقرار النسبي التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينيةquot;، موضحًا أن بناء جدار الضم والتوسع في الضفة الغربية، وإغلاق المدن الرئيسة، أثرت بشكل كبير ومباشر على تلك الأزمة، وخاصة طبقة العمال.

محمد أبن السبعة أعوام، وهو أحد أطفال أبو صالح، كان يتمنى أن يشتري لعبة مسدس العيد الماضي، ليلعب مع أقرانه، يطلب الآن من والده أن يوفي بوعده ويشتري اللعبة له. يبدو أن أبو صالح كان قد وعده بمجرد أن يدخل عليه بعضًا من المال، سيشتري له لعبته المحببة.

قد يكون أبو صالح أكثر حظًا من رياض، الذي حاول منذ خمسة أعوام، حتى اللحظة، أن يعمل آذن في احد المدارس، دون جدوى. ويقول quot;كنت أتوقع أن أجد لي مكاناً وأعمل آذن في أي مدرسة، حتى لو كانت في بيت لاهيا، ولكن هي.. هيquot;.

ويسكن رياض مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، على الحدود مع مصر. يخرج صباح كل يوم من منزله، ويبدأ مشواره اليومي، فتارة يحصل على كيس طحين من احد الجمعيات، وأخرى كابونةً فيها بعض أساسيات الطعام، كالرز والزيت والسكر والبقوليات.

يقول رياض quot; لم يخلُ يومًا من ذهابي للجمعيات التي تسعد المواطنين والعاطلين عن العمل، ونادرًا ما احصل على كابونة من النوع السالف ذكره، لأدخل بها على أطفالي الخمسة وأمهمquot;.

ويتحدث رياض عن رحلة حياته في ورشة حدادة عمل بها لأكثر من عشرين عامًا، كان يحصل على أجرة ثابتة من صاحب الورشة، ويقول quot;كانت أيام جميلة، كنت أشعر خلالها بأنني رب أسرة حقيقي، فعندما أعود إلى البيت مع غروب الشمس، أجد أطفالي ينتظرونني بإبتسامة عريضة، ويبدأ كل واحدٍ منهم بإثبات حبه لي أكثر من أخيه الآخرquot;.

وتبقى الأراضي الفلسطينية ترنح تحت رحمة جندي إسرائيلي يقف على بوابة على الحدود هناك، فيفتح الطريق أمام حركة السير أو دخول الشاحنات لتعود الحياة للمواطنين الفلسطينيين.. وربما خرج للعمل وهو غاضبًا من صديقته، فيقفل البوابة... وتغلق الأراضي الفلسطينية، وتتوقف الحياة هنا.