لبنانيو البقاع الشمالي الشيعة يسمعون نفير الحرب
الهجرة خيار المحظوظين

ركان الفقيه من بيروت: تتوالى الدراسات والمقالات الصحافية، التي تضع السيناريوهات المختلفة لحرب إسرائيلية على لبنان، بغية استعادة جيش الاحتلال الإسرائيلي هيبته وقوته الردعية، واستهداف حزب الله كقوة عسكرية وبنية اجتماعية حاضنة للحزب، أي المناطق ذات الأغلبية الشيعية بما فيها مدينة الهرمل والقرى المحيطة بها، حيث يستعد الحزب في الوقت نفسه للمواجهة المتوقعة، مما يثير القلق لدى العديد من أبناء المنطقة، خصوصاً وأن تداعيات الحرب الماضية ما تزال ماثلة للأذهان، بسبب الطابع التدميري لآلة الحرب الإسرائيلية وخصوصاً طائراتها التي ما تزال تقوم بطلعاتها شبه اليومية والتي لم توفر المدنيين أو البنية التحتية أو المؤسسات الاقتصادية والتربوية والإنسانية وحتى دور العبادة.


يؤكد أبناء المنطقة استعدادهم لتحمل نتائج الحرب المنتظرة خصوصاً وأن الاعتقاد كبير بانتصار حزب الله في quot;المنازلةquot; والصمود في أسوأ الاحتمالات، بل ويبدي البعض تفاؤله بأن الحزب قد وفر غطاءً جوياً وأن الحرب ستنتقل إلى داخل فلسطين المحتلة، لكن ذلك يترافق لدى عدد كبير من السكان بمجموعة من الهواجس والتساؤلات حول الظروف السياسية المستجدة منذ توقف حرب تموز وحتى الآن والتي لا بد أن تؤثر على مسار أي حرب تندلع راهناً وتتحكم بها، بعد وصول الخلاف على تقييم نتائج الحرب الماضية والمواقف والظروف التي أحاطت بها الحد الأقصى من التشنج والانقسام الطائفي والمذهبي الذي دمّر الكثير من جسور التواصل والدعم والمساعدة التي كانت قائمة مع اندلاع تلك الحرب وخففت من وطأة النزوح والخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي ولدته.


يعتبر المسؤول الإداري في مستشفى العاصي في مدينة الهرمل مالك علام أن الخلاف المذكور هو الأمر الأكثر خطورة وتحكماً بنتائج الحرب القادمة وخصوصاً إقفال كل المنافذ التي تسمح بانتقال النساء والأطفال والشيوخ إلى مكان آمن بعيداً عن المناطق التي ستكون عرضة للقصف والتدمير، مما يجعل العائلات مجبرة على البقاء في منازلها مهما اشتدت ضراوة الحرب. ويتابع علام قائلاً: quot;أنني واحد من آلاف المواطنين الذين لا خيار أمامهم سوى البقاء تحت وابل القذائف إذا ما اندلعت الحرب خصوصاً وأنني أتحمل مسؤولية والدي المسنينquot;.


ويتوقف علام عند الغياب الكامل لأي خطة مواجهة توفر عناصر الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي وترشد المدنيين كيفية التصرف خلال الحرب إضافة لعدم وجود أية ملاجئ محصنة ويضرب مثلاً على عدم الاستعداد لنتائج المعركة المتوقعة حيث لا يتوافر سوى سبع غرف للعمليات في جميع مستشفيات مدينة الهرمل سائلاً: quot;ماذا ستكون حال المنطقة إذا ما تعرضت لاعتداء كبير وسقط عدد من الجرحى يفوق طاقة مستشفياتها على الاستيعاب؟quot;
ويستعيد المهندس الزراعي حسن محفوظ بألم بالغ ذكرى الحرب الماضية التي حالت دون لقائه بعدما يقارب العشرين عاماً زوجته التشيكية وابنته وابنه الذين كانوا قد قرروا القدوم إلى لبنان لزيارته بعد أن حالت أوضاعه المادية الصعبة دون عودته إلى تشيكوسلوفاكيا السابقة التي درس فيها ومنذ أن غادر براغ بعد تخرجه ويعيش المهندس محفوظ حالياً وقع وألم تلك الحادثة مجدداً مع احتمال اندلاع الحرب مرة أخرى مؤكداً عدم مغادرة مدينة الهرمل إذا ما حصلت حرب quot;إعادة الاعتبار والقدرة الردعيةquot; لجيش الاحتلال الإسرائيلي لأن وضعه المالي لا يسمح بذلك بسبب تراجع عمله حتى الحدود الدنيا على أثر تدهور انقطاع الزراعي وقد قرر ترك أموره للقدر خصوصاً quot;وأن عائلته في مأمن خارج لبنان من جهة ولم يعد لديه شيء يخسرهquot; كما يقول من جهة أخرى.


بات حديث الهجرة أمراً بديهياً ودائماً يتم تداوله بين الأهل والأصدقاء كما يقول مهندس الديكور والمدرّس في التعليم المهني ناصر بليبل الذي يتابع قائلاً: quot;تتعدد quot;الخبرياتquot; ويتم تناقلها عن هجرة طبيب ناجح أو رجل أعمال وغيرهم من أهل الكفاءة والاختصاص والخبرة وقد وصل الأمر إلى حدود العمل من قبل مجموعات أشخاص تربطهم علاقة صداقة أو عمل، على ترتيب إقامة مزدوجة بين لبنان والخارج تحسباً لاندلاع الحرب بحيث تتم المغادرة لحظة انطلاقهاquot; ويشدد المهندس بليبل أن ما يؤرقه هو مصير أطفاله وزوجته ويسعى جاهداً إلى استئجار منزل احتياطي في منطقة غير مرشحة للتعرض للقصف خلال الحرب.


ويبدو أن الأوضاع المعيشية القاسية التي بدأت ترزح تحت وطأتها الأغلبية الساحقة في أبناء المنطقة بفعل التدهور الذي يطاول الحال الاقتصادية على المستوى الوطني العام والذي تعاني تداعياته المنطقة بفعل الحرمان المزمن بالأصل، بدأت تدفع البعض إلى اعتبار الحرب القادمة معركة مصالح دولية وإقليمية حيث لكل منها مشروعه الخاص وquot;ما نحن إلا أدوات فيها أو ضحايا ولن أكون إحدى الحالينquot; وفقاً لما ينوه به الموظف في شركة المبيدات حسن الحاج حسين قائلاً: quot;لدي التزام كرب أسرة مؤلفة من ثلاثة أطفال ووالدتهم وأعمل بكل طاقتي للسفر إلى أي مكان في العالم أستطيع فيه أن أوفر لهم الحد الأدنى من الاستقرار والحياة الكريمة علماً أن ابنتي الصغيرة كادت quot;تجنquot; خلال الحرب الماضيةquot;. ويذكر الحاج حسين: إن شقيقه يعيش في أوستراليا منذ حوالي العشر سنوات دون أن يأتي إلى لبنان حيث يخطط للقدوم منذ العام الماضي من أجل رؤية والدتهما لكنه يلغي حجزه كلما تناهت لإسماعه الأخبار المتواترة عن حرب قادمة يجري الإعداد لها حثيثاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي ويختم الحاج حسين مؤكداً أنه بات يعيش حالاً من quot;القرفquot; بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد منذ سنوات عدة والتي تضاف للأزمة المعيشية الخانقة وقد ضربت كل منزل وعائلة.