الغالبية تريد وزيرًا شيعيًا يحمل فكر الإمام شمس الدين
بدء البحث في تعديل حكومة السنيورة
إيلي الحاج من بيروت: بدأ البحث في أوساط الغالبية النيابية في بيروت بتعديل الحكومة التي يترأسها الرئيس فؤاد السنيورة وتنوب عن رئيس الجمهورية في مهماته لفراغ الموقع الأول في البلاد، وذلك مع إقتراب موعد القمة العربية في دمشق أواخر هذا الشهر. موعد يعتبره السياسيون اللبنانيون فاصلاً بالنسبة إلى مبادرة الحل التي طرحتها جامعة الدول العربية وتتضمن 3 بنود أولها إنتخاب المرشح التوافقي قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية فورًا، الأمر الذي لم يتحقق وجعل الخطة العربية تغرق وتختنق في مجموعة من العقد والعراقيل والشروط. ويجمع السياسيون اللبنانيون على أن عدم إنتخاب رئيس للجمهورية قبل إنعقاد القمة يعني أن هذا الرئيس لن ينتخب على المدى المنظور، وسيكون لبنان في هذه الحال قد دخل مرحلة ضبابية طويلة الأمد تستوجب قيادة أكثر تمثيلاً وقوة من جانب الغالبية على الأقل لمواجهة المشاكل الكبيرة المتوقعة ومعالجتها.
تبرز في سياق التعديل فكرتان: الأولى quot;ترميمquot; الحكومة، بمعنى الإكتفاء بتعيين وزير ماروني خلفًا لوزير الصناعة الراحل الذي قضى اغتيالاً الشيخ بيار الجميّل، والمطروح أن يكون والده الرئيس السابق أمين الجميّل أو من يسميه لخلافة نجله في الوزارة، وكذلك تعيين بديل من الوزير الأرثوذكسي المستقيل يعقوب الصراف المحسوب على رئيس الجمهورية السابق إميل لحود والذي استقال مع الوزراء الشيعة الخمسة. أما الفكرة الأخرى فتقول بتوسيع حكومة السنيورة التي تضم 24 وزيرًا، ومن ضمنهم المستقيلون لتصبح مؤلفة من 30 وزيرًا دون قبول إستقالة الوزراء الشيعة الخمسة، ومع تعيين وزيرين ماروني وأرثوذكسي لملء المقعدين الشاغرين حاليًا، فيزاد ستة وزراء يوزعون على الطوائف الثلاث الرئيسة وفقًا لقاعدة المثالثة من ضمن المناصفة. فتعيّن الحكومة أعضاء فيها إضافيين من الطوائف: المارونية والروم الأرثوذكس والملكيين الكاثوليك، والدروز والشيعة... وهنا مشكلة المشاكل.
فتعيين وزير شيعي من دون قبول استقالة وزراء quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; الخمسة يعني في رأي بعض أركان الغالبية إفقاد المعارضة ذريعة عدم مشاركة ممثلي طائفة رئيسة فيها للقول بأن حكومة الرئيس السنيورة quot;غير شرعية وغير دستورية ولا ميثاقية بمجرد أنها تخالف العيش المشتركquot;، لكنه يعني في الوقت نفسه تحديًا كبيرًا للحزب والحركة يحرص الرئيس السنيورة، خصوصًا على تحاشيه وسيكون إقناعه صعبًا بخوض quot;مغامرةquot; من هذا النوع قد تعجّل في دفع الأوضاع اللبنانية إلى مزالق العنف إذا ما ارتأى quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; أن تعيين وزير شيعي في الحكومة الحالية هو تعد على الطائفة التي يحتكران تمثيلها.
وثمة مشكلة إضافية في هذا الإطار تتمثل في إمكان الإتفاق مع شخصية شيعية وازنة تقبل ركوب هذا المركب الخشن. صحيح أن في قوى 14 آذار / مارس العديد من الشخصيات الشيعية البارزة والشجاعة ذات الرأي المستقل، ولكن تعوزها إجمالاً القدرة على مواجهة الضغوط الهائلة المتوقعة والتي ستتعرض لها في حال قبولها توزيرها. وواقع الحال أن quot;14 آذارquot; أضعفت هذه الشخصيات والمواقع إلى حد كبير بعقدها quot;التحالف الرباعيquot; الذي تقاسمت بموجبه المقاعد النيابية مع quot;حزب اللهquot; وquot;أملquot; في انتخابات صيف 2005 ولم تترك للمستقلين عن الحزب والحركة مجالاً للوصول إلى مقعد نيابي واحد أقله، فضلاً عن أنها لم تفسح لهم مجالاً إعلاميًا واسعًا في منابرها الإعلامية في مواجهة الآلة الإعلامية الضخمة التي يستخدمها quot;حزب اللهquot; خصوصًا.
ويتبادر إلى الذهن في السياق الأمين العام لـ quot;المنبر الديمقراطيquot; حبيب صادق، والنائب والوزير السابق المنشق عن حركة quot;أملquot; محمد عبد الحميد بيضون، ورئيس quot;تيار الكفاءاتquot; أحمد كامل الأسعد، والمهندس رياض الأسعد ابن خالة الأمير الوليد بن طلال ( الأبعد عن quot;14 آذارquot;)، ونجل الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، ابرهيم شمس الدين الذي يحظى بمكانة محترمة في طائفته لمتابعته التعبير سياسيًا عن مواقف والده الراحل التي تضمنها كتابه quot;الوصاياquot;.
فكر الإمام شمس الدين
ويقول لـ quot;إيلافquot; مصدر مطلع على توجهات الغالبية إنها تميل إلى توزير شخصية تستطيع الدفاع عن فكر الإمام الغائب موسى الصدر والإمام الراحل شمس الدين ونشر هذا الفكر المتكامل في الطائفة الشيعية، فلا تكون الخطوة مجرد عمل سياسي ولا توصف بـ quot;حرتقةquot; أو كيد. ويجدر التذكير بأن عددًا من الدول الخليجية، ولا سيما الكويت عوّلت على الإمام الراحل شمس الدين لمواجهة موجة التأييد للطروحات الإيرانية في صفوف مواطنيها من المذهب الشيعي .
وكان شمس الدين بحسب أحد أبرز من رافقوه في مسيرته الدكتور سعود المولى، في رسالة نشرها في 15 كانون الثاني / يناير الماضي quot; أوّل مَنْ أيّد ودعَم نهضة الإمام الخميني والثورة الإسلامية الايرانية، وظل يدافع عنها في وجه كل الهجمات والاعتداءات والافتراءات. ويُعرَف عنه أيضاً أنّه كان أوّل (ولعله الوحيد) مَنْ عارض وظل يعارض نظرية ولاية الفقيه وسمّاها باسمها الحقيقي: الإستبداد الديني. ودفاعه عن الدولة الإسلامية في ايران قام على أساس مشروعيّتها الشعبيّة الديموقراطيّة، إذ اعتبر انّ النظام الإسلامي ودستوره شرعيان نظرًا إلى إقرارهما في استفتاءات وخيارات شعبيّة ديمقراطيّة لا غبار عليها، وليس لأنّ الفقهاء فرضوا هذا الخيار. وقد قرن اعترافه ودعمه لخيار الشعب الايراني، بتشديده على اهمية مؤسسات القرار في داخل الدولة، وتطوير المشاركة الشعبيّة وأدوات الديمقراطيّة في ايران. وقال بأن quot;ايران دولة إسلامية قائمة على ولاية الفقيه، هذا جيد. ولكن في حدود ايران، أما خارج ايران فلا ولاية لهم على أحدquot;.
الموقف من quot;حزب اللهquot;
أما في خصوص الموقف من quot;حزب اللهquot;، quot;فمنذ الإعلان عن تأسيس الحزب (رسالة مؤسسيه اللبنانيين المفتوحة في 16 شباط/ فبراير 1985)، بل منذ بداية تحرك quot;الحرس الثوري الإيرانيquot; في بعلبك خلال حزيران/ يونيو 1982، رفض الإمام شمس الدين صيغة laquo;حزب اللهraquo; ومشروعه، من دون أن يفقد حلمه وصبره وحكمته ومحبته ورعايته لأبناء الحزب وكوادرهquot;. ويضيف :quot; رأى شمس الدين منذ البداية خطورة كبيرة تكمن في الاسم نفسه (حزب الله) والذي يستبطن عقلية تكفيرية حين يقسم الناس الى فسطاطين تمامًا مثل أسامة بن لادن وقبله بكثير: laquo;حزب اللهraquo; في مقابل حزب الشيطان، فيكون كل من ليس في الحزب عدوًا كافرًا ينبغي هدايته أو كسبه أو إلغاؤه. وعلى الرغم من أن رؤية الحزب وخطابه المعلن قد تطورا في السنوات الثماني التي سبقت وفاة الإمام (1992 ـ 2000)، إلا انه رحمه الله ظل يكرر في السر والعلن، انه لا يجوز لأحد، كائنًا من كان، أن يحمل اسم الله عز وجل. أو أن يتسلط على الناس باسمه تعالى (...)quot;
والمشكلة في رأي شمس الدين تكمن في أساس أطروحة أو صيغة laquo;حزب اللهraquo; التي يتمظهر فيها الدين الإلهي باعتباره مشروعًا دولتيًا (أي لإنشاء دولة) ومشروعًا تنظيميًا للمجتمع، ومشروعًا حزبيًا. فالدين (أي دين) والمذهب (أي مذهب) لا يجوز ولا يمكن أن يتمظهرا في حزب. أما من حيث ادعاء laquo;حزب اللهraquo; حمله quot;مشروعًا إسلاميًاquot; فقد كان رأي شمس الدين واضحًا قاطعًا من أنه laquo;لا مكان في لبنان لأي مشروع إسلامي بالمعنى التنظيميhellip; والحزب كمؤسسة ثقافية مقبول. أي من حيث كونه سيعلّم الناس الصلاة والقرآن والعقائد. أما من الناحية السياسية، فحزب الله تعبير عن مجموعة من الناس، من حقهم أن يعبّروا عن أنفسهم، باعتبارهم جماعة سياسية تستعمل الخطاب السياسي والأسلوب السياسي. وأكثر من هذا لا نوافق عليه على الإطلاقraquo;.
واعتبر شمس الدين من جهة أخرى، أن laquo;حزب اللهraquo; لا يملك مشروعًا بل يملك خطابًا laquo;والخطاب لا يمكن أن يستقطب مجتمعًا، وإنما عادة يستثير مشاعر ويرسم اتجاهًا، ويعبّر عن مضمون ثقافي. فهو (أي الخطاب) يصلح لأن يكون عاملاً تعبويًا تحريكيًا، أما أن يكون الخطاب هو الصيغة التنظيمية فهذا غير صحيحquot;. وفي السلم والحرب قال الإمام الراحل: quot;laquo;إما أن توضع استراتيجيّة عربيّة كاملة لتحمّل أعباء قضية فلسطين، ويكون لبنان والجنوب جزءًا منها، وإلا فلا يمكن أن نوافق أبدًا على أن يكون الجنوب أرضًا محتلة. ونحن سنكون أول المجاهدين وأول الشهداء إذا كانت هناك خطّة عربيّة شاملة. أما إذا لم تكن هناك خطة، وتكون هناك مزايدات وعنتريات وتناقض وتمزّق عربي، فلمصلحة مَنّ يضيع الجنوب؟quot;.
وصية إلى شيعة لبنان والخليج
وفي وصيّة تاريخيّة وجّهها إلى الشيعة في المملكة العربية السعوديّة، حول اندماج الشيعة في أوطانهم، لفت شمس الدين إلى خطورة انفراد الشيعة، وشيعة الجنوب اللبناني بالتحديد، في ادعاء القتال أو الاستشهاد نيابة عن الأمّة العربيّة أو الإسلاميّة أو عن القضيّة الفلسطينية. ومما قاله يومها: laquo;يقال الآن مثلاً (كان ذلك مطلع التسعينيات وقبل بروز quot;حماسquot; وquot;الجهاد الإسلامي في فلسطينquot;) ان الوحيدين الذين يقفون في وجه تسوية الشرق الأوسط هم الشيعة. هذا الأمر بمقدار ما يفتخر به بعض الشيعة وقصار النظر، يشكل خطرًا حقيقيًا على الشيعة. لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يبدو الشيعة وحدهم في مقابل ما يسمّى مشروع سلام الشرق الأوسط. إما أن يشاركهم فيه غيرهم وإلا فلا داعي لأن يظهروا أنهم وحدهم عشاق ليلى. إما أن يكون لهم شركاء في عشقها أو لا داعي لأن تكون معشوقة على الإطلاق. وأنتم تعلمون أن مَن يتأخر عن أهل البيت يفقد إيمانه، ومَن يتقدمهم أيضاً يفقد إيمانه. أي أولئك الذين يريدون أن يكونوا مسلمين أكثر من النبي وشيعة أكثر من الإمام عليquot;.
التعليقات