صنعاء: اعتبر عدد من المهتمين بالشأن الإقتصادي أن عدم معالجة جوانب القصور التي أعقبت مؤتمر إستكشاف فرص الإستثمار الذي عقد في ابريل العام الماضي لعبت دوراً في الحد من تحقيق النتائج المرجوة من المؤتمر في الوقت الذي كان بالإمكان معالجتها وخاصة ما يتعلق بالجانب الإداري والتشريعي والتنظيمي .

وأشاروا إلى أن المؤتمر وإن كان قد مثل الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل لاستقطاب رؤوس الأموال وخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن ما شهدته اليمن من أحداث شغب في بعض مناطق الجنوب كان تأثيرها السلبي على الأجواء الإستثمارية اكبر من تأثير بعض المعوقات التشريعية والإدارية والتنظيمية.

ورغم ذلك، اعتبر البعض أن الزيارات المستمرة للرجال الأعمال والمستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها خلال الفترة الماضية التي تكلل بعضها بالنجاح في توقيع اتفاقيات استثمارية وخاصة في الجانب العقاري والسياحي يؤكد الانطباع العام لدى الكثير بأن الفرص الإستثمارية في اليمن أشبة بقطار ستزداد سرعته يوماً بعد يوم ما يجدر بكل مستثمر حجز مقعد مناسب قبل فوات الأوان.

وحسب هؤلاء فقد اثبت الأخوة في الخليج النية الصادقة لتأهيل اليمن تمهيداً لانضمامها المستقبلي في المنظومة الخليجية، مستشهدين على ذلك أيضاً من خلال أعدد المشاركين في اليوم الأول من المؤتمر الذي تجاوز الـ1300 مشارك من أكثر من 19 دولة رغم توقعات اللجنة التحضيرية سلفاً أن يبلغ عدد المشاركين 600 شخصية التي على أساسها أعدت التحضيرات للمؤتمر من الناحية الفنية.

* نمو الاستثمارات :
ومن الجانب الإحصائي لمؤشرات ما بعد المؤتمر أظهرت التقارير الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن اليمن قد شهد صافي التدفق الإستثماري تحولاً ملحوظ مقارنة مع مطلع التسعينات الذي شكلت مؤشراته صوره سالبه بين 200ـ250 مليون دولار في المتوسط السنوي.
وهو ما يعني ـ بحسب التقريرـ أن حجم ما كان يخرج من اليمن من رؤوس أموال آنذاك يفوق ما يدخلها استنادا إلى معطيات التقارير السنوية للاستثمار في العالم حتى اليوم.

وبينت التقارير أن تلك المؤشرات انقلبت من السالب إلى الموجب حيث بلغ معدل نمو الاستثمار 22.1% عام 2007م مقارنة بـ3.4% عام2006م مما ساهم في ارتفاع نسبة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي من 16.4% 2006م إلى 18.4% عام 2007م.

وفي هذا الصدد أكد تقرير الحكومة الذي المقدم من رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور في اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية بأعضاء مجلس الوزراء والنواب والشورى بتاريخ 12 ابريل الجاري أن تلك المؤشرات مثلت معيارا مهماً على تحسن اتجاه الاستثمار في اليمن، مشيراً إلى أن ارتفاع معدل الاستثمار أدى إلى زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3.2% عام 2006م إلى 3.6% عام 2007م.

كما أفاد الدكتور مجور آنذاك أن النمو الاقتصادي غير النفطي حقق ارتفاعاً ملحوظاً من 4.7% عام 2006م إلى 5.5% عام 2007م حيث انعكس هذا النمو في الناتج المحلي ولو أنها اقل من المستهدف لخفض مستوى الفقر العام في اليمن من 35.5 عام 2005م إلى نحو 34 % 2007م.

* تأثيرات :
ورغم ما خرج بها المؤتمر من نتائج إيجابية وإن شاب الفترة التي أعقبت المؤتمر نوعاً من القصور في معالجة بعض القضايا المعرقلة للمناخ الإستثماري إلا ان انعقاد المؤتمر بحد ذاته كان مؤشر النجاح من الوهلة الأولى.

يقول رئيس اللجنة التحضيرية للعقد مؤتمر فرص الاستثمار الدكتور محمد الميتمي: أن المؤتمر وإن كان قد نجح بكل المقاييس إلا أن ما شهدته اليمن من أحداث تتعلق بالجانب الأمني في عدد من المحافظات جعلت الكثير من المستثمرين يلتزموا التريث لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور حتى أولئك الذين كانوا قد وقعوا اتفاقيات استثمارية. وأضافquot;: المستثمر حذر جداً وبطبيعة الحال يريد مستوى اقل من المخاطر ولا أعتقد أن أياً كان سيضخ أمواله في ظل أوضاع غير مستقرةquot;.

من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور طه الفسيل أن مؤتمر الاستثمار شكل نقله نوعية فيما يتعلق بالترويج للفرص الاستثمارية في بمختلف المجالات بعد أن كانت اليمن تعيش أشبه بحالة من الانعزالية فيما يتعلق بحركة رؤوس أموال المستثمرين وخاصة الأموال الخليجية.

وأكد الدكتور الفسيل أن الأحداث التي الإرهابية حدثت في محافظتي حضرموت ومأرب وأعمال الشغب في بعض المحافظات ستنعكس سلباً على مستوى إقبال المستثمرين إلى اليمن في الوقت الذي مثل مؤتمر الاستثمار نقطة تحول خلقت ثقة عالية لدى الكثير من رجال الأعمال وخاصة بعد تعهد فخامة رئيس الجمهورية في كلمته الافتتاحية بالمؤتمر بإيلاء كافة الاستثمارات الخليجية والعربية والأجنبية الرعاية العالية من قبله.

وقال: تحسين البيئة الاستثمارية تتطلب استقرار أمني وسياسي بإعتبار هذين العنصرين من المكونات الهامة اللازم توفرها في البنية الإستثمارية. وأضافquot;: تحقيق الأمن غير مقتصر على الحكومة بل تشمل مختلف الفعاليات في المجتمع وفي مقدمتها أحزاب المعارضة فما حصل خلال الفترة الماضية يهز البيئة الاستثمارية ويفقد ثقة المستثمرين بالاستقرار السياسيquot;.

* لجنة متابعة:
ولأن عملية تقييم نتائج ما بعد المؤتمر لا يمكن ان يكون صورة موضوعية إلا إذا شمل كافة الأبعاد المكونة للبيئة الإستثمارية المشتملة على النواحي التشريعية والإدارية والتنظيمية وغيرها فإن عملية التقييم تحتاج تبقى من الناحية العملية مشوبة بنوع من المصاعب.

وفي هذا الجانب يرى الدكتور الفسيل انه كان الأحرى على الحكومة تشكيل لجنة متابعة عليا تضم كافة الجهات المسؤولة تتولى من خلال الاجتماعات الدورية تحسين ورصد ومعالجة المشاكل التي تواجه المستثمرين بشكل سريع وتحسين بيئة الاستثمار بصورة مستمرة شريطة ان لا تقتصر على المشاريع الكبيرة بل تشمل المشاريع المتوسطة والصغيرة لأنها الباقية على المدى الطويل.

وقال: المؤتمر مثل أهم خطوة محفزة للجهات الحكومية للعمل على تحسين بيئة الاستثمار في اليمن ولذا كان لابد من الاستمرار في عمليات المتابعة لمخرجات المؤتمر وتحسين المنظومة الإستثمارية بصورة عامة المشتملة على عدة مكونات تتمثل في البيئة الاقتصادية والسياسية والتشريعية والقانونية التنظيمية والإدارية باعتبارها تكوين لمنظومة واحدة.

وأضافquot; افرز المؤتمر خطوات جادة لتحسين مناخ الاستثمار في اليمن وإن وجد نوع من القصور إلا أن البعض قد اطمئن لتلك النتائج ووضع كفيه تحت رأسه ونام في سبات عميقquot;. وأشار إلى أن من ابرز تلك النتائج هي اعتماد نظام النافذة الواحدة التي سهلت جزء بصورة ما عملية إنجاز المعاملات الخاصة بالمشاريع الإستثمارية والحد من الروتين طرد المستثمرين ما يتطلب تطبيق نظام النافذة الواحدة في جميع المحافظات.

وقال لاشك ان هيئة الاستثمار قد بذلت جهود من خلال النافذة الواحدة وتطوير الأنظمة الإدارية لديها ولكن الأمر لا يقتصر على الهيئة بمفردها إذ يستوجب إجراء تطوير شامل من مختلف الجهات ذات العلاقة بالاستثمار ابتداء بالمجالس المحلية وتحسين البيئة الاقتصادية وتخفيض مستويات التضخم لأنه يطرد الاستثمارات ولا يجذبها.

* معوقات:
يرى نائب رئيس جمعية الصناعيين اليمنيين عبدالله علي السنيدار أن المؤتمر وإن حقق نجاح كبير إلا أن الأحرى بالجهات المختصة مواجهة المعوقات والإشكاليات التي ما يزال البعض منها حاضرا حتى اليوم ومنها عدم كفائة الجهاز الإداري في الجهات المرتبطة بصورة مباشرة بالمستثمرين كما أن توظيف الكوادر الإدارية عالية الكفائة التي لها علاقة بالمستثمر ما زالت محدودة جداً.

وقال السنيدار: عملية التوظيف للأسف ما تزال تتم بناء على الاعتبارات الاجتماعية البحتة بعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية. وأضافquot; ما بذلته الحكومة من جهود لتحسين بيئة الاستثمار كانت جيدة إلا أن تلك الجهود كانت اقل من المتوقعquot;.

كما يرى السنيدار أن تولي كافة الفعاليات الشعبية الجانب الاقتصادي جل الاهتمام مقارنة بالجانب السياسي، معتبراً أن من يملك القرار الاقتصادي يملك القرار السياسي.

وقال: علينا توفير المناخ المناسب لتطوير النشاط الاقتصادي والاستثماري والاعتماد على أنفسنا لأننا قد لا نجد من يمد لنا يد العون لأن كل بلد مشغول بنفسه.
كما شدد على ضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية والتخريبية الهادفة إلى النيل من الوطن ووحدته الهادفة إلى إضعاف تلك الجهود الحكومية الهادفة إلى تأمين حراك اقتصادي يحقق رخاء لمختلف أبناء الشعب.

فيما يرى الدكتور الميتمي أن بعض الشخصيات النافذة التي كانت تعرقل المستثمرين لم يستسلموا للوهلة الأولى عقب المؤتمر بل واصلو جهودهم لعرقلة الاستثمارات وإن كانت حدود حركتهم أصبحت بعد المؤتمر محدودة إلا أنه كان من المفروض القضاء محاربتهم بصورة كبيرة.

* دور القطاع الخاص :
وفي الوقت الذي تزاحم فيه رجال الأعمال اليمنيين لحضور المؤتمر إلا أن الملاحظ أن توجههم الإستثماري لم يتغير بالشكل المطلوب في الوقت الذي يسعى الكثير من رجال الأعمال الخليجيين للبحث عن شركاء في اليمن لتنفيذ مشاريع مختلفة.

وفي هذا الجانب يرى الدكتور الفسيل السبب أن البعض من رجال الأعمال اليمنيين ما يزال يفكر بعقلية الاحتكار كما كان في السابق ولذا لم يحبذ البعض عملية التدفق الإستثماري لليمن من الخارج.

وقال: اعتقد ان الكثير يدرك أن دخول رؤوس الأموال الخليجية الكبيرة وتنفيذها لمشاريع عملاقة كما هو الحال في مشروع فردوس عدن وغيرها سيكشف مدى هشاشة استثمارات رجال الأعمال المحليين. وأضافquot;: كان الأحرى بهؤلاء الدخول في شراكات مباشرة مع المستثمرين الأجانب بصفة عامة بدلا من التقوقع حول أنفسهم.quot;

فيما يعتبر رجل الأعمال عبدالله السنيدار ان رجال الأعمال اليمنيين لم يسهموا في ا لسابق في تنمية النشاط ا لاقتصادي في بلادنا لأسباب مختلفة وإن كان أكثرها غير موضوعي.

وتابع:quot; لو حول رجال الأعمال اليمنيين أموالهم من الخارج واستثمروها في اليمن لشهدت اليمن نهضة عمرانية وصناعية تضاهي quot;هونك كونجquot; نظراً لما تشهده اليمن من تحولات كبيرة وخاصة بعد حل كافة مشاكل الحدود مع دول الجوارquot;. وأضافquot;: على القطاع الخاص اليمني أن يطور نفسه في ظل توجهات الحكومة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وألا فإنه سيجد نفسه متأخراً في الإمكانيات والخبرة ليصبح غير قادر على مجاراة الحراك الاقتصاديquot;.