واشنطن: تتميز الخريطة الإعلامية في الولايات المتحدة بالتعدد والتنوع بشكل يكاد يكون فريداً من نوعه يصعب حصره ما بين صحف محلية تحظى بشعبية واسعة ومعدل قراءة عالي تغيب عنها تقريباً الأحداث العالمية، وصحف قومية توزع في كافة الولايات الأميركية، وقنوات تليفزيونية أرضية واسعة الانتشار وقنوات الكابل، ومئات المحطات الإذاعية فضلاً عن العديد من المواقع الإخبارية الاليكترونية التي تقدم نفسها كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية ومصدراً للأحداث مواكب للعصر.

لكن مشروع الامتياز في الصحافة Project for Excellence in Journalism التابع لمركز بيو للأبحاث اعتاد أن يصدر تقريراً سنوياً عن وضع الصحافة الأميركية للتعرف على اتجاهاتها خلال عام كامل قياساً على بعض المؤشرات. ومنذ أسابيع قليلة صدر التقرير السنوي الخامس لquot;حالة الإعلام الإخباريquot; State of the News Media وهو عبارة عن تحليل متعمق وشامل للتغطية الإخبارية لنحو 70 ألف قصة إخبارية News Story في 48 مصدر إعلامي يتبعون خمس قطاعات إعلامية.

وتقدم نتائج هذا التقرير الموسع تحليلاً غير مسبوق لما دأبت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة ما بين صحف وإذاعة وتليفزيون وانترنت على نقله للمواطنين طوال عام 2007 وأولويات كل وسيلة وفقا لأجندتها الخاصة.

العراق والانتخابات الرئاسية أبرز الاهتمامات

خرج التقرير بأبرز ملاحظتين على أداء الإعلام الأميركي في 2007 وهما اهتمام وسائل الإعلام على اختلاف تنوعها وتعددها بقضيتين اثنتين شغلتا اهتمامهم وهما تطورات الحرب الدامية في العراق وما يصاحبها من مناقشات وجدل سياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين حول ضرورة تغيير الإستراتيجية الأميركية أو الاستمرار فيها وقضية الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في نوفمبر القادم. واستهلكت القضيتان جزءاً كبيراً من مقدرات هذه الوسائل واحتلتا سوياً ثلث التغطية الإخبارية.

لكن ومع انتهاء العام ونجاح خطة زيادة القوات التي أقرها الرئيس الأميركي جورج بوش خفت نجم الجدل السياسي حول العراق كما انخفضت تغطية الحرب الدائرة في العراق وإن كانت تطورات الأوضاع على الأرض ظلت في دائرة الاهتمام الإعلامي أكثر من التطورات السياسية في واشنطن في هذا الخصوص.

أما القضية الثانية التي نالت اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام في العام الماضي فكانت انطلاق الحملة الانتخابية للسناتور باراك أوباما والسناتور هيلارى كلينتون لاقتحام الانتخابات الرئاسية في أول انتخابات تبدأ في هذا التوقيت المبكر في التاريخ الأميركي. ومع اقتراب نهاية العام واحتدام المنافسة أصبحت قضية الانتخابات الرئاسية هي محور الاهتمام.

كما يظهر التقرير أن قطاعات الإعلام القديم أو التقليدي مثل الصحف وشبكات التليفزيون تحظى بتنوع أجندتها الإخبارية أكثر بكثير من الإعلام الحديث مثل برامج الTalk radio التي تستضيف ضيوفاً مختلفين وتسمح بمشاركة المستمعين فيها والمحطات الإخبارية مدفوعة الاشتراك التي تبث على الكابل التي تنطلق من فكر ورؤية معينة وتعد أقل حيادية وموضوعية. هذا التنوع الإخباري الذي امتازت به وسائل الإعلام القديمة جعل قصصها الإخبارية الرئيسية لا تقتصر على أخبار حرب العراق والأخبار السياسية مثلما حدث مع وسائل الإعلام الحديثة التي دأبت على تضخيم هذه الأحداث ونقلها إلى المستمعين والمشاهدين.

الأحداث العالمية شبه غائبة

وخلص التقرير إلى أن الإعلام الأميركي لم يقم بتغطية أخبار العالم في 2007 وإنما تغطية المصالح الأميركية في الخارج أي أنه طالما لم تكن هناك مصلحة أميركية في شأن دولي ما فإنه لن يذكر في وسائل الإعلام. وبخلاف العراق، لم تحظ سوى إيران وباكستان بتغطية تذكر في الإعلام الأميركي الذي قصر اهتمامه على الحرب وكل ما يتعلق بها ولهذا اهتم بشئون إيران وباكستان. وبالإضافة لهاتين الدولتين، مر الإعلام الأميركي مرور الكرام على أحداث هامة في أفغانستان وكوريا الشمالية ودارفور وروسيا والصين ولبنان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتوتر الذي شاب العلاقات الأميركية الروسية العام الماضي حول الدرع الصاروخية الذي ترغب واشنطن في بنائه في أوروبا الشرقية.

تباين ميول المواطنين والإعلام

لكن المفاجأة الكبرى التي فجرها التقرير هو أن وسائل الإعلام فشلت في تلبية احتياجات الشعب الأميركي ولم تقم بتغطية القضايا التي يهتم بها المواطنون ولم تراع اهتماماتهم وأولوياتهم في تغطيتها الإخبارية. وأكدت عينة من المواطنين الذين تم استطلاع آرائهم أن الإعلام الأميركي لم يوفر تغطية إخبارية كافية للقضايا التي شغلتهم طوال العام الماضي مثل ارتفاع أسعار الوقود وسحب لعب الأطفال السامة والمعركة التشريعية التي جرت في الكونغرس حول التأمين على صحة الأطفال، وذلك على الرغم من أن تغطية هذه القضايا تعد أسهل من الناحية اللوجيستية نظرا لأنها أحداثا محلية أو قومية وليست خارجية تتطلب الكثير من النفقات.

وكانت قضية ارتفاع أسعار الوقود وعمليات سحب لعب الأطفال هما أبرز مثالين على تناقض متطلبات المستهلك الأميركي وما تعرضه وسائل الإعلام بالإضافة إلى تطورات الأوضاع في العراق وحالة الجو والأحداث المتعلقة بإيران.

وبدا من الاستطلاع أن المواطنين لم يكترثوا لأخبار باكستان وبعض الموضوعات في الجدل السياسي الدائر في واشنطن حول العراق مثل شهادة الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات متعددة الجنسيات في العراق أمام الكونغرس في سبتمبر الماضي لتقديم توصياته والتي تقرر بعدها زيادة عدد القوات الأميركية في بلاد الرافدين.

وعلى الرغم من الزيادة الهائلة في وسائل الإعلام الأميركية والتي توفر خيارات عديدة للمواطنين لاختيار الوسيلة التي يتابعها، إلا أن التقرير شدد على أن ذلك لا يعنى أن هذا التنوع انعكس على الأجندة الإخبارية التي ظلت واحدة ومتشابهة إلى حد كبير في جميع وسائل الإعلام بما لا يطرح بديلا حقيقيا.

وبعد قضيتي حرب العراق والنقاش السياسي حولها والانتخابات الرئاسية، تأتى الأحداث الدولية في المركز الثالث وفق دائرة اهتمامات وسائل الإعلام الأميركية بنسبة 11% احتلت أخبار إيران وباكستان بوصفهما في مركز اهتمام دوائر مكافحة الإرهاب أكثر من ربع هذه التغطية. وشملت تغطية الأحداث الدولية بعض الكوارث الطبيعية أو البشرية مثل الأعاصير وتحطم الطائرات وأحداثا تفتقد العمق ولا تتطلب التغطية المكثفة.

الانترنت هو مستقبل تغطية العالم

أما القطاع الإعلامي الأكثر تفرداً عام 2007 فكان الانترنت حيث صبت المواقع الإخبارية الأميركية الكبرى مثل quot;جوجلquot; وquot;ياهوquot; وquot;سى إن إنquot; وquot;أيه أو الquot; وquot;أم أس إن بي سىquot;معظم اهتمامها على السياسة الخارجية والأحداث العالمية التي جاءت تغطيتها على حساب الأحداث الأميركية الداخلية الكبرى والهامة وشكلت نحو 50% من التغطية الإخبارية في هذه المواقع.

وأكد التقرير السنوي الذي يرصد حالة الإعلام أن موقع quot;ياهوquot; كان الأكثر تركيزا على أحداث حرب العراق فيما اهتم quot;جوجلquot; بأخبار انتخابات الرئاسة وحملات المرشحين. ووزعت نسب تغطية المواقع الاليكترونية لهذه القضايا الإخبارية كالتالي:

التغطية الإعلامية
النسبة مئوية


أحداث العراق
11

أخبار الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة لأميركية
7

للجدل السياسي في واشنطن حول السياسة الأميركية تجاه العراق
6

أخبار إيران
3

أخبار باكستان
3

تغطية الاقتصاد الأميركي
2

تطورات الأوضاع في أفغانستان
2

الإرهاب الداخلي
2

أخبار إقالة النواب العموميين
2

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
2


الصحفيون متشائمون من وضعهم المالي

جانب آخر من هذا التقرير الذي أعده مشروع الامتياز في الصحافة هو استطلاع آراء 585 صحفي ما بين مراسل محلى ومحرر ومسئولين تنفيذيين حول رأيهم في مستقبل المهنة ووضعها الحالي. وتبدى غالبية العينة تشاؤماً ملحوظاً من مستقبل مهنة الصحافة لكنها تعرب عن قلقها البالغ من المصاعب المالية التي غلبت على مشاكل جودة المادة الصحفية المقدمة أو حتى المصداقية الواجب توافرها.

ويبدو من الاستطلاع استعداد الصحفيين الأميركيين لتبنى تكنولوجيا الانترنت الجديدة التي أحدثت ثورة في عالم الصحافة والدخول في أنشطة رقمية مثل المدونات أو quot;البلوجزquot;، وإن كانوا منقسمين بالنسبة للتأثير العام للشبكة العنكبوتية على القيم التقليدية للصحافة ما بين من يرى أنها ستقوى وتعزز هذه القيم لأنها توفر تغطية موسعة وتفصيلية للحدث وآخرون يرون أنها ستضعفها لأنها ستزيد من ضغوط العمل والالتزام بمواعيد محددة deadline.

ويلقى بعض الصحفيين اللوم على هذا التغيير في البيئة الصحفية الذي تسبب من وجهة نظرهم في خفض أعداد جمهور قراء الصحف. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون صحيحا إلى حد ما إلا انه لا يجب إغفال تزايد الصحف المتخصصة التي بدأ القراء يتحولون لها لتلبية احتياجاتهم بشكل أكبر.