باراك يدعو اولمرت الى الاستقالة
نضال وتد من تل ابيب: في تطور لافت للأمور، دعا وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، ظهر الثلاثاء، رئيس الحكومة الإسرائيلية أولمرت، إلى الابتعاد عن إدارة أمور الحكومة وذلك على خلفية الإفادة التي أدلى بها الثري الأميركي موريس تالينسكي، وأكد خلالها أن سلم أولمرت مبالغ مالية كبيرة على مدار ستة عشر عاما، منذ كان وزير للتجارة والصناعة، وإبان فترة ترأسه لبلدية القدس.

وقال باراك في مؤتمر صحفي عقده ظهر الثلاثاء، في مبنى الكنيست quot; لا أعتقد أن بمقدور رئيس الحكومة أن يدير في آن واحد الحكومة وقضاياه الشخصية، على رئيس الحكومة أن يعزل نفسه عن إدارة أمور الدولة، وأمامه عدة طرق للقيام بذلك: التنحي عن منصبه، الاستقالة، أو الإعلان عن عدم قدرته على مزاولة مهام منصبه، لن نقوم نحن بتحديد الآليةquot;.

وأكد باراك أنه: quot; على رئيس الحكومة العمل، وعلى حزب كاديما أن يتخذ القرارات اللازمة فالدولة بحاجة لاستقرار، ولذلك يجب تشكيل حكومة جديدة في الكنيست، لست خائفا من الانتخابات، فالجمهور هو صاحب الكلمة وسوف نفوز، وإذا لم يتحرك حزب كاديما لتشكيل حكومة فسوف نعمل من أجل تحديد موعد متفق عليه لإجراء الانتخابات النيابيةquot;.

وكان باراك قد اجتمع، قبيل المؤتمر الصحافي، مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت أبلغه خلالها أنه على ضوء إفادة تالينسكي، فإنه لم يعد بمقدوره (أي أولمرت) البقاء في منصبه.

ويأتي إعلان باراك هذا بد إن كان رفض طيلة الوقت اتخاذ موقف ضد أولمرت في قضايا الفساد التي يجري التحقيق معه فيها، وبرغم الضغوط التي مارستها عليه جهات حزبية كبيرة. فقد اكتفى باراك طيلة الوقت بالقول إن أولمرت بريئا ما لم تثبت إدانته.

وفور إعلان باراك عن موقفه هذا قال مقربون من أولمرت، إن الأخير لا يفكر على الإطلاق بتنحية نفسه من منصبه، وأنه مصر على البقاء في عمله، لا سيما وأن جلسة الاستماع القادمة لإفادة تالينسكي ستقلب الصورة رأسا على عقب.

تحركات ومشاورات

وفور انعقاد المؤتمر الصحفي لباراك، بدأت تحركات حثيثة بين مختلف الأحزاب وداخل الأحزاب الرئيسية وخصوا داخل حزب كاديما. ويرى محللون أن إعلان باراك يزيد من فرص وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بالوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، في حال تمخضت الضغوطات عن تنحي أولمرت من منصبه. لكن الخطوة الأولى تبقى تحرك حزب كاديما لاختيار خليفة لأولمرت، وهو تحرك يحمل في طياته مجازفة قد تقضي على كل من يبدأ التحرك ضد أولمرت داخل الحزب.

وسوف توجه الأنظار حاليا نحو تسيبي ليفني، التي تلتزم الصمت حاليا، خوفا من إثارة معسكر مؤيدي أولمرت، وهي تخشى أن ينقل معسكر أولمرت تأييده في حال كانت تسيبي ليفني المبادرة لتحرك حازم ضد أولمرت، لوزير المواصلات، شاؤول موفاز، الذي شهدت علاقته مع أولمرت تطورا إيجابيا مقابل تدهور العلاقات بينه وبين تسيبي ليفني.

لكن أحد المشاكل الرئيسية الحالية تتمثل في افتقار حزب أولمرت، كاديما، إلى مؤسسات وهيئات حزبية قادرة على اتخاذ القرار، وافتقاره إلى آليات وإجراءات متفق عليها، فجميع أعضاء الكنيست في كاديما، ووزرائها في الحكومة، كان تم تعيينهم من قبل شارون، عند انسحابه من الليكود قبل عامين، وبالتالي فإن المرجعية الوحيدة المتوفرة لكاديما حاليا هي كتلة الحزب في الكنيست، التي يمكن لها إقرار اجراء انتخابات داخلية، أو اختيار خليفة لأولمرت، وهو أمر مستبعد حاليا، خصوصا وأن موفاز وليفني لن يسارعا للقيام بأي تحرك، ما دام أولمرت مصرا على موقفه بعدم التنحي من منصبه.
وستدخل الحلبة السياسية الحزبية في إسرائيل منذ إعلان باراك حالة من الحراك والاتصالات المكثفة في محاولة لاستجلاء واستقراء التطورات المستقبلية.

فدعوة باراك لأولمرت التنحي عن منصبه أكدت على أن حزب العمل لا يعتزم ، حاليا إسقاط الحكومة بأي حال من الأحوال، خصوصا في ظل الاستطلاعات التي تنذر بخطر فوز نتنياهو، وبالتالي فإن السيناريو المفضل على حزب العمل، وعلى قيادات كاديما نفسها، هو الإبقاء على الحكومة بتركيبتها الحالية وتغيير هوية من يقف على رأسها، مع ميل العمل لأن تكون ليفني هي المرشحة لخلافة أولمرت وليس موفاز، وهو ما ألمح إليه باراك عندما قال ( تمكين حزب كاديبما من اختيار خليفة لأولمرت، وتشكيل حكومة تروق لنا)، ففي حال قادت التطورات إلى وصول موفاز إلى الحكومة فليس مستبعدا والحالة هذه أن يسعى حزب العمل إلى اللجوء للخيار الثاني وهو التوصل إلى موعد متفق عليه لإجراء انتخابات نيابية عامة، إذ أعد عضو الكنيست أوفير بينيس مشروع اقتراح قانون لهذه الغاية.

أما إذا رفض حزب كاديما، أو عجز عن اختيار خليفة لأولمرت، فقد يتجه باراك إلى تشكيل حكومة وحدة قومية، أو حكومة طوارئ مع الليكود، عبر الانسحاب من الحكومة ودعوة رئيس الدولة إلى تكليف عضو كنيست يتفق عليه لتشكيل حكومة جديدة، لكن المشكلة تكمن في كون باراك ليس عضوا في الكنيست وبالتالي فلن يكون قادرا على طرح نفسه لهذا المنصب، مما يقلل من فرص اللجوء لهذا الخيار لصالح خيار الاتفاق على موعد مبكر لإجراء الانتخابات النيابية.

أولمرت قد يقلب الصورة رأسا على عقب

مع أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أولمرت، لم يعقب لغاية الآن على المؤتمر الصحافي الذي عقده زعيم العمل، إيهود باراك، إلا أن بمقدور أولمرت، الذي يصر حاليا على البقاء في منصبه، أن يقلب الصورة رأسا على عقب، ليضرب كل حسابات الأحزاب المختلفة والانتقام من خصومه، وبالتحديد من باراك وليفني، التي ألمحت جهات حزبية إلى أن تحرك باراك الأخير كان بالتنسيق معها.

فبمقدور أولمرت أن يقصي بجرة قلم وزيرة الخارجية ليفني من منصب القائمة بأعمال رئيس الحكومة، وأن يعين بدلا عنها شاؤول موفاز، مما قد يشكل ضربة قاضية لليفني، التي تواجه معارضة داخلية في كاديما بسبب quot; عدم ولائها لأولمرتquot;، وبالتالي فإن ذلك سيغير موازين القوى داخل كاديما ولكن أيضا داخل الخريطة الحزبية الإسرائيلية، والتحالفات المستقبلية ، كأن يتجه موفاز على رأس كاديما لاندماج مع الليكود، أو على الأقل لتشكيل حكومة مع الليكود بدلا من حزب العمل، خصوصا وأن مواقفه أقرب إلى الليكود منها إلى العمل، مما قد يحرق لباراك جميع أوراقه.

بإمكان أولمرت أن يلجأ إلى منطق شمشون التاريخي، في حال وجد نفسه محاصرا من كافة الجهات، فعندها قد يلجأ أولمرت ليس إلى تنحية نفسه أو تقديم استقالة الحكومة فقط وإنما أيضا إلى تقديم استقالته وحل الكنيست، مما يعني ضرورة إجراء انتخابات جديدة خلال 90 يوما من موعد تقديم الاستقالة. صحيح أن أولمرت يعتزم البقاء في منصبه قدر الإمكان، لكن في حال شهدت الكنيست تحركا لجهة إسقاط حكومته واستبادلها بحكومة أخرى مع تجنيد تأييد 61 عضو كنيست يؤيدون تكليف أحد النواب تشكيل حكومة بديلة، فإنه لا سبب سيحول عندها بين أولمرت وبين الانتقام من باراك وليفني عبر حل الحكومة والكنيست والذهاب إلى انتخابات تشير الاستطلاع أن نتنياهو هو الوحيد الذي يبدو أنه مستعد لها وله نصيب وافر من الحظ للفوز فيها.