الجزائر: زار ساركوزي الجزائر مرتين في اقل من عام ، وزراء في حكومته تناوبوا، في شكل لافت، على زيارات للجزائر، كلهم من اصحاب الحظوة لدى رئيسهم.
زيارات في مجملها كانت في كل مرة تتخذ من غطاء التعاون رداء كما يتردد لدى بعض الأوساط السياسية. لكن في بعدها الأعمق كما يقولون الترويج لمبادرة رئيسهم لاقامة الاتحاد من أجل المتوسط.
الرجل الثاني في الدولة الفرنسية، رئيس الحكومة فرانسوا فيون، ختم زيارات كل الوزراء الموفدين الى الجزائر للتباحث مع السلطات الجزائرية بشأن المبادرة.
الرجل كان على ما يبدو معولا عليه للعودة الى رئيسه، الذي كان في الوقت نفسه في اسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، ومعه تأشيرة الجزائر التي فشل في الحصول عليها مبعوثون سابقون - أي تأشيرة حضور الرئيس بوتفليقة ميلاد الاتحاد من اجل المتوسط في القمة التأسيسية في الثالث عشر من يوليو/ تموز المقبل في العاصمة الفرنسية باريس.
رئيس الحكومة الفرنسية عندما خرج من لقائه الذي خصه به الرئيس الجزائري ، سئل من الصحفيين ان كان قد تلقى موافقة من بوتفليقة لحضور القمة رد بالقول : ان القرار يعود الى الرئيس، وبناء الاتحاد لا يمكن ان تقوم له قائمة في غياب الجزائر.
بينما لم يتحدث الرئيس بوتفليقة اطلاقا امام الصحافة عن الاتحاد، حتى عندما سئل ان كان سيحضر قمة باريس. اجاب بتصريح مقتضب ومن جملة واحدة بقوله: لكل مقام مقال. هذا الوضع جعل المراقبين يتساءلون ما الذي حدث.
حساسية كبيرة
رغم ان الزيارة تمخضت عن اتفاق نووي يعد الأول من نوعه بين البلدين، وكانت فرنسا مترددة بشأنه لسنوات طويلة على خلفية مخاوفها من قضايا تاريخية ما تزال تثير حساسية كبيرة بينهما، ولم تتم تسويتها الى حد الآن، وفي احيان كثيرة غالبا ما تتسبب في تعثر العلاقات عند اثارة اية مسألة تاريخية تعود الى الحقبة الاستعمارية.
أما الاتفاق الثاني فذو طبيعة عسكرية إذ قالت عنه اوساط حكومية جزائرية انه يتعلق بالتدريب المشترك لقوات البلدين في مناورات عسكرية. وفي شق آ خر، تتولى فرنسا تزويد الجيش الجزائري ببعض المعدات العسكرية الموجهة لأغراض التكوين.
وكانت فرنسا تمارس حظرا على تصدير كل انواع السلاح الى الجزائر في تسعينيات القرن الماضي اثناء الأزمة الأمنية التي عصفت بها، وافادت تقارير آنذاك ان الوزير الحالي للخارجية الفرنسية برنار كوشنار كان من اكبر المعارضين لتصدير السلاح للجزائر عندما كان يرأس المنظمة الدولية quot;اطباء بلا حدودquot;. وبلغ الأمر ببلاده الى تحريض المجموعة الدولية بفرض الحصار عن الجزائر، وعدم تزويدها بالسلاح.
القضايا الخلافية بين الجزائر وفرنسا عديدة ومتنوعة، ومن ابرزها: المسائل التاريخية التي تعود الى الحقبة الاستعمارية للجزائر على امتداد مأتين واثنين وثلاثين عاما.
مطالب
وما تزال مطالب الجزائر كما تقول بخصوص الاعتراف والاعتذار والتعويض عما اصاب الجزائريين من تقتيل وتدمير تُقابل بتجاهل تام من الفرنسيين.
وفي سياق آخر، خلافات تطرح بشأن قضايا تراها الجزائر استراتيجية ترتبط بمصالحها وتتعلق بعضوية اسرائيل في الاتحاد وهو ما ترفضه الجزائر في غياب تعثر مسار السلام في الشرق الأوسط وعدم تسوية قضية الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة.
ويضاف إلى ذلك قضية الصحراء الغربية حيث تسجل الجزائر على موقف فرنسا انحيازا للمغرب بضم الاقليم في وقت ادرجت القضية من طرف اللجنة الرابعة للأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار.
وبرأي المراقبين فان الجزائر تريد مكانة متقدمة في هذا التكتل الاقليمي اسوة ببعض دول الضفة الجنوبية بحكم كونها دولة محورية، ولها امكانات ترشحها لدور فاعل في مسار الاتحاد.
وتشدد الجزائر في علاقاتها مع فرنسا على البعد الانساني في كل خطوات التعاون، حيث تؤكد على قضايا المهاجرين الذين يتعرضون في نظرها الى معاملات لاانسانية وخاصة في ظل حكم الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي.
واكد هذا الموقف رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم لنظيره الفرنسي في أول جولة مباحثات بينهما في هذه الزيارة. زيارة الفرصة الأخيرة كما يقول العارفون بخبايا العلاقات الجزائرية الفرنسية.
ميلاد الاتحاد من اجل المتوسط
وفي كل هذا لم يتردد خبراء في شؤون المتوسط بالتعليق على ان ميلاد الاتحاد من اجل المتوسط يعني في نظرهم شهادة وفاة لاتحاد المغرب العربي.
ويذهب آخرون الى القول بأن فرنسا ودول اوروبية تعمل بشتى الوسائل لارساء هذا التكتل، وقد يكون برأيهم تحويل دول جنوب المتوسط الى حرس حدود للضفة الشمالية للمتوسط من قوافل المهاجرين الوافدين من الجنوب لأسباب امنية كما يقولون.
المشروع المتوسطي يبقى كما يقول متخصص في العلاقات الجزائرية الفرنسية باحثا عن منقذ لانتشاله من الغرق الذي يتهدده بفعل الأمواج العاتية في جنوب المتوسط .
أحمد مقعاش- الجزائر
التعليقات