موسكو: قد تساهم القمة المتوسطية المزمع عقدها في 13-14 يوليو الجاري بباريس، كما يبدو للوهلة الأولى، في تثبيت مشروع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المتمثل بتأسيس quot;الاتحاد المتوسطيquot; أو quot;الاتحاد من أجل منطقة البحر المتوسطquot;. ومن المتوقع أن يحضر القمة ممثلون عن 43 دولة. لكن على ما يبدو أن بطل هذه القمة سيكون الرئيس السوري بشار الأسد، ومشاركته في القمة والتنبؤات بأنه سيجلس إلى طاولة واحدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت تثير فضول وسائل الإعلام أكثر من الفعالية نفسها بغض النظر عن مستواها.

في الواقع لا أحد ينتظر من القمة مفاجآت أو اتفاقات خارقة. فالاتحاد الذي يحلم ساركوزي بتأسيسه يهدد بانقلابه إلى هيئة بيروقراطية ثقيلة. فالمنظمة الجديدة من حيث الفكرة هي نسخة عن quot;عملية برشلونةquot; - هكذا يسمى الحوار الأورومتوسطي الذي انطلق في عام 1992 وتم تثبيته بعد 3 سنوات بميثاق برشلونة.

وتشارك في عملية برشلونة جميع دول الاتحاد الأوروبي وجيرانها المتوسطيون. وتعد هذه المنظمة - الهيئة التكاملية الوحيدة التي تشارك فيها إسرائيل والدول العربية، وتهدف إلى تعاون دول منطقة المتوسط في قضايا مثل مكافحة الإرهاب، وتشجيع التعاون الاقتصادي الإقليمي، وإيجاد حلول لمشاكل الهجرة غير الشرعية، وكذلك حماية البيئة وتعزيز حوار الثقافات. ومن أجل هذه الأهداف أيضا يجري تأسيس quot;الاتحاد من أجل منطقة المتوسطquot;. ويلاحظ حاليا فرق واحد بينهما- وجود رئيسين عن الاتحاد الأوروبي وعن المشاركين غير الأوروبيين. لكن أيستحق ذلك إقامة عرض سياسي بهذا الحجم؟

تكمن المفارقة في أن المراقبين والمشاركين المرتقبين في القمة على حد سواء يوجهون لأنسفهم هذه الأسئلة. ولهذا السبب تردد الكثير من قادة الدول في حضور القمة.

وفيما يتعلق بالدول العربية فأغلبها تتخوف من الانجرار الى مشاريع مشتركة مع إسرائيل في الوقت الذي أصبحت فيه عملية السلام في الشرق الأوسط شبه مشلولة.

وكانت ليبيا من بين الدول المدعوة لكنها امتنعت عن المشاركة في القمة. فقد وصف الزعيم الليبي معمر القذافي مشروع ساركوزي الجديد بحقل ألغام، يوفر تربة خصبة لتنفيذ عمليات إرهابية من تدبير جماعات متطرفة. والقذافي المعروف بخطاباته الرنانة يرى أن المشاركة الموسعة للدول في المنظمة الجديدة يشبه quot;الطبيخةquot;، نظرا لأن كل دولة سوف تضفي عليها مشاكلها. والمقصود بها النزاع العربي الفلسطيني والمشكلة التركية الكردية، والوضع في العراق ولبنان والمواقف المختلفة للمشاركين المرتقبين في quot;الاتحادquot; من حركتي حماس وحزب الله. ولهذا يرى القذافي أن الاتحاد الجديد سيزيد الأوضاع سوءا بدلا من حلها، وعلى الرغم من تأييده لفكرة تأسيس quot;الاتحادquot; في البداية فإنه قرر عدم حضور القمة.

ويتعين علينا أن نوضح أنه كان من المقرر في البداية أن يضم الاتحاد الدول المطلة على البحر المتوسط. أما القذافي فكان يقترح أن تقتصر هذه المنظمة على 5 أو 6 دول من شمال أفريقيا ونفس العدد من الدول الأوروبية كي يتسنى لها حل المشاكل المتراكمة بينها. غير أن ساركوزي تعرض لضغط كبير من ألمانيا التي أصرت على مشاركة دول الاتحاد الأوروبي جميعها في الهيئة الجديدة. ولا يستطيع أي أحد التكهن بما سيؤول إليه هذا الوضع. فيما يؤكد البعض أن المشاركة في القمة لا تحمل المشاركين أية التزامات.

وتركز اهتمام وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة على اللقاء الأول منذ 3 سنوات بين الرئيسين السوري والفرنسي، وكذلك بين الأسد وميشال سليمان - الأول منذ انتخاب الأخير رئيسا للبنان. والجدير بالذكر أنه لأول مرة سيجلس الأسد إلى طاولة واحدة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت. ومع أنه لا يتوقع أن يعقد الجانبان أية محادثات بينهما، فواقع تواجدهما في فعالية واحدة هو مفاجأة بحد ذاته.

وتستعرض سورية حاليا quot;وجهها السياسيquot; الجديد واستعدادها للحوار والانفتاح. إن زيارة الأسد إلى باريس تمثل اختراقا في مسألة تجاوز العزلة الدبلوماسية لسورية، التي تواصلت خلال السنوات الأخيرة - أي بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، حيث اتهم قسم من المجتمع الدولي دمشق بالوقوف وراء هذه الجريمة. وكانت الولايات المتحدة وفرنسا من أبرز منتقدي سورية على الرغم من أن باريس كانت تقيم علاقات وطيدة مع دمشق. واُتهمت سورية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وإثارة النعرات الداخلية، وبخاصة تأييد السوريين لحركة حزب الله التي يعتبرها البعض تنظيما إرهابيا. ووجهت انتقادات لدمشق على تأييدها لحركة حماس. إلا أن موقف الغرب وبعض الدول العربية من دمشق قد تلين بشكل ملموس بعد توصل السياسيين اللبنانيين إلى اتفاق حول انتخاب رئيس للبنان في نهاية شهر مايو، واتفاقهم على حل جميع خلافاتهم دون اللجوء إلى السلاح. أما زيارة الأسد إلى باريس فتؤكد ذلك، مانحة سورية فرصة للصعود بعلاقاتها إلى مستوى جديد ليس مع فرنسا فحسب، بل ومع دول أوروبية، وكذلك بلدان عربية لا ترغب في تسامح دمشق على علاقاتها الوطيدة مع طهران.

ماريا أباكوفا