المضادات الجوية العدو اللدود للطيران
إسرائيل وحزب الله... حرب تعانق عنان السماء
خلف خلفndash; إيلاف:
تتحدث في الأسابيع الأخيرة تقارير في وسائل الإعلام العبرية عن تحسين حزب الله لقدراته العسكرية استعدادًا لمواجهة محتملة، وفي هذا الإطار، ذكر مثلا موقع quot;دبكاquot; الاستخباراتي الإسرائيلي قبل بضعة أيام أن الحزب أطلق تكتيكاً جديداً يتكون من صواريخ تلاحق الطائرات الإسرائيلية أثناء تحليقها فوق لبنان وصواريخ مضادة للسفن لمواجهة السفن الحربية التي تمخر شواطئه. هذا النبأ الذي لم تثبت صحته حتى اللحظة، لم يأت من الفراغ، بل له من جهة النظر الإسرائيلية، الكثير من الأسباب والمبررات، المتصلة أساسًا بتحييد القوة الكامنة في الطيران الحربي كسلاح فعال في حسم أي مواجهة مقبلة.
فقادة إسرائيل وخبراؤها على دراية تامة أن حزب الله استخلص على المستوى العسكري الكثير من النقاط المهمة في حرب عام 2006. أبرزها ضرورة العمل على شل قدرات الطيران الحربي الإسرائيلي الذي الحق الدمار الهائل في لبنان وبالأخص منطقتها الجنوبية، وقيد نشاط الحزب في الكثير من الأحيان، عبر تقليصه لقدراته على إطلاق الصواريخ للمدى المتوسط والبعيد التي تحتاج لمنصات إطلاق ثقيلة على مركبات، ولهذا فانها أكثر تعرضًا للإصابة.
ومنذ توقف نيران حرب تموز استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي دخل حيز التنفيذ في الساعة 8 صباحًا الخامس عشر من أغسطس 2006، أكد العديد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين أن الحزب سيكون على رأس أولوياته بعد التعافي، إعادة بناء قوته البشرية، وتجنيد مقاتلين جدد بدل أولئك الذين قُتلوا وجُرحوا وتدريبهم، والتزود من جديد بسلاح وذخيرة، جزء منها من أنواع لم يملكها في الماضي، وبخاصة الصواريخ الحديثة المضادة للطائرات والسفن.
الحزب أظهر في حرب تموز بحسب تقارير إسرائيلية وأجنبية، منظومة صواريخ مضادة، لكنها غير محدثة، تضمنت صواريخ (أس.اي.7) من طراز ستريلا يحمل على الكتف، وصواريخ أكثر تطورا من ذات الفصيلة، من (اس.اي.16)، و(اس. اي.18). مكنت الحزب من إسقاط مروحية إسرائيلية من نوع (اليسعور) حلقت على مستوى منخفض لإنزال إمدادات للجنود في الخطوط الأمامية للمعارك. كما دمر صاروخ أرض- جو من طراز (سي802) بارجة بحرية إسرائيلية كانت بمهمة عسكرية بمحاذاة الشواطئ اللبنانية.
ولكن تخوف تل أبيب من حصول حزب الله على منظومة صواريخ مضادة أكثر تطورًا، تجدد منذ تنفيذ صفقة التبادل بين الطرفين الشهر الماضي، حيث دار حديث مركز في إسرائيل عن إمكانية تجدد المواجهة، رافقها تهديدات باغتيال الأسير المحرر سمير القنطار، ووعود أطلاقها الأخير بجعل إسرائيل تدفع ثمن خطوة كهذه قبل إقدامها عليها.
مثلا كتب المحلل العسكري لصحيفة (يديعوت) إليكس فيشمان بتاريخ 1/8/2008، مقالا تحت عنوان quot;حزب الله يصعد إلى الأعاليquot;، يعتبر ان الحزب يحاول تحطيم التوازن القائم مع إسرائيل، والتزود بمضادات جوية. ويقول: quot;ان نجح حزب الله في إدخال بطارية صواريخ مضادة للطائرات إلى لبنان خلافاً لصواريخ الكتف الموجودة لديه اليوم، فإن على الجيش والحكومة (الإسرائيلية) ان يترددوا في المخاطرة عند قرارهم بشأن أية عملية في لبنان جواً أو براًquot;.
ويضيف فيشمان: quot;في مثل هذا الواقع سيضطر سلاح الجو إلى تغير أساليبه في الطيران وقدرته على جمع المعلومات ستتضرر. ان أبعدت إسرائيل نظرها عن لبنان لشهر من الأيام فقد تجد هناك فجأة فرقة من حرب الثورة الإيرانيquot;. على حد قوله.
تعتمد إسرائيل بشكل مركز على سلاح الجو، وهو ما بدا جليًا في حرب لبنان الثانية، وساعدها على تقليل خسائرها البشرية في صفوف جيشها الذي لولا الطيران لتعرض لضربات أشد وجعًا وآلاما. أيضا أدى الطيران مهمة ضرب قواعد صواريخ أرض- ارض، وأعاق إلى حد كبير عمليات إطلاق متوسطة المدى منها. ليس هذا فحسب، بل الطيران بالنسبة لإسرائيل، يمثل أنجع الوسائل لجمع المعلومات الاستخباراتية ورصد تحركات حزب الله.
ويغري سلاح الجو إسرائيل على نحو خاص، لامتلاكها الأحدث منه في المنطقة، يمكنها من تحقيق دمار مذهل في الأهداف المعادية دون أي مصابين تقريبًا من جهتها، بالإضافة لقدرته على تنفيذ المهمات الخاصة، كالاغتيال المركز، نتيجة التقدم التكنولوجي، سواء في نوعية عدسات التصوير، أم زمن البقاء في الجو وارتفاع الطيران، (الذي لا يُرى ولا يُسمع عن الأرض)، وهو ما يزيد أهمية الطائرات الصغيرة (دون طيار)، والتي تستعملها إسرائيل للتجسس والمراقبة، فهذه الطائرات لا تستعمل للكشف عن البشر فقط، (في الليل والنهار) بل بالتعرف على نوايا الإنسان، من خلالها تحديدها، فيما إذا كان مسلحًا أم لا.
وفي حرب لبنان الثانية، كان الجنرال دان حالوتس يترأس قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، وهو أصلا طيار خدم قائدا لسلاح الجو الإسرائيلي (بين نيسان 2000 وتموز 2004). كانت حماسته للقوة الجوية قاطعة. في مقابلة أجريت في سنة 2000 أعلن بأن القوة الجوية هي المركب المسيطر في قائمة ردود الجيش الإسرائيلي. بل أكد أنه في حالة تصعيد على طول الحدود مع لبنان، سيكون سلاح الجو العامل العسكري الرئيس، إن لم يكن الوحيد، الذي سيقدم الردود العملية الملائمة.
وفي أيام حرب 2006 كان معلوما إن حلوتس يعارض دخولا بريا في لبنان. وقال إن إجراءا كهذا سينفذ على انه آخر مخرج فقط. ولكن سلاح الجو الإسرائيلي في مركز خطة طوارئ للجيش قام بتحرك لمواجهة التصعيد على الحدود الشمالية، اشتمل على استعمال قوات برية داخل لبنان لمساندة العمليات الجوية، وإدخال العنصر البري جاء نتيجة ضغوطات من المستوى السياسي الذي أصر على أهمية هذا العنصر في حسم المعركة بسرعة زمنية خارقة.
واستند المؤيدون لإدخال القوة البرية لساحة القتال على ان سلاح الجو الإسرائيلي يكون فعالا لإحراز الأهداف في حرب مع عدو يكون دولة، وفي الحالة التي تكون فيها أكثر قوة العدو قائمة على شبكة أرضية وعلى مواقع ثابتة، وعندما يكون العدو (الذي هو دولة) حساسا بالإصابة للبنى التحتية الوطنية. بينما حزب الله، منظمة قوتها تتكئ على أسلوب حرب العصابات مع سلاح شخصي (وفي ضمن ذلك القذائف والصواريخ المضادة للدبابات)، ومندمجة بالسكان.
والآن بعد مرور نحو عامين على الحرب، تعززت قناعة الكثير من الخبراء العسكريين، أن رأي حالوتس كان يبدو الأكثر منطقية حينذاك، فلو حيدت إسرائيل قواتها البرية، لربما أفضت الحرب عن نتائج إستراتيجية مغايرة تمامًا بالنسبة لتل تل أبيب، ولحافظ الجيش الإسرائيلي على صورته quot;الأسطوريةquot;، ولم يفقد من هيبته الكثير، بالإضافة لاجتناب خسارته البشرية.