تحذيرات من أزمة عالمية تمتد لسنوات
بوتين: الشركاء الأميركيون أوصلوا العالم إلى ملتقى الأعاصير

عبد الله سالم البدري

دافوس، وكالات: حذر صندوق النقد الدولي من أن العالم يواجه أسوأ وضع اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. وقال صندوق النقد إنه يتوقع أن ينخفض معدل نمو الاقتصاد العالمي الى 0.5 في المئة، ومع تزايد عدد السكان، فإن ذلك يعني انخفاضًا في معدل الدخل الفردي. ويتوقع صندوق النقد أن تنكمش الاقتصادات النامية بينما تتباطأ معدلات النمو بشدة في الاقتصادات الأخرى. من جانبه، قال الامين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) عبد الله سالم البدري ان المنظمة ستطبق التخفيضات التي اقرتها العام 2008، وقد تعلن عن خفض جديد في انتاجها خلال العام الجاري. وقال في منتدى دافوس quot;المعلومات المتوافرة حاليًا تشير الى ان الخفض سيطبق بنسبة 100%quot;. وردًا على سؤال حول ما اذا كان سيتم تخفيض الانتاج هذا العام قال quot;اذا استمر تراجع الاسعار، فإن اوبك لن تتردد في خفض كميات اخرى من النفطquot;.

واضاف quot;لا يمكننا القول في هذا الوقت قبل اجتماعنا المقبل في 15 اذار/مارسquot;. ومنذ ايلول/سبتمبر اعلنت اوبك عن خفض قدره 4,2 ملاين برميل يوميًا. وظهرت شكوك حول التزام اعضاء اوبك بخفض انتاج النفط حسب الكميات المتفق عليها. وقال البدري ان الدول المنتجة تريد ان يكون السعر اكثر من 50 دولارًا للبرميل لتضمن دخلاً quot;جيدًاquot; ولتشجيع الاستثمار. وقال quot;نحن غير مسرورين بسعر 40 او حتى 50 دولارًا للبرميل. ونحن قلقون فعلاً بشان الاسعار المنخفضة ولا نريد تكرار ما حدث في الثمانينات حين لم نستثمر واضطرينا الى الاستغناء عن عدد من الاشخاص المؤهلين وعندما ارتفع الطلب دفعنا ثمن نقصquot; المواد والاشخاص. واضاف quot;اذا لم نستثمر الآن فستظهر لدينا المشكلة (انخفاض الامدادات في المستقبل عندما يزداد الطلب)quot;.

هذا وقد حذر فلاديمير بوتين، رئيس الحكومة الروسية، حكومات البلدان الأخرى من مغبة الإقدام على خطوات خاطئة من شأنها مفاقمة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية. وقال إنه من الخطورة بمكان بالنسبة للعالم اجمع ان يعتمد اعتمادًا زائدًا على الدولار الأميركي كعملة احتياطية. ودعا بوتين الى اعتماد مجموعة من العملات بدل الدولار، وقال إنه يتوقع ظهور عدد من العملات المحلية القوية في المستقبل. وشدد رئيس الوزراء الروسي على ان الانعزال وفرض سيطرة الدولة على الاقتصاد ليسا من الطرق المثلى لتجنب ما وصفها بالـquot;عاصفةquot; التي تضرب الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. وأوضح بوتين قائلاً إنه لا يجوز للدولة، مثلا، أن تتدخل تدخلاً مفرطًا في الشؤون الاقتصادية وتفرض الحماية الزائدة للزوم على الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة. ومن الأخطاء المحتملة الأخرى، اللجوء إلى المزيد من الاقتراض.

وقال بوتين إن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية تشبه إعصارًا شديدًا وإن هذه الأزمة وقعت عندما وصلت السفينة العالمية إلى ملتقى الأعاصير الرهيبة، مشيرًا إلى أن quot;الشركاء الأميركيينquot; هم الذين أوصلوا العالم إلى ملتقى الأعاصير هذا. وحتى يتجاوز العالم هذه الأزمة يرى بوتين ضرورة أن يتحول العالم من النظام الاقتصادي الأحادي القطبية إلى نظام يستند إلى عدة مراكز كبيرة. كما يجب أن يتحرر العالم من quot;أموال وهمية وتقارير مالية مختلقةquot;. وأكد بوتين أن الأزمة المالية العالمية ضربت روسيا أيضا وألقت المزيد من الضوء على اعتماد اقتصادها على الصناعات الاستخراجية وخاصة القطاع النفطي، إلى حد بعيد غير مقبول وأيضًا على ضعف السوق المالي الروسي. إلا أن روسيا بنت احتياطات مالية كبيرة حسب قول بوتين، وتعمل على زيادة ما يمكّنها من اجتياز الأزمة.

ولفت بوتين أنظار المستمعين إلى مشاكل قد يواجهها العالم في مرحلة ما بعد الأزمة، موضحا أن الاقتصاد العالمي قد يواجه نقصا في موارد الطاقة عندما يخرج من الأزمة الحالية. وقال رئيس الحكومة الصينية وين جياباو إن الازمة المالية العالمية كان لها quot;اثر كبير نسبياquot; على الاقتصاد الصيني. الا ان وين، الذي كان يخاطب المنتدى الاقتصادي الدولي المنعقد في دافوس بسويسرا، اكد ان اقتصاد بلاده يتمتع بوضع جيد عموما رغم الازمة. وقال وين، وهو من كبار المتحدثين في الدورة الحالية للمنتدى، إن الازمة المالية الراهنة قد وضعت الاقتصاد العالمي في اسوأ وضع يمر به منذ الكساد الاعظم في نهاية عشرينيات القرن الماضي.

واضاف ان الصين تشهد في الوقت الراهن ارتفاعا في معدلات البطالة في المناطق الريفية وquot;ضغوطا سلبية على النمو الاقتصادي.quot; وقال رئيس الحكومة الصينية إن من اسباب التدهور الذي يشهده الاقتصاد العالمي quot;اتباع بعض الدول لسياسات اقتصادية غير مناسبة تمثلت في معدلات عالية من الاستهلاك تقابلها معدلات متدنية جدا من التوفير.quot; كما اشار الى quot;اخفاق قطاعي الرقابة والتنظيم في اللحاق بالابتكارات الحديثة في عالم المال التي سمحت للمشتقات المالية بالانتشار.quot;

وفي السياق نفسه قال نورييل روبيني رئيس ار.جي.اي مونيتور وايان بريمر رئيس مجموعة أوراسيا في مقابلة مشتركة بالبريد الالكتروني مع رويترز خلال اجتماع دافوس السنوي لرجال الاعمال والزعماء السياسيين إن السياسة الحكومية تؤدي دورًا محوريًا الآن في الاقتصاد العالمي. وقال روبيني - أحد خبراء الاقتصاد القلائل الذين توقعوا الازمة - ان الولايات المتحدة تشهد في أفضل الاحوال ركودًا موقتًا يستمر حتى أواخر 2009. وفي أسوأ الظروف قد تكون هناك سنوات مما يصفه بأنه quot;مزيج قاتل من الجمود الاقتصادي والركود وانكماش الاسعارquot;.

وقال روبيني ان أكبر مخاطر 2010 أن يتحول الركود العالمي الحاد الموقت الى ركود عالمي أشد حدة يدوم لعدة سنوات مصحوبًا بانكماش أسعار، مضيفًا أن العامل الاساسي في تحديد ما اذا كان هذا التحول سيقع أم لا هو السياسة المنتهجة لمواجهة الازمة في الولايات المتحدة والخارج. وقال روبيني وبريمر ان العامل السياسي الاكثر أهمية على الاطلاق هو استجابة الادارة الأميركية الجديدة.

وقال بريمر quot;الكيفية التي سيستجيب بها صناع السياسات الأميركيون لتراجع الاقتصاد الأميركي تؤثر بدرجة هائلة على كل من الازمة المالية نفسها وجانب كبير من المخاطر السياسية المصاحبة.quot; وكانت مجموعة أوراسيا وهي من كبرى شركات استشارات المخاطر في العالم وضعت سياسات ادارة الازمة الأميركية على رأس المخاطر السياسية العالمية في 2009. وسئلا عن الدول الاقدر على اجتياز الازمة بسلام فقال روبيني انها البرازيل والهند ودول الخليج. وقال quot;رغم المخاوف الامنية والتوترات الخطرة في علاقاتها مع باكستان وأوجه عدم التيقن لموسم انتخابات تظل الهند مستقرة سياسيا.

quot;الشيء نفسه ينطبق على البرازيل حيث ساعد الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا في بناء توافق اراء على ساحة اليسار السياسي لصالح سياسة للاقتصاد الكلي حصيفة نسبيا. دول الخليج لا تزال مستقرة سياسيًا... وهي باستثناء دبي جزئيًا سليمة تمامًا من الناحية الاقتصاديةquot;. وقال روبيني ان تباطؤ الاقتصاد الصيني قد تكون له تداعيات سياسية كبيرة. وقال quot;في حين أن خطر حدوث ثورة سياسية محدود الا أنه كلما كان الهبوط الاضطراري أكثر صعوبة زادت فرص صب الغضب العام على السلطات المحلية بدلاً من توجيهه في نزعة قومية ومناهضة للاجانبquot;.

لكن برير قال انه يتوقع بقاء الصين مستقرة سياسيا في 2009 مع استمرار الدعم الشعبي للحزب الشيوعي. وقال quot;الاوقات الاقتصادية العصيبة ستنال من بعض هذا الرصيد لكن من المرجح أن الاحتياطيات من العمق بما يحول دون مواجهة الحكومة الصينية تهديدا محليا خطرًا واسع النطاق للنظام المدني في 2009.quot;