على الرغم من انالأميركيين يعتبرون الأمر بمثابة الإستكشاف فالواضح بما لا يدعو للشك أن أي اتصال بين الجيش الأميركي وقوات طالبان يعتبر اعترافا بالحركة ولو ميدانيا فحسب، وعدم القدرة على تجاوز أفرادها عبر الحرب والمعارك والعمليات العسكرية فحسب. لا شك بأن الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان لم تؤد واجبها على أكمل وجه ولم تفلح في دحر سيطرة طالبان عن كثير من المناطق هناك، فهل هي طريقة جديدة لكسب المعركة من الجانب الأميركي؟ أم هي مجرد تكتيكات عسكرية قد يلجأ إليها القادة أحيانا؟ خاصة أن طبيعة الميدان تختلف تماما عن طبيعة العمل السياسي والدبلوماسي.

في وقت تخوض فيه الولايات المتحدة حربا ً شرسة لمكافحة التمرد في أفغانستان، تكشف مجلة quot; فورين بوليسي quot; الأميركية في تقرير مطول لها النقاب عن حدوث تحول لافت في طبيعة السياسة التي تنتهجها واشنطن هناك، حيث أماطت اللثام عن أن بعضا ً من قادة الجيش الأميركي والمسؤولين المدنيين يحاولون الآن التفاوض مع مقاتلي حركة طالبان الأفغانية لتشجيعهم على quot; إعادة التواصل quot;. وبالرغم من عدم وجود برامج فعلية لهذه الإستراتيجية الجديدة، إلا أن المجلة تزيح النقاب عن أن قوة المساعدة الأمنية الدولية في كابول قامت مؤخرا ً بتأسيس quot;خليةquot; من أجل التصدي لتلك الجهود، وإضفاء الطابع الرسمي على هذا الاتجاه التواصلي، الذي يدعي القادة إنهم يطبقونه بالفعل.

فيشير القادة في مقاطعة لوغار إلى أنهم يقومون بالاتصال والتفاوض مع المقاتلين الأعداء، دون وجود تعليمات عسكرية معمول بها في هذا الشأن. وفي هذا السياق، يقول الكولونيل ديفيد هايت، الذي يقود لواء quot;سبارتانquot; المنوط بتغطية مقاطعتي ورداك ولوغار المضطربتين :quot; أعتقد أن ذلك أمر ضروري للغاية، فقد تحدثنا مع أشخاص ملطخة ًَ أياديهم بدماء الأميركيينquot;. وتنوه المجلة هنا إلى أن هايت، الذي يتميز بالخبرة والحيوية، حاول مع جنوده طرد المتمردين وبناء الاقتصاد المحلي بالتعاون مع قوات الأمن الأفغانية. لكنه أكد على أنه لن يتمكن من إبعاد بعض المناطق عن سيطرة طالبان دون قدوم المزيد من القوات، كما أبدى استعداده لتجربة تدابير أقل من الناحية التقليدية.

من جانبه، قال ماتيو شيرمان، المسؤول بوزارة الخارجية الأميركية الذي يسدي المشورة للواء هايت :quot; هناك طرق عديدة لإخراج الأشخاص من ساحة الميدان. فبإمكانك أن تقتلهم، أو تعتقلهم، أو أن تتحدث إليهم، ونحن من جانبنا نقوم الآن باستكشاف جميع تلك الخيارات في إطار جهود يمكن وصفها بأنها جديدة بالمعنى الحرفي للكلمةquot;. كما تشير المجلة إلى أن اللواء الثالث تلقى توجيهات رسمية عن كيفية التعامل مع القادة الأعداء من خلال ثلاثة محاور: التعريف، الحوار، التوقف. فالجنود ( يُعرِّفون أهمية ) أحد أعضاء طالبان من حيث نفوذه وسلطته. ومن ثم يدخلون معه في ( حوار ) مستقبلا ً لكسب قدرا ً من ثقته. وفي النهاية يأتي محور ( التوقف ) بمحاولة حثه على الالتزام بالعملية مع إجراء تخفيض محلي منظم في معدلات العنف.

وفي الوقت الذي يعترف فيه شيرمان بأن الجنود حاولوا تطبيق هذا الأسلوب مع أعضاء طالبان العاديين، عبر عن اعتقاده بأن القوات المسلحة ستقوم في المستقبل بالتركيز على مقاتلين يتميزون بالقدرة العملياتية والتكتيكية الخاصة بمنهجية quot;إعادة التواصلquot;. وأشار إلى أن الحكومة الأفغانية ستتخذ قرارا ً بشأن المصالحة مع القادة الاستراتيجيين والسياسيين. وقال هايت إنه وبالرغم من احتمالية تواجد زعماء التمرد الإستراتيجيين في باكستان، إلا أن المقاتلين الفعليين الذين يتعامل معهم جنوده هم مجموعة من المحليين. وتمضي المجلة لتؤكد على وجود نموذج سابق معروف لهذا البرنامج في العراق، فقد سبق وأن قامت القوات الأميركية هناك بالتحدث إلى بعض من رجال العشائر السنيين وأقدموا كذلك على رشوتهم كي يتعاونوا معهم ويخفضوا من معدلات العنف.

وتشير المجلة في نهاية تقريرها إلى أن quot;الخليةquot; الجديدة التي تقوم بفحص جهود التواصل المبذولة الآن، يترأسها الجنرال البريطاني المتقاعد غريمي لامب، الذي سبق له العمل في العراق، ولعب دورا ً بارزا ً في المحادثات التي أدت للمفاوضات التي أجرتها الولايات المتحدة مع رجال العشائر السنيّة. كما تشير المجلة إلى أن مسألة المصالحة سبق وأن تم التطرق إليها في عديد من المناسبات بين مسؤولي الحكومة الأفغانية. وتلفت المجلة في الختام للإدعاء الذي صرح به قائد الحكومة في مقاطعة لوغار خلال مؤتمر صحافي هذا الأسبوع بأن المئات من القوات المناوئة للحكومة قد ألقت سلاحها.