بعد تعثر الوصول إلى اتفاق مصالحة فلسطينية تنهي الانقسام الذي جر الويلات إلى الفلسطينيين وشتتهم وأصبحوا يعيشون في وضع لا يحسدون عليه، فان الرئيس الفلسطيني الذي لوح مرارا بإجراء انتخابات فلسطينية عامة، قد استنجد هذه المرة بالدستور بعد فشل الوساطة في توصل الأطراف المتنازعة إلى اتفاق المصالحة، ليحافظ على شرعية سلطته، وعلى النظام السياسي الفلسطيني الذي من شأنه أن تلحقه تشوهات حال مر يناير المقبل دون إجراء انتخابات وبقي الوضع المتشرذم على حاله.

غزة: اصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن مساء أمس مرسوما رئاسيا يقضي بإجراء انتخابات عامة (تشريعية ورئاسية) حتى 24 يناير 2010 المقبل، الأمر الذي يرى فيه المراقبون رغم انه استحقاق دستوري، إلا أنه يتوقع أن يعزز الانقسام ويجهض اتفاق مصالحة الفصائل الفلسطينية الذي أرجأ حتى عيد الأضحى المبارك.

ودعا أبو مازن في المرسوم الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية حرة ومباشرة يوم الأحد (24 كانون الثاني 2010)، مطالبا رئيس وأعضاء لجنة الانتخابات المركزية وجميع الجهات المختصة كافة، تنفيذ أحكام هذا المرسوم، من تاريخ صدوره.

وفي يناير 2010 المقبل تنتهي ولاية الرئيس الفلسطيني القانونية وقد مددتها السلطة العام الماضي من أربع سنوات، بحسب القانون الأساسي الفلسطيني، لخمس سنوات رغم معارضة حماس لإجراء التمديد وقتها، وكذلك تنتهي المدة القانونية للمجلس التشريعي الفلسطيني الذي حصدت حماس في انتخابات عام 2006 أغلبية مقاعده، وبالتالي يفقد كل من المجلس التشريعي والرئاسة شرعيتهما، وسيتركان فراغا دستوريا من شأنه أن يشوه النظام السياسي الفلسطيني ويزيد وضع الفلسطينيين الداخلي تعقيدا.

ويرجع المحلل السياسي الدكتور اشرف العجرمي لجوء الرئيس الفلسطيني لإصدار المرسوم كاستحقاق دستوري بسبب تراجع حركة حماس عن موقفها إزاء ما جاء الاقتراحات المصرية الأخيرة، وعدم توقيعها على الورقة المصرية حصيلة الحوار الثنائي والجهود المصرية طوال الفترة الماضية.

وقال العجرمي لـquot;إيلافquot;: quot;يحق للرئيس إصدار المرسوم واتخاذ كل الإجراءات الدستورية لحماية القانون الأساسي الفلسطيني والنظام السياسي الذي سيلحقه الضرر حال عدم إجراء الانتخابات في موعدها quot;.

وأكد العجرمي أن الرئيس الفلسطيني لم يغلق الباب إزاء المصالحة ولكنه لجأ إلى ذلك في نهاية المطاف، فالوقت محدد ولم يعد مفتوحا كما قبل وعلى حماس مراجعة موقفها من اتفاق المصالحة وطي صفحة الانقسام في غضون أسابيع، لتجرى الانتخابات في موعدها بغضون الثلاثة أشهر المقبلة أو حال توقيع الاتفاق المصالحة فيمكن إجراؤها في الموعد المتفق عليه وفق الورقة المصرية في 28 حزيران 2010.

وأضاف: quot; الكرة الآن في ملعب حماس، فمنذ أن رفضت التوقيع على الورقة المصرية هي التي وضعت العصا في دواليبها وهي مطالبة اليوم بمراجعة موقفها والتفكير في خياراتها مستقبلا quot;.

وعن خيارات الفلسطينيين في الفترة المقبلة قال العجرمي :quot; إن السلطة والفصائل تقوم حاليا بفحص كل الخيارات وعدم السماح لحماس باغتصاب القرار الفلسطيني وعزل قطاع غزة عن الوطن الفلسطيني quot;.

وذكر العجرمي أن الوضع مفتوح على عدة خيارات منها: إجراء انتخابات على أساس القائمة النسبية إن أمكن وهو الخيار الأصعب، بحسب قوله، لأنه لا يمكن إجراء انتخابات دون جزء من الوطن، وأضاف انه حال رفضت حماس إجراء انتخابات يمكن أن تجرى في الضفة الغربية لاختيار ممثلين بالقائمة النسبية من غزة والضفة الغربية والقدس، ولكنه استبعد أن يحدث ذلك مضيفا انه سيشكل مبررا لإعلان حماس الإمارة الإسلامية في غزة بشكل كامل، أو العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتمديد الوضع الحالي فترة أطولquot;. موضحا أن ذلك الخيار سيضر بالوضع الفلسطيني نافيا أن يكون خيارا محددا في ظل الوضع الفلسطيني بالغ التعقيد مؤكدا ان كل الخيارات تخضع للدراسة خلال مدة الثلاثة أشهر.

ويرى العجرمي أن الخيار الأفضل للفلسطينيين هو إنهاء الانقسام وتوقيع اتفاق المصالحة والانحياز الفصائلي لمصالحة الشعب وإخراج المشروع الوطني الفلسطيني من مأزقه، بتوافق الفصائل على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وفق قانون الانتخابات والدستور الفلسطيني.

ووفق وثيقة المصالحة التي أعدتها مصر فإن من المفترض إجراء الانتخابات الفلسطينية في منتصف العام المقبل ( في 28 يونيو 2010 ) ويتعين وفق النظام الأساسي تحديد موعد الانتخابات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية المجلس التشريعي، وقد ترك عباس الباب مفتوحا أمام اتفاق المصالحة الذي يتطلع إليه الفلسطينيون وينتظرونه بفارغ الصبر لإنهاء معاناتهم جراء الصراع السياسي الدائر بين فصيلي فتح وحماس منذ أكثر من عامين.

و قال عباس في تصريحات صحافية سابقة:quot; إنه وفقا للورقة المصرية فإن الانتخابات ينبغي أن تعقد يوم 28 يونيو (حزيران) عام 2010 وإذا حصل اتفاق مع حماس سيتم الالتزام بهذا الموعد، وإن لم يحصل سيتم الالتزام بالقانون الأساسي.

وكانت مصر أعلنت أن اتفاق المصالحة الفلسطينية سيوقع في القاهرة في 26 تشرين الأول/أكتوبر الجاري إلا أن حركة quot;حماسquot; طلبت تأجيل التوقيع احتجاجاً على ما قالت إنه موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري على تأجيل التصويت في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على تقرير القاضي غولدستون.

وينص القانون الأساسي الفلسطيني أو الدستور، وقانون الانتخابات، على إجراء الانتخابات العامة كل أربعة اعوام، أي أن الانتخابات القادمة يجب أن تنظم في تاريخ أقصاه الخامس والعشرون من يناير 2010 مع انتهاء ولاية المجلس التشريعي الحالي الذي تسيطر عليه حماس.
بدورها أيدت حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية المرسوم وقالت :quot; إن هذا القرار استحقاق دستوري لابد منه، ينص عليه القانون الأساسي وقانون الانتخابات، ويمهد الطريق أمام العودة إلى الشعب للخروج من الأزمة وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.واعتبرت الحركة أن المرسوم جاء بعد تلكؤ ومماطلة حماس في التوقيع على الورقة المصرية، لكنه لا يعني إغلاق الباب أمام المصالحة الوطنية، مؤكدة أنها تتمسك بالمصالحة وبتحقيق الوحدة الوطنية، وأن الطريق ما يزال مفتوحاً أمامها.

أما حركة حماس التي أرجأت التوقيع على الاتفاق معترضة على عدة بنود منها ما يتعلق بهيكلة الأجهـزة الأمنية وإعادة بنائها ومهام جهاز المخابرات العامة quot;...quot; ولم تسلم مصر ردها النهائي عليها، فإنها ترى في مرسوم الرئيس انه ضربة قوية لجهود المصالحة واستجابة لما دعته بـ quot; الأوامر الأميركية وخدمة للاحتلال وأجندة خارجيةquot; وتكريسا للانقسام الفلسطيني ودليلا على عدم مصداقية وجدية الرئيس في موضوع المصالحةquot;.

واعتبر نواب حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني في بيان وصل ايلاف نسخة منه أن إصدار الرئيس الفلسطيني للمرسوم خطوة quot;غير قانونيةquot; وquot;غير دستوريةquot; وquot;غير وطنيةquot; وضربة قاصمة لجهود المصالحة، وشدد النواب أن حماس لن تعترف بأي إجراء لانتخابات، محملين الرئيس الفلسطيني أي تبعات لهذه الخطوة غير المحسوبة وغير الوطنية على حد قولها.

ويتوقع مراقبون أن يشعل مرسوم الرئيس الفلسطيني فتيل الصراع الدائر بين فتح وحماس ويهدد جهود المصالحة التي كانوا قاب قوسين أو أدنى من توقيع الاتفاق، إلا أن رياح غولدستون أودت به إلى اجل غير مسمى، ومن شأن مرسوم الرئيس أن يكمل على ما تبقى من حلم بالمصالحة، في حين يرى الآخرون أن الانتخابات ورقة التوت التي سيتمسك بها الرئيس للضغط على حركة حماس لتوقيع اتفاق المصالحة التي اتهمها سابقا بالمماطلة في توقيعه ووضع اشتراطات للتملص من التوقيع.

وحذر الشيخ نافذ عزام، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، من أن قرار الرئيس سيزيد الوضع الفلسطيني تعقيداً.
وقال في تصريحات لإذاعة محلية تصدر من غزة :quot; أن الشعب الفلسطيني الذي يرتقب تحقيق المصالحة بفارغ الصبر لم يكن ينتظر خطوات تعمق حالة الانقسام، مبيّناً أنه يتجه نحو معاناة إضافية، مضيفا:quot; من الصعب إجراء الانتخابات في قطاع غزة في ظل حالة الانقسام القائمة، و لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور بعد ذلكquot;.

واشترطت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إجراء انتخابات في ظل توافق وطني مشيرة أنها لا تمانع صدور مرسوم رئاسي بشأن إجراء الانتخابات مطلع العام القادم، مشددةً على تمسكها بضرورة إجراء الانتخابات في ظل توافق وطني.

وقال كايد الغول عضو اللجنة المركزية للجبهة: quot;إن الجبهة مع صدور مرسوم رئاسي يحدد إجراءات الانتخابات، وذلك حسب النظام الأساسي لمنظمة التحريرquot;، مضيفاً أنه quot;سيكون هناك إجماع فصائلي لعقد الانتخابات في جو من التوافق الوطنيquot;.