يستمر النائب الهولندي غيرت فيلدرز، المثير للجدل والمرشح الأقوى لتولي منصب رئاسة الوزراء في هولندا، بحسب استطلاعات الرأي التي تشير الى تقدم حزبه، بنشر تصريحاته المعادية للإسلام محاولا القضاء على وجودهم في أوروبا. وكان فيلدرز قد بثّ فيلم quot;فتنةquot;، ومدته ربع ساعة تقريبا، على شبكة الإنترنت في مارس/ آذار الماضي، ويتضمن صورا quot;مسيئةquot; للنبي محمد وللإسلام، رغم تحذيرات الحكومة بأن عرض الفيلم قد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الهولندية في الخارج. وفور بث الفيلم، تتالت البيانات من الاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمين العام للأمم المتحدة، الذين أدانوا العمل باعتباره quot;مثيراً للكراهيةquot;، وشكلاً من أشكال quot;التمييز ضد المسلمينquot;، كما اندلعت التظاهرات في العديد من المدن الإسلامية.


Anti-Islamic Dutch parliamentarian Geert Wilders, address journalists ...

يريد عضو البرلمان الهولندي اليميني غيرت فيلدرز ان يمنع القرآن، ويفرض ضريبة على الحجاب، ويحسب تكاليف الهجرة والمهاجرين على الاقتصاد الهولندي. كما يعتزم السياسي الشعبوي الترشح لمنصب رئيس الوزراء في عام 2011، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي الى تقدم حزبه.

تصف quot;شبيغل اونلاينquot; في تقرير فيلدرز بأنه شعبوي يميني موهوب بشكل استثنائي، معتبرة انه الأخير من افراد رعيل عقدوا العزم على تهييج الأوضاع في اوروبا. ففي سويسرا عُزل كريستوف بلوخر من منصبه، وفي النمسا قُتل السياسي اليميني يورغ هايدر في حادث سيارة، وفي المانيا ضُبط السياسي رونالد شيل على شريط فيديو يستنشق الكوكايين في البرازيل.

ولا تستبعد الصحيفة ان يصبح فيلدرز رئيس وزراء هولندا، اذ ان الانتخابات البرلمانية المقبلة ستجري في ايار/مايو 2011، ويتقدم حزب الحرية الذي يتزعمه فيلدز في استطلاعات الرأي منذ اشهر، وتشير هذه الاستطلاعات الى ان الحزب سيفوز بنحو 20 في المئة من الاصوات إذا جرت الانتخابات اليوم. وكان اداء الحزب يضاهي اداء الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في الانتخابات الاوروبية التي جرت في حزيران/يونيو.

يطل فيلدرز على صفحة الغلاف في هذا المطبوع أو ذاك كل يوم، ويسجل كل عنوان عنه على الانترنت من النقرات ثلاثة امثال ما يلقاه رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكيندي الذي يتمتع فيلدرز بنفوذ بالغ في حكومته.

Student protesters stand outside as Dutch politician Geert Wilders ...
تظاهرات تندد بتصريحات فيلدرز في هولندا

الا انه منذ عام 2004 يمارس فيلدرز ضغوطا شديدة على الادارات الهولندية عبر حملته المعادية للاسلام، ويقول فيلدرز انه يريد quot;استعادة هولندا من ايدي الاسلاميين شارعا فشارعا وحيا فحياquot;، وهو يستخدم عبارات من قبيل quot;ارهابيي الشوارع المغاربةquot;، وquot;تسونامي الأسلمةquot;. والمسلمون بنظره أناس يلوثون الفضاء العام بأغطية رؤوسهم ولحاهم وبراقعهم ومساجدهم، وذهب مؤخرا الى حد المطالبة بفرض ضريبة على الحجاب قدرها الف يورو سنويا للفرد الواحد.

يذكر ان هناك نحو مليون مسلم في هولندا اليوم، يشكلون قرابة 6 في المئة من سكانها، وبضع مئات فقط هم من الاسلاميين الراديكاليين، وربما كان بضعة آلاف من quot;اصحاب السوابقquot;. ولكن حقائق كهذه تراجعت الى الظل امام هواجس الهولنديين، بحسب quot;شبيغل اونلاينquot;. وبعد مقتل تيو فان غوخ تحدث الكاتب غيرت ماك عن quot;تجارة الخوفquot; التي يتعاطاها سياسيون ووسائل الاعلام، وفيلدرز يمثل اكبر هؤلاء التجار.

منذ ذلك الحين انعطفت احزاب هولندا الرئيسة نحو اليمين، ولم تكن احزاب يمين الوسط ويسار الوسط الكبرى تفوهت بكلمة طوال عقود قبل ذلك عن وجود مشاكل مع المغاربة والاتراك. واليوم ينسخ بعضها افكار فيلدرز مراهنا على الفوز بتأييد الناخبين من خلال المزايدة على توجهه اليميني، ولكن الأصل يبقى متقدما على مقلديه. وعندما قدم وزراء في الحكومة عرضا سخيا بإشراك حزب فيلدرز في الحكومة الائتلافية، ابلغهم باستعلاء في وجوههم انهم يذكِّرونه بسيارة قديمة عالقة في الرمل، بطاريتها ميتة وكلب يتبول على اطاراتها الأمامية، ثم طالبهم بالاستقالة فورا.

تصف صحيفةquot;شبيغل اونلاينquot; فيلدرز على انه شعبوي بلا ملامح، وبلا فضائح وبلا حياة شخصية معروفة للرأي العام. يبدو وكأنه يقوم بدور، هو دور الشعبوي اليميني غيرت فيلدرز، ممثل يتقمص شخصيته ذاتها، دائما يحتفظ بمسافة بينه وبين العالم. موقعه المساحة الرمادية بين نقد مبرر للمسلمين، الذين لا يريدون الاندماج بالمجتمع الهولندي، وكراهية صريحة للأجانب. ونتيجة لذلك يبدو فيلدرز قادرا على صد الانتقادات كتلك التي تشبِّهه بالنازيين وكأنها قطرات من المطر. وهذا ما يجعله بهذا القدر من النجاح وبهذه الدرجة من الخطورة، لأن ما يتسم به من عدم تسامح يمتد وسط المجتمع الهولندي مثل بقعة زيت، على حد وصف الصحيفة.

Protestors stage a demonstration near a building where Dutch ...
... وفي لندن

فيلدرز مسكون بالخوف من فقدان السيطرة، السيطرة على حزبه، على اعضاء حزبه في البرلمان، على اخباره وصورته امام الرأي العام. وهو لا يظهر في الندوات التلفزيونية إلا إذا كان ضيفها الوحيد، يرفض التحادث مع مسلمين معتدلين دعوه مرات لا تحصى الى حضور نقاشات وحوارات، وأشد المحاور فاعلية في هجومه دعوته الى منع القرآن. وهو يعرف مثلما يعرف الجميع انه لن يحقق هذا المنع ابدا لكنه يهوى متعة الاستفزاز.

لا يُعرف الكثير عن فيلدرز، عمل ذات مرة في معمل مخللات الماني لتمويل زيارة الى اسرائيل، درس القانون وعمل في دائرة الضمان الاجتماعي الهولندية قبل ان يدخل معترك السياسة متزوجا، ولكن كل ما يُعرف عن زوجته انها دبلوماسية سابقة من المجر.

آخر أفكار فيلدرز برزت في غمرة الأزمة الاقتصادية حساب الكلفة الحقيقية للهجرة، أو بتعبير أدق هجرة غير الغربيين. فهو يريد ان يعرف ما يكلفه المسلمون من اعباء مالية على الحكومة، وفتح موقعا الكترونيا لجمع التعليقات يكتب فيها المساهمون عن اشياء مثل كم يتقاضى سائق حافلة يعمل في مدرسة اسلامية، أو ان احدا تلقى تعويضا من الحكومة مؤخرا بسبب وجود مسجد في شارعه. كل هذه الحكايات مخطط لها ان تكون جزءا من حساب فيلدرز لما يكلفه المهاجرون، وان تؤدي الى رقم مناسب يشحن مخاوف الهولنديين وغضبهم، وسيكون ذلك رقم فيلدرز السحري في الحملة الانتخابية عام 2011.