البرلمان السويسري

تواجه سويسرا اليوم عدة ضغوطات الخارجية منهاوالداخلية. فالولايات المتحدة الأميركية بدأت quot;تصفية حساباتهاquot; مع مصرف quot;يو بي اسquot; العريق ومع قانون السرية المصرفية السويسرية. إلى ذلك أثار الاستفتاء الشعبي الذي أجرته سويسرا حول بناء مآذن جديدة في البلاد ردود فعل دولية ومحلية، وقد تواجه سويسرا معركة تصفية حسابات، من نوع آخر، مع العديد من الدول الإسلامية التي استنكرت قرار منع بناء مآذن جديدة هناك.

طلال سلامة من برن: رضخ مصرف quot;يو بي اسquot; لطلبات حكومة برن بهدف تسليم لائحة باسم أكثر من 4.5 ألف عميل أميركي لديه، يُعتقد أنهم تهربوا من دفع الضرائب بأميركا. في الوقت الحاضر، تجاوزت الضغوط التي تمارسها الحكومة السويسرية على هذا المصرف حدودها المقبولة لحد يدفع مديري هذا المصرف الى التخطيط لنقل أنشطتهم الرئيسية الى الخارج.

هذا وقد تواجه سويسرا معركة تصفية حسابات، من نوع آخر، مع العديد من الدول الاسلامية التي صُدمت بقرار منع بناء مآذن جديدة، على الأراضي السويسرية. وبرغم موجة الانتقادات العارمة التي تغرق بها حكومة أحمدي نجاد الايرانية، من جراء نوايا هذا الرئيس النووية الغامضة وما هو دور ايران (المشتبه بمدى فاعلية استقرارها السياسي) الحاضر والمستقبلي على طاولة ألعاب منطقة الشرق الأوسط السياسية، الا أن سويسرا عليها المحافظة على علاقة متوازنة مع ايران لا سيما ان كانت أيضاً الممثلة الرسمية للولايات المتحدة الأميركية على الأراضي الايرانية.

لمناقشة العديد من النقاط حوارت quot;ايلافquot; النائبة quot;كريستا ماركفالدرquot; في مقر البرلمان السويسري في برن:

سؤال: في الوقت الحاضر، تحتل سويسرا المركز السابع عالمياً من حيث قوة بورصتها وأسواقها المالية. كيف تتفاعل حكومتكم مع احتمال اعتناق نظام الصيرفة الاسلامية وهل للأزمة التي تمر بها شركة دبي العالمية الحكومية دوراً في الموافقة على اعتناق هذا النظام أم لا؟

جواب: من الواضح أن أزمة دبي لها تأثير على جميع الأسواق المالية العالمية. وسويسرا ليست بمنأى عن المفعول السلبي لهذه الأزمة. أنا شخصياً لا اعتقد نظام الصيرفة الاسلامية سيكون له تأثير كبير هنا اذ ثمة نظام مصرفي وطني، أقدم منه، طالما تميز بفعاليته وموثوقيته. وعملاء المصارف لا يبحثون اليوم الا عن بعض الأمان خصوصاً ان خاضوا مشاريع استثماراتية. ان الصيرفة الاسلامية ما تزال جديدة على العالم الغربي، ومنه عالمنا. لذلك، أعتقد علينا التريث قليلاً لرؤية أبعاده خصوصاً في المرحلة التي ستلي مرحلة الخروج من أزمة دبي التي آمل أن تلقى حلولاً حكومية سريعة. من جهة أخرى، لدى المصارف السويسرية الآلاف من العملاء العرب، المسلمين، الذين يديرون ودائعهم واستثماراتهم من هنا. ما يعني أن النظام المصرفي السويسري، بحد ذاته، تاريخي الجذور وتعرض في الماضي لأكثر من هزة خرج منها سليماً. لا تنسى أن الاستقرار السياسي وفاعلية الخدمات يلعبان دوراً في جذب كل من له نية في الاقامة عندنا، دائماً أم مؤقتاً.

سؤال: لقد طرحت عليكم سؤال اعتناق الصيرفة الاسلامية نظراً للدور الذي قد تلعبه في دمج الجالية الاسلامية السويسرية بصورة أفضل في الأنسجة الاجتماعية السويسرية، والعكس بالعكس. هل أنا على صواب؟

طلال سلامة مع النائبة كريستا ماركفالدر

جواب: أنظر. صحيح أن لدينا جالية اسلامية، يقدر عددها بنحو 400 ألف مواطن، بيد أن عملية الدمج التي تتحدث عنها تميل أكثر الى quot;محرك اصطناعيquot; وليس طبيعي. ان سويسرا بنيت على أرض طبيعية خصبة يمكن لأي مواطن، بغض النظر عن جنسيته ودينه، أن يزرع جذوره بها شرط أن يحترم قوانينا وثقافاتنا وتقاليدنا. ان الانفتاح الاجتماعي المتبادل، وليس المصرفي، هو المفتاح. في المقام الأول، على المسلمين المقيمين هنا أن يحاولوا التقرب الى السويسريين عن طريق التحدث باحدى اللغات المتبعة عندنا، أي الألمانية أم الايطالية أم الفرنسية. والعديد منهم لا يتحدث أي من هذه اللغات وهو quot;متقوقعquot; داخل جاليته! فماذا تريد من السويسريين ان يفعلوا ان كان من أمامهم جاهل كلياً بلغة الكانتون المقيم على أراضيه وكيف علينا أن نصغي ونفهم حاجات من يرفض الانفتاح على ما هو خارج جاليته العرقية!

سؤال: على صعيد الهجرة غير الشرعية والعمل الأسود غير المصرح عنه، ما هي الوضاع الراهنة بين المفوضية الأوروبية وحكومة برن حول مدة اعتقال المهاجرين غير الشرعيين في السجون؟ تطلب المفوضية الأوروبية منكم تقليص مدة الاعتقال من عامين الى ستة شهور كي تتوافق مع القوانين الأوروبية؟ هل ثمة مستجدات لديكم؟

جواب: هناك مفاوضات جارية مع الاتحاد الأوروبي وعلينا أن نجد حلاً وسطاً لهذا الشجار الأوروبي-السويسري. في الحقيقة، فان مدة زج المهاجرين غير الشرعيين في السجون السويسرية، أي 24 شهراً، قررتها حكومتنا اعتماداً على استفتاء شعبي. مع ذلك، يوجد اليوم أكثر من مخرج لتخفيض فترة الاعتقال هذه الى ستة شهور توافقاً مع القوانين الأوروبية، لكن الأمر ما يزال يحتاج الى بضعة جولات ديبلوماسية بين لجاننا المختصة وخبراء المفوضية الأوروبية ببروكسل.

سؤال: بالنسبة للعام الجاري، هلى زادت أم تراجعت حركة تدفق المهاجرين غير الشرعيين الى سويسرا وما هي الأضرار السنوية التي تصيب سويسرا من جراء العمل الأسود؟

جواب: كما تعلم فان هذه الحركة تتراجع كلما تراجعت حركة الهجرة غير الشرعية الى بعض الدول الأوروبية، كما فرنسا وايطاليا. بالنسبة للعام الجاري، لا نسجل زيادة في هذه الحركة. ويوجد أكثر من نظام مراقبة ناجح، تتعاون من خلاله شرطة الحدود السويسرية مع أجهزة الشرطة الأوروبية واستخباراتها، لتعقب المهاجرين غير الشرعيين، براً(لقمع أي تسلل الى أراضينا عبر العربات والقطارات) وجواً(لمكافحة جوازات السفر المزورة). بالنسبة للعمل الأسود، الذي يعرض أكثر من فرصة على أولئك الأجانب غير الحائزين على رخص اقامة عمل شرعية، فاننا لم نجد بعد حلاً له مع أن الاقتصاد السويسري يعاني من خسائر قدرها أكثر من 20 بليون فرنك سنوي، سنوياً، من جراء علاقات عمل غير قانونية تجمع أرباب العمل(من سويسريين وأجانب) بهؤلاء المتسللين.

سؤال: بالنسبة لقوانين التجنيس، هل تتجه سويسرا نحو تصعيبها أم تسهيلها؟

النائبة كريستا ماركفالدر

جواب: ان قوانين التجنيس السويسرية جيدة اليوم وتطورت كثيراً في السنوات الأخيرة. فملف التجنيس بات لا يعتمد حصراً على quot;الحظquot; انما على سلة من المتطلبات، كما الاقامة الشرعية هنا لمدة 12 عاماً. بفضل مبادرات، قادتها حركات شعبية وحزبية هنا، تتمسك سويسرا اليوم باعطاء الحقوق بالكامل لكل من له حق بها، هنا، ومن ضمنها التجنيس وهذا فخر لنا أن نحتضن quot;السويسريين الجددquot;.

سؤال: بألمانيا، ثمة متطلبات جديدة وربما قاسية للتجنيس، هي اتقان اللغة الألمانية. هل من الممكن أن يصبح ذلك بين متطلبات التجنيس، أيضاً بسويسرا؟

جواب: كلا. نحن لا نطلب ذلك رسمياً وليس بنيتنا اجراء أي فحص لغوي للمتقدمين بطلبات التجنيس. بيد أن اتقان اللغة مرغوب جداً به لدينا. فهذه وسيلة للحوار معنا، في المقام الأول. اذ كيف يستطيع الأجنبي المجنٌس أن يقيم في بلد(أصبح بلده) يجهل لغته!

سؤال: ما هو موقفكم ازاء نتائج الاستفتاء الذي آل الى حظر بناء المآذن الجديد بسويسرا؟

جواب: أنا آسفة جداً لهذه النتائج وأتوقع ضغطاً على سويسرا، من الاتحاد الأوروبي والدول العربية معاً. ثمة أحزاب سويسرية يمينية متشددة تقف وراء اقتطاف هذا الفوز السياسي من الشعب. بيد أن هذا الفوز قد يضع سويسرا في مأزق لا سيما من حيث العلاقات التجارية مع الدول الاسلامية، حول العالم. علاوة على الازمة المالية، التي تترك آثار لها أيضاً هنا، فان السويسري بدأ يخشى من quot;الغريبquot;. بالطبع، فان هذا الموقف خاطيء لكن ثمة عدة استراتيجيات حزبية موجهة تنجح أحياناً في اشعال الفتنة بين السويسريين والمسلمين. انا أعتقد أن بناء الكنائس في بعض الدولالاسلامية يزال ممنوعاً. لذلك يقول السويسري، المتأثر بخطابات بعض رؤساء الأحزاب هنا، لنفسه quot;لماذا يمنعون بناء الكنائس في بعض الدول الاسلامية ولما علينا أن نوافق على بناء مآذن جديدة للمصلين المسلمين لدينا؟quot;.

سؤال: هل تتحول نتائج الاستفتاء لتصبح قانوناً غير قابل للجدل؟

جواب: بالطبع، ان حظر بناء المآذن الجديد أضحى قانوناً. هذه رغبة الشعب السويسري وموقفنا البرلماني، المصدوم بدوره بهذه النتائج، لا ثقل له أمام ارادة الشعب!

الملف اللبناني

سؤال: تحلى رئيس الوزراء اللبناني الجديد، الشيخ سعد الحريري، بشجاعة استثنائية لتشكيل حكومة جديدة مع المعارضة، التي يترأسها حزب الله الذي لا يحلو لاسرائيل أن تراه في الحكومة. ما هي نصيحتكم الى الشعب اللبناني؟

جواب: أنا أعلم أن ثمة 17 طائفة في لبنان منذ زمن بعيد. أنا أنصح شعب هذا البلد الجميل في تملك رغبة التعايش بسلام، كما نفعل نحن هنا أين تجد مجتمعاً عرقياً متعدداً ومسالماً. في حال غابت رغبة التعايش، بين اللبنانيين، أو بين اللبنانيين وغير اللبنانيين، فانه من السهل أن يعيش لبنان فترات من عدم الاستقرار والحروب والأزمات السياسية والشعبية التي لا تخدم أحد.

سؤال: ما هي العلاقات التي ينبغي أن تجمع لبنان باسرائيل: العداوة أم الصداقة؟

جواب: انها الصداقة بالطبع. فهي تفتح آلاف الفرص، تجارية كانت أم لا، بين الشعبين. أما العداوة فهي جدار يتناقض مع مفهوم العولمة ويسبب بالعديد من سوء الفهم والأحكام المسبقة.

سؤال: في حال عادت الحرب فجأة الى جنوب لبنان، بصورة أشرس مما حصل في حرب تموز 2006. كيف تستطيع سويسرا التدخل؟

جواب: نحن نستطيع ادارة جميع الخدمات الانسانية انما لا نستطيع الوقوف عسكرياً بين الطرفين، حزب الله واسرائيل، لمنع أي صراع محتمل بينهما على غرار ما تفعله قوات اليونيفيل.

سؤال: بعد السياسة، يتركز quot;همquot; المواطنين اللبنانيين، منذ عشرات السنين، على أزمة الماء والكهرباء. يبدو أن الرئيس سعد الحريري مستعد لخصخصة بعض القطاعات. هل يمكن أن يتحول لبنان ارضاً خصباً تستقطب الشركات السويسرية لنقل وممارسة معرفتها وتقنياتها على الأراضي اللبنانية لا سيما في في قطاع الطاقة المتجددة واعادة ترميم شبكة النقل بواسطة سكك الحديد، بلبنان، المشلولة منذ عشرات السنين؟

جواب: بالطبع. نحن مستعدون للانخراط في المشاريع الانمائية بلبنان، مهما كانت، بيد أننا نحتاج، في الوقت ذاته، الى استقرار سياسي. بعدها، أنا متأكدة أن العديد من الشركات السويسرية التكنولوجية ستفتتح فروعاً لها بلبنان. ما يعني أيضاً توفير آلاف فرص العمل للمواطنين هناك.