لوس أنجليس تايمز: الكارثة كشفت حقيقة الهوة بين الطبقات في البلاد
حادث عبارة السلام بات رمزا ً للمحسوبية عند كثير من المصريين
أشرف أبوجلالة من القاهرة:
رغم مرور ثلاثة أعوام كاملة علي حادثة غرق عبارة السلام في مياه البحر الأحمر يوم الثالث من شهر فبراير عام 2006 وراح ضحيته 1029 ونجاة عدد لا يزيد عن مائتي شخص، إلا أن القضية التي شغلت الرأي العام في مصر خلال الفترة الماضية لازالت مسار جدل واسع ومادة خصبة لوسائل الإعلام المختلفة داخل مصر وخارجها حتي الآن. وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية في تقرير نشرته بعددها الصادر اليوم الأحد أن حادثة غرق باخرة مكتظة بالركاب وهي في الأساس غير صالحة للإبحار أصبحت تعني لكثير من المصريين رمزا ً للفساد والمحسوبية الذين يخلطان ما بين الحكومة ورجال الأعمال الذين تربطهم علاقات جيدة ببعضهم الآخر.

وقالت الصحيفة في بداية تقريرها أنه وفي الساعات الأولي من فجر يوم الثالث من فبراير عام 2006، اشتعلت النيران بالباخرة التي كانت تقل أسرة طارق شرف، ثم انقلبت نتيجة للرياح العاتية التي كانت تسيطر علي الأجواء في البحر الأحمر ما بين مصر والمملكة العربية السعودية. وقد أدي هذا الحريق إلي غرق أو وفاة زوجته وأبناؤه الأربعة، بالإضافة لـ 1029 راكب آخر. وأكدت الصحيفة علي أن كل ما يريده طارق الآن هو أن يتم تحديد شخص لمساءلته عما حدث، لكن بعد سنوات من الجلوس في قاعات المحاكم وتجول في أروقة الحكومة، يبدو أن طارق متأكد وواثق من أن ذلك لن يحدث مطلقا ً.

ونقلت الصحيفة عن طارق قوله :quot; ليس لدي أي أمل في تحقيق العدالة، لكن علي أن أستمر في سرج تفاصيل تلك القصة، ولازالت احتفظ بوثائق وقصاصات سيكون بإمكان ابني الوحيد الذي لا زال علي قيد الحياة أن يسردها عندما أموت quot;. وقالت الصحيفة أن مالك السفينة ممدوح إسماعيل، الذي عينه الرئيس مبارك في مجلس الشوري، والذي تربطه علاقات بمالك احدي الشركات المرخصة من جانب الدولة لفحص إجراءات الأمان الخاصة بالسفن، قد وجهت إليه اتهامات بالقتل غير العمد، ثم لاذ بالفرار إلي لندن. ثم عقبته بعد ذلك أمواله. هذا ولم تصدر ضده أي أحكام بالإدانة غيابيا ً، برغم التقرير المكون من 600 صفحة الذي خلصت إليه احدي اللجان البرلمانية الذي وجد أن الباخرة كان بها quot;عيوب خطرةquot; وأن الشركة والقبطان كانوا مهملين.

وبعد الاستئناف في هذا الحكم، فمن المتوقع أن يتم إصدار حكم من المحكمة يوم الحادي عشر من شهر مارس الجاري، إما بإلغاء الحكم السابق وإما بالدعوة لإجراء محاكمة جديدة. وتابع شرف الذي يعمل مدير مبيعات حديثه بالقول :quot; تقوم الحكومة والأغنياء بالضغط علي البسطاء من المصريين. فهم يخبروننا أن وجودنا ليس له داعي. وتفضح تلك القضية وجود قدر كبير من الفساد. فحياة الناس في مصر رخيصة وزهيدة الثمن. والدليل علي ذلك هو أنهم يقومون بوضع جث الموتي في أكياس القمامة وتصنفهم علي أنهم (جثث مجهولة) quot;.

وأكدت الصحيفة علي أن قضية غرق العبارة تعد بمثابة اللمحة القاتمة للاختلاف الواضح بين الطبقات في مصر: أحدهم من المهاجرين الذين يعملون في السعودية ثم يعودون لبلادهم علي ظهر قوارب ضعيفة وبحوذتهم نقود لأسرهم، أما الطبقة الثانية فهي طبقة المليونيرات والمليارديرات الذين يصعب الوصول إليهم وتربطهم علاقات بالنظام القضائي والحزب الوطني الديمقراطي ، الذي يحكم دولة تعاني من التضخم، والاضطرابات العمالية، وتردي الأوضاع الخاصة بالتعليم والرعاية الصحية.

ونقلت الصحيفة عن عبد الخالق فاروق، محلل اقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية :quot; تعد علاقات رجال الأعمال الحكوميين في مصر بمثابة علاقة الزواج غير الشرعي وغير الدستوري. فهي علاقة مبنية علي الفساد والمتعة المتبادلة بين الطرفين الذين اتفقا علي اغتصاب واستنزاف الموارد الوطنية أغراض لا تخدم الأمن الوطني أو المصالح الوطنية quot;. كما أشارت الصحيفة إلي أن القصة الخاصة بأسوأ كارثة بحرية في تاريخ مصر أثارت موجة عميقة من الغضب وخيبة الأمل.

واختتم شرف حديثه بالقول :quot; إن إسماعيل خائن، فقد كان عضوا بمجلس الشوري، وكان من المفترض أن يحمي مصالح الشعب. لكنه هرب بعد ذلك إلي لندن حتي يتأكد من حصوله علي البراءة. وطوال فترة المحاكمة، ظل القفص الخاص بالمتهم خاويا ً علي عروشه quot;. وأوضحت الصحيفة أن شرف لا زال يجهل إلي الآن أين اختفت زوجته وأطفاله، تحت البحر، أم أن أسماك القرش قد أكلتهم، أم أنها دفنوا في مقابر بعد تصنيف جثثهم علي أنها quot; مجهولةquot;. ثم نظر بعينيه إلي أسفل. واستذكر الحلم الذي كانت قد رأته وحكته له ابنته الكبري، لينا، قبل وقوع الحادث بأيام قليلة، وهو عن أن النبي الكريم quot;محمدquot; قد جاءها وأخبرها بأنها ستدخل الجنة ذات يوم. وقالت الصحيفة أن شرف كان يحكي تلك القصة وهو يشعر بأن لينا ستدخل في أي لحظة من الباب، لكن هذا بالطبع لم يحدث. وأكد في النهاية علي أنه يعرف أن العدالة لن تتحقق، لكنه أشار إلي أنه في حالة عودة إسماعيل مرة أخري إلي مصر، فإن أسر الضحايا سوف يقومون بالتهامه.