يوسف صادق من غزة: على الرّغم من نفي وزارة التربية والتعليم في غزة فرض الجلباب والحجاب على الطالبات في المدارس الحكومية، إلاّ أنّ ردّات فعل المنظّمات الحقوقيّة والتنظيمات الفلسطينيّة كانت شديدة إزاء الإشاعة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، وحذا الأمر بالكثير من الطالبات في التفكير جديًّا بالالتحاق بمدراس خاصّة، بعيدًا عن المدارس التي تتحكّم بها وزارة تعليم غزّة. وقال خالد راضي، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم في غزّة، إنّ وزارته لم تصدر أيّ قرار بفرض الجلباب والحجاب على الطالبات، وأضاف: quot;قرار الوزارة واضح بعدم إلزام الطالبات بزيّ معيّنquot;. واعتبر راضي أنّ ما صدر عن بعض المديرات في مدراس غزّة هو quot;اجتهاد فردي من قبل بعضهنّquot;.
وأكّد أنّ الوزارة قامت بمراجعتهنّ لأنّها تصرّفات ليست لها علاقة بقرارات الوزارة المقالة، وأنّها لم تتبنَّ إلزام الطالبات بأيّ زيٍّ معيّن. لكنّ بعض الطالبات أكّدن لـquot;إيلافquot; على أنّ مديرات ومدرّسات هدّدنهنّ في حال عدم ارتداء الجلباب بعواقب لم يحدّدنها. إلاّ أنّ وفاء، طالبة في الصف الثاني عشر، أخذت تهديد المدرّسات على محمل الجدّ، واضطرّت أن تلبس الجلباب خوفًا من رسوبها في العام الدراسي الحالي.
وقالت وفاء، التي لم تكشف عن اسم عائلتها خوفًا من معاقبتها، إنّ مديرة المدرسة طالبت البنات بضرورة لبس الجلباب وإلاّ سيكون هناكعقاب لم توضحه، لكنّها أشارت إلى أنّ القرار يبدو داخليًّا، كماأكّدت على أنّ كافّة إداريّي ومدرّسي مدرستها من السيدات، في إشارة إلى تأنيث مدارس الفتيات، أي منع عمل المعلّمين في تلك المدارس واستبدالهم بمعلّمات.
وتعاني quot;حماسquot;، التي تسيطر على قطاع غزّة منذ منتصف عام 2007 بعد قتال ضدّ أجهزة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي كانت حركة quot;فتحquot; تتحكّم بها،من وسطيّة تفكيرها مقابل تشدّد مجموعات أخرى تنطوي تحت حركات إسلاميّة، تتّهمها بالتهاون في تطبيق الشريعة الإسلاميّة. لكنّ quot;حماسquot;، وعلى لسانعدد من قادتها، أكّدت على أنّها حركة إسلاميّة وسطيّة لن تطبّق الأحكام الإسلاميّة بقوّة السيف.
وكانت وزارة التربية والتعليم في حكومة غزّة نفت أيّ حديث عن فرض ارتداء الحجاب على الطالبات. وقالت في بيان لها وصلت quot;إيلافquot; نسخة عنه: quot;المجتمع الفلسطيني ملتزم بطبعه ولا يحتاج إلى قرارات تفرض عليهquot;. وأوضحت أنّها quot;ليست بحاجة للدّفاع عن قرارات لم تتّخذها، وهي أيضًا ليست بحاجة إلى التراجع عن قرارات تصدرها وفق ما تراه مناسبًا للمصلحة التربوية والعامّة، وهي لن تخجل من المضيّ قدمًا في أيّ قرار تتّخذه، مع تأكيدها على عدم وجود قرار في قضيّة الحجابquot;.
واعتبرت الوزارة أنّ إثارة هذه الضجّة مع بداية العام الدراسي الجديد استهدفت النيل من نجاح وزارة التربية والتعليم في غزة بتجاوز قضيّة المعلمين المستنكفين. وانتظمت الدراسة في قطاع غزة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بخلاف مع وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربيّة التي قرّرت بدء العام الدراسي في الأول من سبتمبر المقبل،الأمر الذيفسّره مراقبون بأنّ هذا العام سيشهد خلافًا تعليميًّا كالسّنتين السابقتين.
وقالت الطالبة دعاء إنّ مديرة مدرستها أخبرتها بضرورة لبس الجلباب، وأضافت لـquot;إيلافquot;: quot;أنا أرتدي الزيّ المدرسي العادي، وهي تنورة وقميص جينز أزرق غامق وأضع منديلاً على رأسي، لكنّ ذلك لم يعجب المديرةquot;. وتخشى دعاء أن تعمد المدرّسات المحسوبات على حماس إلى جعلالطالبات اللواتي لم يلتزمن بلبس الجلباب يرسبنquot;. وقالت: quot;سيكون نهج محبط جدًّا ومهين للجميع عندما نبتعد عن العلم ونفكّر فقط في الجدال وردود الأفعالquot;. ومنذ العام الدراسي الماضي، اضطرت وزارة التربية والتعليمأن تستعينبمدرّسين حديثين، بعد استنكاف أكثر من 4 آلاف مدرّس من غزّة عن العمل بسبب عمليّة النّقل التي قامت بها الوزارة ضدّ مدراء ومدرّسين محسوبين على حركة quot;فتحquot;.
من ناحيتها، أعربت فصائل فلسطينيّة عن رفضها لفرض قرار الحجاب على الطالبات. ودعا نافذ غنيم، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، إلى حملة شعبيّة لمواجهة ممارسات حركة quot;حماسquot; التي تستهدف الحريّات العامّة وانتهاك القانون وصبغ المجتمع برؤيتها الخاصّة، معتبرًا أنّ المجتمع الفلسطيني هو مجتمع تعدّدي يقوم على احترام الحريّات العامّة. وقال غنيم: quot;لا يجوز لحركة حماس ولا لغيرها أن تلجأ بطرق مباشرة أو غير مباشرة إلى فرض بعض الاجتهادات التي توحي وكأنّ قيم وتقاليد ومسلكيّات العامّة تتعارض مع القيم الإسلاميّةquot;. وأكّد على أنّ القيم الإسلاميّة النبيلة ستبقى مكوّنًا أساسيًّا للشخصيّة الفلسطينيّة.
من جانبها، عبّرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين عن قلقها البالغ من إجراءات فرض الجلباب على طالبات الثانوي في قطاع غزة وتأنيث مدارس البنات وإخلائها من المدرّسين الأكفاء. وأكّدت الجبهة في بيان صحفي علىأنّ مثل هذه الإجراءات quot;تحدث شرخًا في النّسيج المجتمعي الفلسطيني، وستنعكس سلبًا على أوضاع التّعليم وتعتبر تعدّيًا صارخًا على الحقوق الإنسانيّة التي كفلها القانون، فلا يوجد أيّ بند في القانون الأساسي الفلسطيني يتيح لأيّ جهة كانت فرض رؤيتها على المجتمع الفلسطيني، خصوصًا أنّ المجتمع الفلسطيني متعدّد الاتجاهات والميول والمذاهب.
وأشارت الجبهة الشعبيّة إلى أنّ quot;حماسquot; بدأت فعلاً في تطبيق ما يمكن اعتباره quot;قرارًا غير معلنquot; بفرض الزيّ الشرعيّ وارتداء الجلباب في مدارس المرحلة الثانويّة. وشدّدت على ضرورة إبعاد التعليم والطلبة عن التجاذبات والصراعات السياسيّة التي تعصف بالداخل الفلسطيني. ولم تستبعد مصادر فلسطينيّة مطّلعة أن تكون quot;حماسquot; قدأصدرت قرار فرض الزيّ الشرعي على طالبات الثانوي، لكنّها تفضّل عدم الإعلان المباشر لهذا القرار لتجنّب اتّهامها من قوى غير إسلاميّة في قطاع غزة بأسلمة المجتمع الغزّاوي بالقوّة.
التعليقات