لم تدخل 14 آذار الحكومة موحدة، لكنها حققت انتصارات متفرقة، لربما تعيدها إلى التحكم الفعلي بالسلطة في لبنان، ما أثار امتعاض جمهور 8 آذار.


بيروت: عادت قوى 14 آذار إلى الحكومة عودة قوية، بعدما كانت في صفوف المعارضة منذ تولي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة في كانون الثاني (يناير) 2011. إلا أن عودتها لم تكن على قدر تطلعات جمهورها، بالرغم من أنها تمكنت من وضع يدها على الوزارات اللازمة لاستمرار عمل المحكمة الدولية، أهمها وزارة العدل، التي تسلمها أشرف ريفي، ووزارة الاتصالات، التي تسلمها بطرس حرب، ووزارة الداخلية، التي تسلمها نهاد المشنوق.

نقاط
يمكن لأي مراقب أن يدرك أن قوى 14 آذار تمكنت، ولو مغامرة بقطيعة مع جمهورها، من تحقيق بعض النقاط، منتقلة من حقبة كانت فيها مغيبة تمامًا عن صنع القرار الحكومي، إلى حقبة التورط العميق في هذا القرار اليوم.

حارب تيار المستقبل من أجل اللواء أشرف ريفي في وزارة الداخلية، لكنه كان يعلم أن ريفي لن يحظى بالقبول، حتى من النائب وليد جنبلاط، الذي لا يريد استفزاز حزب الله. وأتت تسمية نهاد المشنوق، الذي يعدّ أحد الصقور في المستقبل و14 آذار، بديلًا من هذه الخسارة.

كذلك تمكن فريق 14 آذار من تسجيل نقطة أخرى كبيرة، وهي quot;تشليحquot; وزارة الاتصالات من نقولا صحناوي، العوني المتشدد في قضايا الداتا وكل ما يسهل التحقيق في الاغتيالات، وتسليمها إلى المخضرم بطرس حرب، وهو كان تعرّض لمحاولة اغتيال اتهم حزب الله بها. أما النقطة الثالثة فكانت إخراج وزارة الخارجية من يد رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو ذهبت إلى جبران باسيل. فباسيل ملتزم بقرار التيار الوطني الحر، غير المتحمّس لقتال حزب الله في سوريا، ولا للدفاع المستميت عن نظام بشار الأسد، كما كانت حال عدنان منصور.

النقطة الأخيرة هي أنه حتى لو فشلت الحكومة quot;السلاميةquot; في نيل الثقة النيابية، وتحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال، لا يذهب فريق 14 آذار إلى انتخابات نيابية محكومًا بحكومة لا يتمثل فيها. وإن نالت الحكومة الثقة، فالاستحقاق الرئاسي في أيد أمينة.

القوات خارجًا
لم تدخل 14 آذار موحدة إلى الحكومة، إذ أصرّت القوات اللبنانية على شروطها للمشاركة في الحكومة، وعلى رأسها خروج حزب الله من الميدان السوري، والاحتكام إلى إعلان بعبدا، الذي يعلن الحياد اللبناني عن الأزمة السورية، وعدم تضمين البيان الوزاري ثلاثية quot;الجيش والشعب والمقاومةquot;.

كانت هذه شروط كل قوى 14 آذار، إلا أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري آثر التنازل والقبول بالجلوس في حكومة واحدة مع حزب الله، معلنًا ذلك في أول يوم من أيام المحكمة الدولية في لاهاي، في ما عدّ تنازلًا كبيرًا في مصلحة الاستقرار في لبنان، وتسهيلًا لتشكيل الحكومة، مدحه عليه مختلف الطراف اللبنانية. وقد تقبل جمهور المستقبل على مضض قرار الحريري، مع الكثير من التذمر.

بقيت القوات على موقفها، رغم دخول تيار المستقبل وحزب الكتائب ومستقلين إلى حكومة المصلحة الوطنية، ونقل عن أوساطها أنها تنتظر صدور بيانها الوزاري، لتأخذ الموقف المناسب، لأن مشكلتها لم تكن مع الحصص الوزارية، بل السياسة العامة التي ستتبعها الحكومة. وأكدت هذه الأوساط أن حزب القوات اللبنانية لن يمنح الحكومة الثقة إذا تضمن البيان الوزاري ثلاثية quot;الجيش والشعب والمقاومةquot;.

للمصطادين في الماء العكر
بقاء القوات اللبنانية خارج السرب الحكومي أثار الكثير من الأقاويل حول تصدعات قوى 14 آذار، بالرغم من تأكيد القوات على أنها تعوّل على أصدقائها في الحكومة، وخصوصًا وزراء حزب الكتائب.

في هذا السياق، ومنعًا لأي تأويل قد يستخدم لرسم خارطة جديدة للتحولات في التحالفات اللبنانية، سرت الأقاويل عنها منذ أيام، عقَّب النائب سامي الجميّل، المنسق العام في حزب الكتائب، على إعلان ولادة الحكومة الجديدة ومشاركة الكتائب فيها، فقال على صفحته الخاصة على موقع فايسبوك: quot;ليعلم الجميع، وخاصة المصطادون في الماء العكر، أن وزراء الكتائب هم وزراء حزب القوات اللبنانية، والعكس صحيح، إن كان في هذه الحكومة أو في أي حكومة ستتشكل لاحقًاquot;.

إلا أن عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب إيلي ماروني فقد أعلن أن نواب مدينة زحلة ومنطقتها يتجهون إلى عدم منح الثقة للحكومة، بسبب تغييب زحلة عن التمثيل الوزاري.

ريفي وشبطيني!!
وإن كانت قوى 14 آذار تعاني منذ وقت ليس بقصير أزمة ثقة مع جمهورها، الذي يجد في قياداتها من يقدم التنازلات المجانية إلى حزب الله وفريقه، فإن فريق 8 آذار ليس في وضع أفضل، خصوصًا اليوم مع إعلان الأسماء والحقائب.

المفاجأة الأولى كانت متمثلة في اسم اللواء المتقاعد أشرف ريفي، الذي رفضه حزب الله وزيرًا للداخلية، بعدما رفض التمديد له مديرًا عامًا لقوى الأمن الداخلي، معرّضًا تحالفه مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي للانهيار، إذ استقال ميقاتي بسبب رفض حزب الله هذا التمديد.

وتقول مصادر مراقبة إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه حزب الله وفريق 8 آذار هو القبول بريفي وزيرًا للعدل، إذ يعرف ريفي من تجربته الأمنية مديرًا عامًا لقوى الأمن الداخلي كيف يحرّك النيابات العامة في ملفات تريد قوى 8 آذار أن تبقى طيّ الأدراج لأسباب عديدة.

ليس هذا وحده السبب، فقد نجحت قيادات حزب الله في quot;شيطنةquot; ريفي، حتى أنزلته منزلة العدو والعميل لإسرائيل في داخل لبنان. وهذا ما زرع في صفوف قاعدة حزب الله ارتباكًا كبيرًا، ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل تساؤل جامع: quot;كيف سيجلس وزراء أمل وحزب الله المقاومين مع ريفي العميل؟quot;.

أما الاسم الثاني، الذي فاجأ جمهور 8 آذار، فكان اسم القاضية أليس شبطيني، التي سمّاها رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل لحظات من إعلان التشكيلة الحكومية. واسم شبطيني أثار امتعاض جمهور حزب الله، الذي يتهمها بأنها من أخلى سبيل عملاء لإسرائيل ومن أطلقوا النار على الجيش اللبناني في عرسال.

فقد انتشرت دعوات في الضاحية الجنوبية إلى الاعتصام رفضًا لمشاركة حزب الله وحركة أمل في حكومة quot;العملاء والإرهابيين التكفيريينquot;، كما قالت إحدى الدعوات، التي نصت على الآتي: quot;تحت عنوان لا لهيمنة العملاء والمتطرفين، يقيم شباب الوطن المقاوم اعتصامًا سلميًا، رفضًا للحكومة المكونة من (زعران) المحاور ورموز التطرف وحماة العملاءquot;.