البالات في العراق: زبائنها من الميسورين ومحدودي الدخل.. وقد تسبب انفصامابالشخصية

كركوك: بدت أم ظاهر منشغلة في البحث عن ملابس لأطفالها الأربعة أثناء تجوالها في سوق القورية بكركوك، وهو سوق متخصص في بيع الملابس المستعملة quot;البالةquot; والمستوردة من الأسواق الأمريكية والأوربية التي تمتاز برخص أسعارها وجودتها وكثرة الطلب عليها خاصة من قبل أصحاب الدخل المحدود .

تقول أم ظاهر في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إنها quot;اعتادت على شراء ملابسها وملابس أطفالها من مجمعات الملابس المستعملة، وخاصة مجمع قورية ورأس الجسر وسط كركوكquot;.

وتضيف أم ظاهر إن عائلتها quot;مكونة من عشرة أفراد، ستة منهم طلاب في المدارس بمراحل دراسية مختلفة ويحتاجون إلى ملابس مدرسية وحقائب وأحذية، وحين ننزل إلى الأسواق تفاجئنا الأسعار الخيالية، ونبتعد عن هذه الأسواق لنجد ضالتنا في سوق القورية للبالاتquot;.

وتضيف أم ظاهر quot;نجد في سوق البالات جميع ما نريد من ملابس وحتى الحقائب والأحذية، وبأسعار زهيدة تتراوح بين ألف دينار إلى خمسة آلاف، وتكون في معظمها مستوردة، وتحمل ماركات عالمية وتمتاز بجودة الصناعة على الرغم من أنها مستعملة، لكنها تسد جميع حاجات العائلةquot;.

موديلات غريبة مطلوبة من الشباب

محمد طلال شاب يبلغ من العمر19 سنة يتنقل من كومة ملابس إلى أخرى، في سوق البالة، يقول في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;هذه الأسواق تجتذب أساساً الشباب الذين يرغبون في اقتناء ملابس مستوردة، ولا تسمح لهم إمكاناتهم الاقتصادية بذلك ويبحثون عن الغريب من تلك الملابس من quot;التي شيرتquot; والقمصان الجلدية ذات الموديلات الغريبة التي تجذب الانتباهquot;.

ويضيف طلال أنه quot;من كثرة ترددي على سوق البالات بات أغلب أصحاب المحال يعرفون ما أبحث عنه من الملابس، وحين تصل بضاعة من البالة يتصل بي أحدهم لاختيار وتحديد ما أريد قبل الاطلاع عليه من الغيرquot;.

ويقول البائع عمر علي غالب إن quot;هناك شريحة ميسورة الحال، لكن لديها هوس باقتناء قطع لا شبيه لها في الأسواق إذ تكون مدعاة تفاخر، بالنسبة لهم أمام زملائهم حتى أنهم يدعون أنها مستوردة خصيصاً لهم من ذويهم في بلاد أوروبا، وهؤلاء عادة يكونوا زبائن دائمين وعندما نصادف قطعة تتناسب وأذواقهم نتصل بهم مباشرة ويأتون إلى المنزل لا إلى المحل لشراء القطعة ويدفعون ثمنها مهما كانquot;.

اغلب البالات أمريكية وأوربية

ويشير البائع إلى إن quot;غالبية التجار تستورد البالات من منفذين رئيسين الأول بحري عبر موانئ مدينة البصرة، ويتم جلبها من دبي ودول الخليج، أما البالات الأوربية والأمريكية فتأتي عبر تركيا براً إلى إقليم كردستان ومنه إلى كركوك وجميع المحافظاتquot;.

ويوضح غالب أن quot;أسعار البالات تبدأ من عشرين دولارا وصولا إلى 800 دولار أمريكي للبالة المكبوسة التي يصل وزنها إلى 45 كغم ونسميه (الاستندر) أي الغير مفتوح، وأغلى البالات تكون للملابس الرياضية تليها الملابس النسائية والرجالية والأطفالquot;.

اليورو والدولار والذهب والمحمول حاضرة في البالات

ويقول أحد الباعة إنه quot;في أحيان كثيرة حين نفتح أكياس البالة نجد في بعضها عملات ذات فئات صغير من الدولار واليورو وقطع من الحلي الذهبية وأجهزة المحمول، وفي الغالب تكون داخل الملابس المستوردة خاصة التي تأتي من أمريكا والدول الأوربيةquot;.

ويقول البائع الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن quot;الغلاء في أسعار الملابس المستوردة من الخارج وخاصة الصينية يجعل الناس يأتون إليناquot;، متهما بعض التجار بأنهم quot;يسعون إلى استيراد ملابس ذات مواصفات رديئة من الدرجة الخامسة ثم يبيعونها بأسعار خيالية، في حين تجد أغلب أصحاب الدخل المحدود وغيرهم من الزبائن يشترون الملابس من البالة التي تمتاز بجودتها ورخص أسعارهاquot;.

ارتداء ملابس شخص آخر قد يصيب الإنسان بالانفصام

ويقول المواطن ابراهيم فاضل، 30 سنة، في حديث لـquot;نيوزماتيكquot; إن quot;هناك نفورا لدى العديد من الناس، من ارتداء ملابس ارتادها قبلهم أناس آخرون، فالإنسان بطبيعته يحب أن يرتدي الملبس الجديد الذي لم يسبق له أن لامس جسم شخص آخرquot;.

ويضيف عادل مستذكرا إحدى قراءاته quot; إن أكثر ما أدهشني في موضوع الملابس المستعملة هو إنني قرأت يوما رأيا لأحد المختصين النفسيين يقول فيه أن لها تأثيرا نفسيا خطيرا، لان ارتداء ملابس شخص آخر قد تجعل الإنسان يشعر بنوع من الانفصام النفسي في الشخصية، فهي ملابسه التي يرتديها ولكنها في الوقت نفسه ملابس غيره التي سبق لشخص آخر ارتداءها، ومن هنا ينشأ هذا الانفصام الذي أظن انه رأي صحيح إلى حد كبيرquot;.

مخاطر صحية وتشديد الرقابة

ويرى الدكتور محمد فريد في حديث لـquot;نيوزماتيكquot;، أن quot;الملابس المستوردة بالرغم من أنها معقمة من الأسواق التي تستورد منها، لكن بعضها ناقل للأمراض الجلدية وغيرها من الأمراض التي تنتقل عبر الملابس وتنظيفها لا يجعلها بعيدة عن المخاطر الصحيةquot;.

ويطالب فريد بـquot;إخضاع هذه الملابس إلى التقييس والسيطرة النوعية لمعرفة خلوها من الأمراض ومن ثم وضع ضوابط على المستوردين والتشديد على المنافذ الحدوديةquot;.

يذكر أن العراق وخاصة بعد تعرض البلاد إلى الحصار الاقتصادي بعد اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت سنة 1991 وافق على السماح باستيراد البالات، وكان المواطنون يجدون ضالتهم في تلك الملابس التي ظلت ملازمة لهم في مرحلة التسعينيات بسبب رخص ثمنها.

ويتابع البائع أن quot;أسعار الملابس في البالات تختلف باختلاف نوعياتها ومواسمها، إذ تتراوح أسعار الملابس الصيفية من دولار واحد إلى خمسة دولارات وتصل أسعار بعض الملابس الفاخرة التي تشهد إقبالا من زبائن معينين إلى 20 دولاراً، أما أسعار المعاطف الشتوية والقمصان الجلدية فتتراوح أسعارها بين خمسة دولارات وصولا إلى 40 دولاراًquot;، ويضيف أن quot;هناك معاطف وملابس شتوية وصيفية غير مستعملة، لكنها تندرج ضمن المستعملquot;.

ويشير البائع إلى أنه quot;أثناء فتح و فرز البالة يتم تحديدها في مستويات حسب نوعيتها وجودتها ودرجة استهلاكها (قطنية، جلدية، ألعاب، صوف، بياضات، ملابس داخلية، وغيرها)، وتتم عملية الفرز في بيوت خاصة بعيدة عن محل العرض والبيع، وكثيراً ما توجد قطع ثمينة وعالية الجودة ونادرة لا مثيل لها في المجموعة وهنا يتم تخصيصها لزبائن معينةquot;.

ويرى البائع ان quot;البالة ملابس كانت أم أحذية أو ألعاباً لا يهم، المهم أن أسعارها مناسبة لصغار الكسبة ومحدودي الدخل، ويذهب الجيد والمميز منها لزبائنها المميزين من ذوي الدخل الميسور الذين يحبون التميز والتفرد في نوعية لباسهمquot;، ويختتم حديثه بالقول إن quot;البالة تنافس بقوة أسواق الملابس الجديدة الجاهزة، خصوصا فيما يتعلق بالملابس الجلدية والقطنية وكذلك الألعابquot;.