قصة الجالية الصينية في هولندا تدعو للتأمل. فهي قصة نجاح نابعة من كبد المعاناة. اذ كان وصول طلائع الصينيين إلى هولندا منذ عام 1900 وما بعده حيث معظم القادمين من البحارة أو العاملين على السفن من مساعدين ومنظفين وندل. لكن وجودهم لم يكن ظاهراً في الشوارع كما هو اليوم. فقد انحصر عملهم وقتئذ على ظهور السفن الهولندية التابعة لشركات الشحن الكبرى مثل KNSM ، وOceaan وغيرهما. كما كان البعض منهم يعمل على الأرصفة.
ويروي بعض كبار السن عن هؤلاء الغرباء الذين كانوا يقيمون في مجمعات خاصة بهم في روتردام وامستردام. ووفقاً للاحصائيات الهولندية فان الجالية الصينية في روتدرام كانت أكبر بكثير مما هي عليه في أمستردام بسبب وجود أكبر موانئ أوروبا في روتدرام. وكان ما يميز الجالية الصينية هو الانكماش حول نفسها في أمستردام خاصة.


إعداد عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: كانت شركات الشحن في هولندا تفضل البحارة الصينيين بسبب تدني أجورهم. ويفضل البحارة الصينيون العمل معاً في سفينة واحدة أي يشكلون كل طاقمها. وكان يشار لكل شخص منهم كرقم مثلا رئيس المجموعة هو رقم واحد، بسبب عدم إتقانهم اللغة الهولندية وتمكنهم من لفظ القليل من الكلمات الانكليزية.

ورغم تدني الاجور فقد كانت نسبة 90 في المائة من هذه الأجور تذهب إلى ربان السفينة ولوسيط السكن والمأكل.
وتسبب تطور صناعة السفن بانتقالها من البخار الى وقود الديزل بتعطل أعمال هؤلاء البحارة الفقراء، الذين تمكن منهم الجوع والمرض وغياب السند القانوني في ذلك الوقت. وقد اتخذت الحكومة الهولندية خطوات متواصلة لترحيلهم قسرا إلى الصين. حيث يعتقد أن عام 1930 شهد اعادة قسرية للالاف من الصينيين ومن بينهم المرضى وكبار السن.


لكن بعد عام 1931 حين توقفت هولندا عن إعادة العمال غير المقيمين لبلدانهم ظهرت الوجوه الصينية في شوارع هولندا تبيع الفول السواني والبسكويت وبعض السكاكر.

المطاعم

الراقصة والمطربة الأميركية جوزفين بيكر عام 1932 أمام مطعم صيني بأمستردام

يعود اول مطعم صيني في هولندا لعام 1928 وقد جذب عددا من الزبائن الهولنديين الفضوليين. وشكل وجود المطعم الصيني انذاك ظاهرة في هولندا حتى أن المغنية الاميركية والراقصة جوزفين بيكر زارت المطعم في أوقات مختلفة وصورت نفسها في بوابته في عام 1932.


ثم غزت بعد الحرب العالمية الثانية المدن الهولندية ووفق إحصائية وزارة الشؤون الاقتصادية الهولندية لعام 1980 فإن كل مدينة تبلغ نفوسها نحو 10 الاف شخص أو اكثر في هولندا كان هناك مطعم صيني.


وفي مدينة أمستردام وحدها بلغ عدد الصينيين عام 1975 خمسة الاف شخص وفق قائد شرطة امستردام. اذ شهدت حالة الرخاء الاقتصادي في هولندا قدوم آلاف الصينيين بصورة شرعية وغير شرعية من اجل العمل وحده. ولم يتحولوا إلى جيوش من الكسالى المعتمدين في قوت يومهم على المساعدات الاجتماعات الخاصة بالعاطلين.


وساهم تمسك الصينيين بتقاليدهم الوطنية في انبهار الهولنديين وزوار هولندا بهم حيث تحافظ ديكورات المطاعم وأنواع الاكلات على النكهة الفلكلورية الصينية ذاتها.


وخلال نهاية القرن الماضي تمكن الصينيون من التغلغل في المجتمع الهولندي تجارياً والاستحواذ تجاريا على كثير من الاعمال خاصة في مجال المأكولات والتجارة وحتى كوسطاء في الصناعات الكبيرة والمتوسطة لرخص ثمن الايدي العاملة خارج هولندا. وبدأ وجودٌ صيني واضح لاحقا حتى في مجال الدعارة والمخدرات. لكن الوجود الابرز كان في مجال المطاعم الكبرى والمتوسطة والصغرى بل حتى داخل الفنادق الكبرى كان هناك وجود صينين يتفنون بأفعالهم في سرد قصة الكفاح والنجاح الآسيوي في غرب أوروبا.