ذي قار:لم يستفق بعد اهالي ناحية البطحاء التابعة لمحافظة ذي قار من هول الصدمة بعد مرور اربعة ايام على ldquo;الانفجار الكبيرrdquo; الذي وقع في مدينتهم الاربعاء (10 حزيران ) ، فلم يدر في بال احد منهم ان العنف سيمد اذرعه ليحمل الموت للعشرات والالم للمئات من سكان هذه البلدة الجنوبية الصغيرة المستلقية على طريق الصحراء السعودية.

الانفجار الذي وقع نتيجة سيارة مفخخة اودى بحياة 26 مدنياً واصاب اكثر من ستين اخرين بجروح مختلفة كشف في ساعاته الاولى هول المأساة التي حملها لمئات من سكان البلدة التي تبعد 60 كلم عن الناصرية مركزمحافظة ذي قار والتي شهدت استقرارا امنيا جيدا خلال الاعوام الماضية.

في صباح يوم الانفجار أصرت (فرات) الصغيرة ذات العامين والنصف ان ترافق امها في جولتها الصباحية لشراء حاجيات المنزل، فالسوق معناه الحلوى بالنسبة لها.

وكعادتها توجهت أم فرات الى السوق الذي يعرض بضاعته بأسعار أرخص في البلدة التي يعرف الناس فيها بعضهم البعض ويميزون وجوه الغرباء، ويتناقلون اصغر تفاصيل قصص حياتهم.

أم فرات صادف وجودها في السوق لحظة الانفجار الذي حول المكان الى ركام، فيما تناثرت القطع المعدنية والاسمنتية وجثث الضحايا على مسافة عشرات الأمتار وسط صدمة مرتادي السوق الذين خطف هول الانفجار اصوات معظمهم، فيما ارتفع صوت فرات التي وقفت بعد عصف الانفجار وهي تبكي أمها التي اختفت.

الانفجار الذي اودى بحياة سيدتين وطفلين دون الخامسة بالاضافة الى 22 رجلاً بحسب احصاءات للأجهزة المعنية في محافظة ذي قار، التي اشارت الى ان ldquo;انفجار سيارة مفخخة نوع كابرس موديل 1982 سوداء اوقفها شخصان غريبان يرتديان الملابس العربية في السوق قبل انفجارها بدقائقrdquo; ورفضا طلب شرطي المرور (اياد) الذي كان احد ضحايا الانفجار تغيير موقعها بحجة انهما سيعودان بسرعة غير انهما دخلا زقاقا قريبا وأختفيا، حسب شهود عيان.

حيدر سنيد عضو المجلس البلدي في البطحاء قال لوكالة (اصوات العراق) ان ldquo;الانفجار كان مهولاً وعكس حالة الانفلات الامني الذي تعيشه البلدة منذ 6 اشهرrdquo;، مضيفا ldquo;البلدة لم تعد آمنة ومع حلول الظلام يمكن ان يتعرض المسافرون المتوجهون الى ضواحيها الشمالية لعمليات سرقةrdquo;.

وتابع ldquo;هذه البلدة التي كانت واحدة من المناطق الأكثر التزاما دينيا واجتماعيا شهدت قبل ايام حالة اغتصاب لطفلةrdquo;، لافتا الى وجود مؤشرات للفوضى الامنية تتمثل ldquo;بتداول المخدرات في الناحية وتحولها الى نقطة انطلاق للمتاجرة بالممنوعات مع المملكة العربية السعوديةrdquo;. لكن قائد شرطة ذي قار اللواء صباح الفتلاوي اعرب عن قناعته بأن ناحية البطحاء ldquo;لا تحتمل تواجدا امنيا كثيفاrdquo; لصغرها وضعف الكثافة السكانية فيها، قائلا ldquo;لدينا 120 شرطي في الناحية ونقطتا سيطرة، وكنت قبل يومين في زيارة ميدانية لبعض المواقع في البلدةrdquo;.

وأشار الفتلاوي الى اتخاذ اجراءات انضباطية بعد الهجوم ldquo;نحن في حالة حرب لاثبات وجودنا، وقمنا باحالة 5 ضباط برتب مختلفة و20 شرطيا الى التحقيق اثر وقوع الانفجارrdquo;،مشدداً ldquo;لن نتهاون مع اي مقصرrdquo;.

وأوضح الفتلاوي ldquo;حققنا نجاحات في خيوط القضية، وألقينا القبض على شخصين يعتقد أن احدهما من منفذي عملية التفجير، وهو شقيق لشخصية بارزة في تنظيم القاعدةrdquo;.
الاستاذ شاهر مدير المدرسة المجاورة لموقع الانفجار كشف عن حالة فوضى شهدتها البلدة عقب الانفجار، وقال لوكالة (اصوات العراق) ldquo;بعد الحادث تجمع اهالي البلدة في منطقة الانفجار، حتى النساء خرجن للبحث عن ابنائهن او معارفهن وتقصي الاخبار، ففي البطحاء ليس هنالك غريبrdquo;.

شهود عيان وصفوا الانفجار ldquo;بالكارثيrdquo;، وتحدثوا عن حالات صدمة وردود فعل غاضبة واخرى لا إرادية.
بعد الهجوم بدقائق وصلت قوات من الشرطة لمساعدة الجرحى واخلاء المكان وتفريق المحتشدين الذين رفضوا اخلاء موقع الانفجار واصروا على البحث عن ضحايا محتملين من اقربائهم، رغم تحذيرات الشرطة باحتمال وجود سيارات مفخخة اخرى ومحاولاتها ابعاد المواطنين عن موقع الانفجار عبر اطلاق النار في الهواء لمنع وقوع كارثة ثانية.
ما بين الشرطة التي حاولت اخلاء المكان واهالي البلدة المتجمهرين حول موقع الانفجار توزعت اشلاء معظم الضحايا، فيما كانت (فرات) التي غطت الدماء ملابسها تبكي وسط الركام عندما انتبه البعض اليها وحاولوا نجدتها، فيما كان عشرات الجرحى ينتظرون نقلهم الى مستشفى الناصرية في رحلة تستغرق قرابة الساعة.

ناصر الذي يسكن في زقاق قريب من موقع الانفجار ادخل فرات الى بيته بعد أن تأكد من سلامتها وحاول تهدأتها وغسل الدماء التي علقت بجسمها، وهو يسألها عن أمها فردت بحركة من يديها مشيرة الى الانفجار.

ابو فرات الذي اخبره بعض الجيران ان زوجته كانت في السوق برفقة ابنته، لم يتحمل الصدمة بعد ان وجد جثة زوجته في موقع الانفجار مع اشلاء اربعة اشخاص بينهم طفلان فأخذ بالصراخ واللطم وشق دشداشته، قبل ان يخبره بائع السمك في الرصيف المقابل لموقع الانفجار ان ابنته بخير وقد اخذها قريبهم ناصر الى منزله، فركض الى المنزل المقصود عبر موقع الانفجار غير مهتم بتحذيرات الشرطة التي طالبته بالتراجع.

ناصر الذي شارك في انقاذ الجرحى وحمل فرات الى منزله نسي أن يسأل زوجته عن ابنه احمد، ولحظة تذكر ذلك عرف المحيطون حجم مأساته .
احمد ذو السبع السنوات لم يُعثر له على أثر بين الجرحى وجثث الضحايا في المستشفى، ولا فوق اسطح المنازل المجاورة للانفجار حيث انتشرت اشلاء طفل كان يرافقه في معظم الاحيان.
بعد يوم واحد من الحادثة وجد بائع خضروات فوق سقف دكانه قدم يسرى بدت لطفل، دون ان يتم تحديد هويتها، هل هي احد اشلاء الطفلين ام قطعة من جسد احمد المفقود.