تفاصيلها تقتحم الحياة اليومية

لبنانيون أحلامهم تجمع الواقع مع الخيال

حنان سحمراني من بيروت: أحست سلمى بحركة غريبة وجلبة قوية داخل الغرفة المجاورة لغرفة نومها حيث كانت تهم بوضع طفلها الرضيع في مهده، دب فيها الخوف فمشت على رؤوس أصابعها تريد إستطلاع الأمر وما إن همت بالدخول إلى غرفة الإستقبال حتى وجدت زوجها وشقيقه الأكبر يتعاركان ويصرخ كل منهما في وجه الآخر ليتحول بعدها الصراخ إلى قتال بينهما بالأيدي، فهرعت سلمى لتحول بينهما فتتلقى منهما ضربة تطيح بها أرضاً، بعدها شهر الأخ مسدسه مطلقاً النار نحو رأس زوجها ليسقط الآخير على الأرض قتيلاً متخبطاً ببركة من الدماء، زحفت سلمى مرعوبة ناحية زوجها وهي في بكاء شديد لم يتوقف إلا بإستيقاظها مذعورة وآثار الدموع على عينيها، لتتلمس زوجها وتجده بجانبها غارقاً في سبات عميق فتحمد الله أنه ليس سوى مجرد.... حلم....

منذ القدم والإنسان يتأثر بالأحلام ويربطها بالواقع الإجتماعي حتى أنه في بعض الأحيان يسّير حياته وفقا لها، ويؤمن بنبوءاتها وتفسيرها وخاصة أحلام الرؤيا عند مطلع الفجر أو أثناء النهار عند القيلولة فإنها بنظر أكثر الناس تتحقق، حتى أن بعضاً منهم يخشون من أحلامهم ويتوقعون حدوثها ويعيشون هاجس الخوف من تحقيقها، فيستعملون وسائل عدة لدفع المكروه عنهم عبر دفع الصدقة وتوزيع الملح والخبز أو تقديم الفدية، ويصل بهم الأمر لتطبيق ما يرونه في حلمهم مهما كان صعباً وغريباً حتى لا ينقلب عليهم ويتحول إلى حقيقة.

في سياق ذلك إستطلعت إيلاف آراء عدد من الناس الذين يؤمنون بالأحلام ويعيشون قصصها ونتائجها، وكذلك رأي الدين وعلم النفس حيث أبدى كل منهما وجهة نظره بالأحلام وتفسيرها، وإمكانية تحققها على أرض الواقع، وسبب تأثر الناس بها.

رفع البلاء بتنفيذ الحلم

يخبرني كمال (موظف خمس وأربعون سنة) أنه يؤمن بشدة بالأحلام وإمكانية تحقيقها وكثيراً ما يحلم أحلاما يتحقق معظمها، مرة حلم أنهم خلال إستقبال والدته أمام منزل العائلة أثناء عودتها من فريضة الحج، وكانوا يستعدون لذبح الخروف حتى تمر من فوقه، فبدل أن يذبح اللحام الخروف ذبح إبنته الوحيدة ولم ينزل منها دماء، فإستيقظ مذعوراً ولم يهدأ له بال حتى فسر حلمه لينصحه المفسر أن يذبح خروفا quot;كفدية رفع بلاءquot; ويوزعه للفقراء، لئلا ينقلب عليه الحلم ويتحول إلى حقيقة.

أحلام مرعبة

أما جنان (مربية حضانية خمسة وعشرين سنة) فهي دائماً ما تحلم نفس المنام ويتكرر كل مرة ليلاحقها ككابوس ويقلق مضجعها لتستيقظ كل مرة مرعوبة وتبقى طوال النهار متأثرة به، فهي ترى نفسها تتسلق الجبل الموجود في قريتها وحين تصل إلى القمة تتفاجأ بخطيبها السابق هناك ويدفعها لتسقط نحو الهاوية فتتدحرج حتى تصل إلى الأرض مهشمة. وتعتقد جنان أن الأحلام هي من تأثير الواقع الذي يعيش فيه الإنسان وما يفكر به أثناء النهار من أحداث مؤلمة أو مفرحة يطبقه الشخص في أحلامه وكثيراً ما تتحول الأحلام المؤلمة إلى كوابيس.

غدير (سكرتيرة واحد وعشرين سنة) تقول إنها حلمت مرة أنها تسبح في البحر المجاور لمنزلهم الصيفي هي وأخوتها وفجأة بعد سباحتهم إلى مسافة بعيدة شدها شخص ما من رجلها نحو قعر البحر لتتخبط وهي تغرق ولا أحد يساعدها من إخوتها فإستيقظت مقطوعة الأنفاس من تأثير حلمها. وذلك الحلم بالذات تراه دائماً حين تنام حزينة أو منزعجة من شيء ما.

أحلام الطفولة

هدى (طالبة مرحلة متوسطة أربعة عشر سنة) أحلامها كثيراً ما تكون جميلة ومفرحة وقليلاً ما تحلم أحلاما محزنة ودائماً ما تدور أحلامها عن طفولتها والعابها ومنزلهم القديم وأصدقائها هناك. فالأحلام بالنسبة لهدى هي المنفس الوحيد للإنسان وبها يستعيد بذاكرته كل ما ذهب منه ولم يستطع أن يحققه في واقعه فيحاول تطبيقه في أحلامه.

أحلام الموت

داليا (ربة بيت سبعة وعشرين سنة) تؤمن بالأحلام وتفسيرها بشدة لأنها بعد التجربة وجدت أن أكثر أحلامها تتحقق وخاصة أحلام الموت، ففي كل مرة تحلم بعرس أو مناسبة فرح تفسر على أنها ستنقلب إلى مأتم وبالفعل يتحقق ذلك معها فتسمع بخبر وفاة. مرة حلمت أن إبنة عمتها المسافرة في كندا تلبس بذلة عرس وتزف إلى عريسها في حفلة كبيرة مع أنها متزوجة ولها أولاد، لتستيقظ وتستعيذ بالله من هذا المنام وتدعو الله ألا يصيبها أي مكروه. لكن بعد يومين يأتيهم خبر أن إبنة عمتها توفيت في حادث سير هناك وستنقل إلى لبنان لدفنها، ليتحول تفسير حلمها إلى حقيقة..

أما (زينب أربعة وثلاثين سنة) فإنها كثيراً ما تحلم بأخيها المتوفي في حرب تموز ويزورها في الحلم كل مرة بثياب بيضاء ووجه مشع نوراً، لتهرع سريعاً عند إستيقاظها إلى المقبرة لتقرأ القرآن وتضع البخور والورود على ضريحه. تقول إنها مرة رأته في حلمها عند بيت عمها العجوز يناديه ليأتي معه وزوجة عمها تشده من يده وأخوها المتوفي يشده من اليد الأخرى حتى ذهب معه، وبعد عدة أيام تعرض عمها لمرض شديد ألزمه الفراش وبعدها توفي متأثراً من مرضه.

وتعتقد زينب أن الميت حين يأتي في الحلم ليأخذ شخص معه يتحقق الحلم بموت ذلك الشخص.

نظرة دينية

الشيخ أحمد الكردي

إيلاف إلتقت الشيخ أحمد الكردي قاضي محكمة بعبدا الشرعية السنية في لبنان الذي عرف لنا الفرق بين الحلم والرؤيا: أن هناك فرقا كبيرا بين الحلم والرؤيا quot;فالحلم من الشيطان والرؤيا من الرحمنquot;، حيث أن الحلم يكون بتلاعب الشيطان بالصورة المنامية فتصبح الرؤيا مختلطة كثيرة التحول ويرى فيها أشياء متناقضة تناقضاً كثيراً، وقد أخبرنا النبي (ص) بقوله إذا رأى أحدكم رؤيا وأحبها فليقصها على من يحب،وإذا رأى رؤيا لم يحبها فليتفل عن يساره ثلاثاً وليقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يقصها على أحد.

وكذلك أخبرنا النبي(ص) عن الرؤيا فقال:quot; أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوةquot; ومن هنا كانت رؤيا الأنبياء نوع من أنواع الوحي الذي يؤمرون به من ألله تعالى،
ويضيف الشيخ الكردي أنه بالنسبة لعموم الخلق فقال النبي(ص):quot; أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاquot;، وأصدق الرؤى ما يكون قبل صلاة الفجر وعند خلو المعدة من الطعام
.
أما بالنسبة إلى تفسير الأحلام فيوضح الشيخ الكردي أنه ليس علماً يؤخذ من الكتب، وما نراه موجود في الكتب هوعبارة عن إشارات وإستدلالات تأتي من علم وهمي وليس كسبي وأندر من النادر أن تتوافق رؤيا مع رؤيا، وإن تعبير الرؤيا يختلف بإختلاف حال الرائي من صلاح وفساد ومن رجل إلى إمرأة ومن صغير إلى كبير، وقد يرى شخصان رؤيا واحدة وتعبيرها يختلف بإختلافهما.

ويرى الشيخ الكردي أن تعبير الرؤيا لا يؤخذ عن كتب وإن كانت هذه الكتب صحيحة إنما يستأنث بها من التعبير والتأويل لأنه لا يوجد تأويل واحد لرؤيا واحدة ولكن ليس هناك شيء قطعي،ومن ناحية شرعية لا يجوز الحكم على أحد بخير أو بشر من خلال رؤيا منامية لأن الرؤيا الصادقة تكون من صادق وتتأول وتظهر كفلق الصبح.

quot;وهيهات أن نرى في مجتمعنا الحالي صادقيين حتى تصدق رؤيتهمquot; يختم الشيخ الكردي.

نظرة علم النفس

وعلى المقلب الآخر التقت إيلاف الدكتورة في علم النفس الإجتماعي دولة خضر خنافر التي عرفت لنا الأحلام على أنها عبارة عن صورة أو نشاط عقلي تظهر بشكل أحداث، فتكون أحياناً مترابطة وأحياناً مشوشة يعيشها الفرد اثناء نومه وكأنها أحداثا حقيقية تحصل في حياته اليومية.

وتضيف خضر أن الأحلام ظاهرة موجودة عند كل البشر وبين كافة الاعمار فالصغير يحلم كما الكبير وكل بحسب تفكيره، فهناك أحلام مزعجة تسبب الهواجس للبشر كأحلام الكوابيس المرعبة التي تدفع إلى القلق والرعب.

وبحسب كلامها فإن هناك أحلام المرضى النفسيين الذين يصور لهم في أحلامهم أنهم ملاحقون من أشخاص يريدون قتلهم، ودائماً ما تكون أحلامهم مزعجة تملأها الحوادث المرعبة بسبب حالتهم النفسية الغير مستقرة.

وتضيف خضر أن فرويد هو من أكثر علماء النفس الذي اهتموا بالأحلام وتفسيرها وقد إتخذ من الأحلام منهجاً (ميثود) لعلاج المرضى النفسيين عن طريق تحليل أحلامهم. ويُعرّف فرويد الأحلام على أنها تعبير رمزي عن الدوافع الشخصية المكبوتة عند الإنسان المتصلة بواقعه والتي لا يعترف بها فيراها في أحلامه بشكل رمزي، وبالنسبة له كانت هذه الطريقة المتبعة لمعالجة الحالات النفسية للمرضى وليس الأصحاء من الناس.

أما بالنسبة للناس العاديين فإن أحلامهم تنعكس عليهم بحسب حالتهم النفسية، فإن كانت حالتهم مستقرة ومرتاحة سيرون أحلاما مفرحة، أما إن كانت حالتهم النفسية غير مستقرة ومرهقة فإنهم يرون أحلاما مزعجة.