عبد الخالق همدرد من إسلام آباد:تعتبر العملية العسكرية الاشهر في تاريخ باكستان ضد مبنيين المسجد الأحمر وجامعة حفصة في قلب العاصمة في شهر يوليو عام 2007م، ولم يدعا أحدا ليفكر بأن المسجد الأحمر يوما سيعود إلى وضعه قبل العملية العسكرية؛ إلا أن الأمور سرت في اتجاه لعل الحكومة الماضية لم تكن تريده.

ورغم أن حكومة مشرف قامت بتصبيغ المسجد الأحمر بلون أبيض عقب العملية من أجل quot; طردquot; الأحمر من أذهان الناس؛ إلا أن ذلك اللون لم يدم طويلا، أولا أن الناس أعادوا التصبيغ بالأحمر في أول جمعة فتح المسجد فيه عام 2007 ndash; وقد أعادت الحكومة اللون الأبيض بعد ذلك- وثانيا أن عملية الترميم والتصليح التي تقوم بها الشركة العملاقة للعقارات في باكستان quot; بحرية تاونquot; هذه الأيام تهدف إلى تزيين المسجد من الداخل والخارج وقد تم وضع البلاط الأحمر على الجدران الخارجية. وذلك يعني أن quot; الأحمرquot; سيبقى في الأذهان والجدران إلى وقت طويل.

بعد تردد طويل قامت الحكومة بإطلاق سراح خطيب المسجد الأحمر ومدير جامعة حفصة ndash; التي تمت تسويتها بالأرض والآن لا يوجد من آثارها شيء- والجامعة الإسلامية الفريدية الشيخ عبد العزيز قبل شهرين، في حين كانت زوجه أم حسان هي التي تراقب نشاطات فروع جامعة حفصة وهي التي أعادت الدماء إلى العروق بعد أن جفت فيها.

وقد أقامت الجامعة الفريدية مثل المدارس الإسلامية الأخرى في باكستان حفل الدرس الأخير من صحيح البخاري يوم الأحد الماضي. وهذا الحفل يكون إعلان نهاية العام الدراسي في المدارس الإسلامية الذي يبدأ من شوال وينتهي في أوائل شعبان مع الاختبارات السنوية التي تتبعها إجازة لشهرين.

وقد وصل هذا المراسل إلى الجامعة التي تقع في سفوح جبال ماركلة قرب مسجد الفيصل وبين غابة خضراء جميلة ليشهد هذا الحفل الذي تزامن مع الذكرى الثانية للعملية العسكرية ضد المسجد الأحمر.

كان الجو متغيما إلا أن نوعا من الكآبة والحزن يسود الأجواء. وكان الضيوف يدخلون مسجد الجامعة من باب خلفي واحد بعد مرورهم من إجراءات أمنية مشددة يقوم بها طلاب الجامعة. وكانوا يسجلون التفاصيل عن كل ضيف ويضعون هويته عندهم ليعيدوها إليه حين العودة من الحفل. طبعا هذا الأمر أقلق الكثيرين؛ إلا أن أحد الطلاب أوضح بأن المشاكل الأمنية تضطرنا إلى هذا الإجراء.

وقد كشف أحد المدرسين في أحد فروع جامعة حفصة أن الطلاب الحراس قد أوقفوا أمس شخصا كان يدور حول الجامعة. وعندما سألوه عن حضوره إليها لم يحر له جواب أول الأمر؛ إلا أنه كشف فيما بعد أنه تم توجيهه من مدينة بهاول بور ndash; جنوبي البنجاب- إلى راولبندي وقد قيل له إن البعض سيأخذه إلى الجامعة الفريدية. وعندما نزل من القطار في راولبندي جاءت به سيارة عسكرية إلى هنا. وإذا صحت هذه الحكاية يقول المدرس إن القصد وراءه كان أن يتم اعتقال ذلك الرجل بتهمة الإرهاب من هنا لتشويه صورة الجامعة الفريدية وزيادة الضغط على القائمين عليها.

يقول الشهود كان المسجد مكتظا بالضيوف والطلاب ودعي الشيخ عبد العزيز ليلقي الدرس الأخير من صحيح البخاري بعد كلمات ألقاها بعض المشايخ الضيوف.

وقد جلس الطلاب المتخرجون أمام المنبر في صفوف منتظمة مع كتبهم. بدأ الشيخ الدرس الأخير؛ لكن سبق الدموعُ الدرس عندما تذكر عملية المسجد الأحمر واستشهاد شقيقه ووفاة أمه ونجله الوحيد حسان الذي كان من المفروض أن يكون في عداد المتخرجين هذه المرة. فغص صوته وتغرغرت الدموع في عيون الحضور في عواطف جياشة؛ إلا أن الشيخ تمالك نفسه وواصل الدرس.

ورغم تلك الأجواء الحزينة التي سادت الحفل كان الشيخ يبدو متفائلا جدا. كما وأنه لم يغير من موقفه عن المطالبة بتطبيق الشريعة وتحكيم الإسلام في جميع مجالات الحياة؛ إلا أن لهجته لم تكن تلك القوية. وقد قال ليس لدينا أمل في نيل العدل والإنصاف من المحاكم الدنيوية فقد رفعنا قضيتنا إلى عدل الله تعالى يوم القيامة.

وبعد نهاية الدرس بدأ حفل تعميم الطلاب المتخرجين ndash; أي وضع العمائم على رؤسهم-. وقد تخرج هذا العام 75 طالبا، بينما دعت الجامعة الطلاب القدامى لعام 2007 والذين لم يستطيعوا إنجاز دراسة السنة الأخيرة في الجامعة الفريدية وكان عددهم 52 طالبا. وقد أكد أحد المدرسين بالجامعة الفريدية أن مجموع طلاب الصف الأخير في تلك السنة كان 72 طالبا.

وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة الفريدية كانت تؤوي نحو 2000 طالب عام 2007 ولم يمكن مواصلة الدراسة فيها العام الماضي؛ لكن الأوضاع بدأت تعود إلى الطبيعة هذا العام. وقد تم تسجيل أكثر من 1800 طالب بداية العام الدراسي؛ إلا أن العدد الحالي يتراوح بين 1300- 1400 طالب والجامعة هي التي تتكفل بجميع حوائج الطلاب من المأوى والمأكل والمشرب والتعليم.

أما مصدر تمويلها فإنها تبرعات من المدارس الإسلامية الأخرى في جميع أرجاء باكستان. وقد أكد أحد الحضور للحفل أن الحكومة رغم جميع تآمراتها على الجامعة، لم تتمكن من تجفيف منابع تمويل الجامعة الفريدية وجامعة حفصة، بينما ذكر الشيخ عبد العزيز أن طالبات جامعة حفصة تسهمن في تمويل الجامعة عن طريق التبرعات من ذويهن، في حين دعا طلاب الفريدية إلى الاقتداء بهن في هذا المجال.

وقد أوصى الشيخ عبد العزيز الطلاب المتخرجين في نهاية الحفل بلعب دور فعال في خدمة المجتمع مع التركيز على أن يقوموا بفتح المدارس لتعليم أبناء المسلمين وأن يقوموا بتقديم خدمات طبية باستضافة عيادات أسبوعية وإنشاء دور الإفتاء والمصالحة بين أهالي المنطقة، مؤكدا عليهم أن يكونوا أسوة للمسلم المثالي في سلوكهم وأن يحسنوا إلى من أساء إليهم. كما وأنه دعاهم إلى المساهمة في تحمل الأعباء المالية للجامعة التي قامت بتحليتهم بالعلوم الإسلامية. (يتبع)