كامل الشيرازي من الجزائر:يشهد الجنوب الجزائري في هذا الوقت الصيفي، جوا غير مسبوق من الحرارة اللافحة التي لم يعتد عليها السكان المحليون، حيث وصلت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية بلغت 50 درجة مئوية تحت الظل، ما ألهب الحياة الجزائرية الجنوبية، وفرض quot;حالة طوارئquot; في أوساط الجزائريين لاسيما بالنسبة إلى المصابين بأمراض مزمنة والطاعنين في السن وكذا الرضع الذين تعجّ بهم مصالح الاستعجالات الطبية والعيادات المتعددة الخدمات يوميا.

المتجوّل في المحافظات الجنوبية في الجزائر، على غرار:بشار، النعامة، البيض، غرداية، ايليزي، الوادي وورقلة، يلاحظ أنّ موجة الحرارة الشديدة تجتاح الحياة اليومية لسكان هذه المناطق الجنوبية، ولم ينفع معها الاستعمال المكثف للمكيفات الهوائية ووسائل التبريد الأخرى التي أصبحت وعلى الرغم من حداثتها، عاجزة عن المقاومة، وما زاد الطين بلّة الإنقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي بفعل ارتفاع وتيرة استهلاك الطاقة، ما زاد في معاناة السكان وقلقهم، خصوصا مع الأضرار التي لحقت بالتجهيزات المنزلية بينها جرّاء ضعف شدة التيار الكهربائي.

وتتنوع التعقيدات الصحية بسبب هذه الأجواء الحارة، من ضربات الشمس والطفح الجلدي، إلى حالات الإسهال لدى الأطفال والتسممات الغذائية التي يحصل أغلبها في الولائم الجماعية وكذا التسمم العقربي، ويشتكي العم سليمان والحاج صالح من كون آثار هذه الأجواء المناخية القاهرة تزداد وخامة، في ظل افتقاد القاطنين في المناطق النائية والمعزولة لوسائل الراحة والاستجمام كالمسابح والمنتزهات والمساحات الخضراء التي من شأنها التخفيف من الضغط الكائن وتسمح للأطفال والمراهقين كما الكبار من الترفيه وإنعاش النفوس.

ويندفع بعض quot;المحظوظينquot; وبشكل يقترب من حالات quot;الهستيرياquot; نحو الفضاءات الرطبة كالبحيرات والبرك والأحواض المائية، بل و حتى المستنقعات رغم ما تشكله هذه المسطحات المائية من أخطار على السلامة العامة لهؤلاء المهووسين بأسباب الراحة التي قد تخفف عن أجسامهم المنهكة مفعول الحرارة الشديدة.

وينعكس الارتفاع الكبير المسجل في درجات الحرارة بصفة مباشرة على سير النشاط العام وعلى السلوكات اليومية في معظم مناطق الجنوب، ويحرص أبناء الجنوب على قضاء حوائجهم في وقت مبكر وخلال الساعات الأولى من النهار تفاديا لأشعة الشمس الحارقة التي تختزل نشاط السكان في تحركاتهم في نقاط محددة، وبغرض تجنيب السكان والموظفين من التنقل إلى مختلف المصالح الإدارية في ظروف مناخية قاسية، أقرّت الإدارة المحلية توقيتا صيفيا، يحصر فترة الدوام بين الساعة السابعة صباحا إلى غاية الثالثة زوالا.

ولا يقتصر هذا التغير السلوكي على فئة اجتماعية معينة، بل يتعدى إلى أصحاب المحلات التجارية والدكانين الذين يضبطون ساعة نشاطهم مع حركة المواطنين، وما إن تتوسط الشمس كبد السماء حتى تكون معظم المحلات قد أوصدت أبوابها وتقل بالتالي الحركة في شوارع المدن ليبقى الوضع على حاله من منتصف النهار إلى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، لتستعيد الحركة ريتمها المعتاد، ويستأنف التجار وزبائنهم النشاط إلى وقت متأخر من الليل.

وخلافا للغالبية، يفضل قطاع من الناس تحدي الطبيعة، حيث يستمرون في النشاط دون كلل أو ملل طوال أوقات النهار طلبا للرزق، وصرح quot;تهاميquot; سائق سيارة أجرة أنّ المسألة تتعلق بالتزام مهني وجانب إنساني، مشيرا إلى عدم مشروعية حرمان مواطنيه من خدمة النقل لا سيما في أوقات الذروة، بينما أردف السعيد وهو عامل في ورشة بناء:quot;الحرارة الشديدة لا تمنع من مزاولة العمل، ثمّ إنّ هذا الإحترار أمر طبيعي في مثل هذا الفصل من السنةquot;، ويؤيد عامر المشتغل بحفر الآبار رأي تهامي والسعيد، معلّقا quot;الحرارة لا تخيفني بقدر ما أخشى حقا السلوكات (المنحرفة) لبعض الأشخاص التي هي ليست طبيعيةquot;.

في اتجاه آخر، تولّد الحرارة المرتفعة مظاهر اجتماعية إيجابية وسلوكات تضامنية راقية، حيث يتنافس كثير من السكان المحليين في تمكين عابري السبيل من نقاط خاصة لتقديم الماء البارد على مستوى الأزقة والشوارع الرئيسة بما يسمح للمرء بإرواء ظمئه والتغلب على العطش.

كما يلجأ قطاع آخر إلى بيع أنواع من العصير الذي يتم تحضيره بالاعتماد على مزج الفواكه والثمار الطازجة كالموز والبرتقال والمشمش والخوخ وغيرها من أنواع الفواكه الصيفية الأخرى، ويُباع الكوب الواحد بسعر رمزي لا يتعدى العشرة دنانير.

وتتنوع مظاهر التكيف مع مثل هذه الأجواء المناخية الصيفية، حيث يرتضي كثيرون قضاء السهرات الطويلة فوق أسطح المنازل أو التمدد على الكثبان الرملية الناعمة التي أضحت الملاذ الآمن لكل طالبي النسيم العليل والهواء المنعش، وسط الشاي الصحراوي الشهير محليا وكذا موسيقى التندي التقليدية والأغاني الفولكلورية التي تقدمها فرق محلية لتزيد من حميمية حلقات السمر الممتدة حتى الساعات الأولى من الصباح