الضحية الرابعة ، هذا ما يؤكد الرأي الذي فرضته أزمة الإقالة والاستقالة في بطولة الدوري العراقي ، كان قد تحدث المدرب كريم صدام عن هذه الأزمة وتداعياتها ( الزمان الرياضي ، العدد 2220 في 5 كانون الأول 2011 ) ، واليوم المدرب يونس جاسم القطان ( الذي قدم استقالته مؤخرا من تدريب فريق الميناء ) يؤكد ما جاء على لسان زميله كريم صدام ، المدربون يظهرون كأشخاص لا دور لهم ولا تأثير ، هامشيين معزولين ليست لهم القدرة على المشاركة في صناعة القرار ، حتى يخيل إنهم لا يتمتعون بأي نشاط ولا أية فعالية ، وقد نستثني من ذلك المدرب شاكر محمود ( مدرب نادي الكهرباء ) ، وربما لهذا الاستثناء مبررات تتعلق بشخصية شاكر محمود ذات الطبيعة الخاصة ، القادرة على امتصاص الخلاف وتحويله إلى مفردات تتعايش على الأمل والتحدي ، بالوقت الذي نثني به على إدارة نادي الكهرباء وتفهمها ومساندتها له.
أدي الطلبة ( متصدر بطولة الدوري ) شريك الاستقالتين ، كريم خسر 000 يونس فاز ، ما السر إذن ؟ ، بكل تأكيد هناك فوضى منظمة يسيطر عليها عدم الوعي التام ، الذي ينخر جسد كرة القدم العراقية ، هذه الأزمة تكبر وتستفحل كل يوم ، وتتعدى الخسارة وكذلك الفوز ، ولا تردم هذه الفجوة باستبدال مدرب بأخر ؛ وكالعادة كثرت الاختلافات في وجهات النظر حول الحدث ، فكان هناك من يشكك في قدرات المدرب ، وهناك من يثير الشكوك بسلطة الفريق وحكومته ، واستقالة المدرب القطان لم تكن مصادفة ولم تكن فريدة ، وإنما هي سلسلة ، متصلة ، بدأت ولم تنقطع بعد ، خصوصا في ظل تجليات القمع المختلفة التي تمارسها فئات تتمتع بنفوذ مخيف لم يعرف مصدره ؛ ولم ينتبه الكثيرون في هذا الوقت ، وعلـّهم يفعلون ، كنا ننتظر أن تستأنف بطولة الدوري بوعي جديد ونستشرف منها لمحة تطور في مستقبل الكرة التي نصفها بالجنس الرياضي صاحب الجاذبية الجماهيرية الكبرى ، والأقدر على التقاط تفاصيل الأنغام لإيقاع الجمهور الرياضي.
ندما يختلط الحلم بالكابوس
قال يونس جاسم القطان في معرض إجابته عن سؤال حول استلام مهام عمله وضروراتها التي يجب توافرها ؟
= عند استلام مهمة عملي كمدرب أول لفريق الميناء ، اشترطت على أن تكون الإدارة بكاملها متفقة ومتضامنة وداعمة لمسيرة الفريق ،( علما إني فضلت هذه المهمة ، بالوقت الذي كنت فيه متجها للاشتراك في دورة تدريبية عالمية في مدينة برشلونة ) ، فكان العمل ، من دون ملعب خاص ولم ينتظم الفريق في معسكر تدريبي خارجي ، وبدأت مع مجموعة رائعة من اللاعبين همهم التعاون الجاد والمثمر ، تطمح بمستقبل باهر ، لا سيما إن نسبة الشباب تمثل 70% من اللاعبين ، وتلقى الفريق دعما ومساندة رائعة من السيد هادي أحمد ، وكذلك الزميلين كريم جومبي و عمار عبد الحسين ، وهؤلاء من أكثر المخلصين للنادي وللفريق على وجه التحديد ، بيد أن الأمور قد تغيرت كثيرا بعد أن صدمنا بأشخاص يفكرون بطريقة مختلفة ، تعتمد التعصب والتسلط والتطرف ، وأبعاد متناقضة لا تستند لأي سطوة فكرية أو فنية ، ما أدى إلى تهشم أحلامنا ، وتلبدت الأجواء بالغيوم ، ورغم كل ذلك حاولت جاهدا أن الم الشمل ، لكن دون جدوى.
يتضح جليا من كلام المدرب يونس ، يبدو إنه لا مفر من القمع الذي تمارسه السلطة العمياء ، و نفهم إن الموقف كله ينطوي على دلالات كثيرة متعددة ، تستحق وقفة تحليلية خاصة ، يمكن أن تكون كاشفة عن نوايا الوعي في أكثر من مستوى من مستويات هؤلاء الذين يتحكمون بمقدرات كرة القدم ، وظهرت الحاجة التي تتجسد في توتر المسافة الفاصلة بين الواقع الملموس ، وبين الخيال الذي يمثله الطموح المشروط بالموضوعية والشرعية.
ولا نعلم هل يرجع السبب في ذلك إلى صعوبة الأسلوب الاحترافي العميق الذي يفرضه المدرب القطان ؟ على اعتبار أن الانسجام وليد الاستجابة القرائية للأفكار؟
لقد جئنا بأفكار خلاقة جديدة وحديثة ، ولقت قبولا وتفهما من جميع اللاعبين وبدأت الثمار تنضج وتنمو وأصبح الفريق أفضل حالا ، إلا إن البعض يرفض وبشدة تقبل الآخر ، ويرفض أي فكر علمي وتربوي ، هؤلاء يتكلمون بصفاتهم وليس بعلميتهم ، يتصورون إن مناصبهم الإدارية تملك حصانة تخولهم إلغاء دور المدرب ، ولهذا فقد كان الانسجام معدوما تماما ، لم تكن هناك قراءة كما يجب أن تكون ، لم تكن هناك دراسة أو تخطيط ، السائد هو الفكر الفوضوي والارتجالية ، كيف نفسر فوز مدرب على متصدر بطولة الدوري ، في حين نجده لا يحظى بما يستحقه معنويا ولا نقول ماديا ؟ وكيف نفسر ظاهرة الإدانة المستديمة للمدربين والتي تصل إلى حد الاتهام وتعتبر فيه الخسارة مؤامرة ، وتنال منهم السكاكين الصدئة ؟ في الوقت الذي نؤمن به ، الصعوبة بمكان استطاعة الحكم على قدرات أي مدرب وكفاءته في وقت لم تتبلور فيه بعد شخصية الفريق عموما قياسا بالوقت القصير للإعداد والبطولة في أول المشوار ، ونحن نتبنى خططا ومناهجا مستقبلية بحاجة إلى دعم ومسانده ، فإذا ما تأخرت عنها ما يجب أن يتوافر لها ، فتلك جزء هام من الأزمة ، ونحن نعيش عصر العلم والحقائق وهذه بحاجة إلى إثبات بعد تجربة معمقة ولا تأتي جزافا ، بيد إنها وئدت لتقاطعها مع أفكار تفتقد الفهم والوعي وكذلك تفتقد لأبسط مقومات المسؤولية الحقة.
قد تحدث المدرب يونس عن صعوبة تجانس الأفكار ، وانعدام التعاون ، والافتقار إلى متطلبات كثيرة ، وإذا كنا نفيد من هذه الإجابة ، وعلى اعتبار إن بطولة الدوري هي الملحمة المقدسة ، ومن خلال هذا الإيقاع المتسارع من التحولات في أنظمة الفرق نتيجة أزمة الإقالة والاستقالة ، يلفتنا إلى حركة يختلط فيها الكثير من الأزمات التي لابد من فرزنتها ، كونها تضعنا تحت جبل من الجليد بحاجة إلى إذابته والانطلاق من نقطة أتقاد تقضي على حالات التضاد المتمثلة بالشخصنة ، التي تضرب بكل اعتبارات القوانين والأنظمة عرضا ، ولا بد من أن نجد من يتمتع بالايجابية على الصعيدين الفكري والعلمي ، فالأزمة إدارية أكثر منها فنية.
هذا يعني نحن بحاجة ماسة بل من الضرورات إلى نقطة نظام مفقودة في بناء العمل المتكامل ؟
= كل ما وجدته هنا عبارة عن فوضى رهيبة ، وانعدام في التنظيم ، وهذه عوامل كفيلة بقتل الرغبة في العمل و تحقيق الأهداف المرسومة التي ننشدها ، كان علينا أولا إزالة هذه العوائق ، ثم المباشرة بعمل طويل وشاق وجهد متواصل ، والتأسيس لمبادئ كروية مبنية وفق مواصفات وأسس علمية ، تتطلب من الجميع الجدية والحرص والإخلاص والتكافل التام بين جميع الأطراف والمشاركة في المسؤولية الكبيرة لإنجاح هذه المهمة ، وفي اعتقادنا ليس من المستحيل أن نبدأ بعمل لبناء مستقبل يليق بناد كبير كنادي الميناء العريق ، وكان الأجدر بهم وهم أصحاب الدار أن يرحبوا على الأقل في سعيهم إلى تأكيد حضورهم ، ولا يبدون امتعاضهم ويقفون موقف الند ، لقد كانت غاياتهم مجهولة ومبهمة ومريبة في الوقت نفسه.
ونحن بدورنا نشارك المدرب يونس جاسم القطان هذا الهم الذي ولـّد في داخله الكثير من الأسى والشجن ، بعد هذه التجربة المريرة ، التي كتب لها أن تتوقف عند هذا الحد ، بتقديمه لاستقالة مبطنة اغلب الظن ، كونها جاءت تحت ضغوطات ملغومة ، وأخيرا ، إذا كانت هذه التحولات المركبة هي التي تؤكد إننا أمام أكثر من علامة تحيط بنا ، ونغدو أطرافا في شبكة أكثر تعقيدا ولا يمكن الفصل وربما استحالته ، فلابد من أن نناشد على الابتعاد عن الغوص في quot; الأنا quot; حيث تتفجر حمم quot; اللافا quot; ( lava ) المتدفقة من قرارة اللاوعي ، ونعمل بجدية على تكوين عالم مواز quot; كولاج quot; ( collage ) ، تتألف مكوناته من جميع الأطراف ، حيث يغدو الكل شريكا في النجاح وشريكا بالفشل ، ولابد أن نبعد سيف الجلاد عن رقبة المدربين ، وهذا الوضع الحاد كما يتطلب استجابة رسمية ، يتطلب كذلك استجابة ومساندة جماهيرية وشعبية متضامنة.
التعليقات