شهد شهر كانون الأول/ديسمبر من العام المنقضي اختيار أفضل لاعب في أفريقيا للعام 2011 ، وهي الجائزة التي نالها ثلاثة لاعبين أفارقة ، حيث توج بها متوسط الميدان يحيى توريه لاعب نادي ماشستر سيتي الانجليزي ومنتخب ساحل العاج حسب استفتاء الاتحاد الأفريقي للعبة في احتفاليته بمدينة اكرا بغانا ، و أحرز ذات الجائزة قبلها بأيام قليلة لاعب الوسط أندري ديدي ايو الذي يلعب لنادي اولمبيك مرسيليا الفرنسي ومنتخب غانا منحتها له هيئة الإذاعة البريطانية ، ثم فاز بها بعد أيام متوسط الميدان سايدو كايتا الذي يلعب لنادي برشلونة الاسباني والمنتخب المالي من قبل صحيفة المنتخب المغربية والتي تحمل اسم الأسد الذهبي.

وربما كان بإمكان لاعب أفريقي رابع أن ينالها لو نظمت من طرف جهة إعلامية أو مؤسسة ما أخرى ، و لا احد ينكر بان الثلاثي المذكورقدم أداء متميزا على مدار الأشهر الـ12.

و لم تكن هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا السيناريو أي تتويج أكثر من لاعب إفريقي بجائزة أحسن لاعب في القارة السمراء ، و هو السيناريو الذي ينعدم أو يندر في بقية القارات الأربع ، حيث اللاعب أو المدرب الأحسن يبقى هو الأفضل مهما تعددت الاستفتاءات .

ويبدوأن نتائج الاستفتاءات الرياضية في أفريقيا لا تختلف البتة عن نتائج الانتخابات السياسية حيث عادة يعلن عن فوز أكثر من مرشح لنفس الاستحقاق.

يحدث هذا في إفريقيا رغم أن المعايير الفنية المعتمدة لاختيار اللاعب الأفضل والتي تفصل بين المرشحينهي نفسها المعلنة من قبل الجهات المنظمة الثلاث،التي ترتكز أساسا على مدى ظهور اللاعب طوال الموسم سواء مع ناديه أو مع منتخب بلاده ، والانجازات و النتائج التي حققها من بطولات و كؤوس محلية ودولية ومدى مساهمة اللاعب الشخصية في تحقيقها فضلا عن اللعب النظيف وشعبية اللاعب في الأوساط الأفريقية ذلك أن هناك بعض اللاعبين الأفارقة يتألقون مع أنديتهم أو منتخبات بلدانهم ومع ذلك غير معروفين لدى الجمهور الإفريقي ، كما أن لوائح اللاعبين المرشحين كانت تقريبا مشتركة بين الكاف و البي بي سي و صحيفة المنتخب ، فلماذا تغيرت النتيجة النهائية من استفتاء لآخر ، وهو التغيير الذي أدى إلى التقليل من مصداقية النتائج النهائية.

و مما زاد من حدة الشكوك لدى الجماهير المتابعين هو أن اللاعب الذي يحل ثانيا في ترتيب الاستفتاء الأول سيضمن التتويج بالجائزة في الاستفتاء الثاني أو الثالث ، وهو ما حصل في السنة 2011 و في سنوات قبلها ، و كأن الجائزة أصبحت عند البعض تلبية خاطر و ليس اعترافا بما أنجزه اللاعب طوال موسم.

و ربما هذا ما دفع بمجلة فرانس فوتبول الفرنسية و الاتحاد الدولي إلى دمج جائزتي الكرة الذهبية وأفضل لاعب لتصبحا جائزة واحدة بداية من العام 2010 لإعطائها مصداقية أكثر و يتوج بها الأجدر.

والحقيقة وحسب ما يعترف به عدد من المتابعين لهذا الشأن أن هناك معايير أخرى تتدخل مع المعايير الفنية يمكنها ان تغير النتائج النهائية لمصلحة هذا اللاعب أو ذاك ، لأنه و ببساطة لو اعتمدت فقط المعايير الفنية في 2011 فإنالمالي كايتا هو أفضل اللاعبين الأفارقة ، لان الانجازات التي حققها في الموسم المنصرم فاقت التوقعات ولم يحققها لا ايو و لا توريه ، فكايتا يلعب أساسياغالباً و بانتظام في أفضل ناد في العالم حالياً و هو نادي برشلونة ، و فاز معه بالدوري الاسباني الذي يعد أيضا أحسن دوري ، وبدوري أبطال أوروبا البطولة التي يحلم بها الجميع ، والسوبر الاسباني والأوروبي وختم العام بكأس العالم للأندية.

ومساهمة كايتا كانت واضحة في هذه البطولات ، كما أن كايتا ساهم في تأهيل منتخب مالي إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2012 رغم انه منتخب متواضع و لم يكن من المرشحين للتأهل في بداية التصفيات ، بينما اكتفى ايو بكاس الرابطة وبمركز الوصافة في الدوري الفرنسي.

و لم ينل توريه سوى كاس انكلترا و مرتبة مؤهلة لعصبة أبطال أوروبا التي أقصي منه مع ناديه مبكرا، غير أن خبراء الكاف و فنييها ، و زوار البي البي سي كان لهم رأيا مخالفا ، وربما كانوا من محبي ريال مدريد لان الذاتية كثيرا ما تلعب دورا مهما في التصويت .

والغريب في الأمر انه في الطبعة الثانية من جائزة الإذاعة البريطانية في 2001 فاز بها الغاني صامويل كوفور لأنه وقتها أحرز مع ناديه بايرن ميونيخ الألماني على نفس البطولات تقريبا التي حصل عليها كايتا في 2011 مع برشلونة و دون أن يحقق أي شيء يذكر مع المنتخب الغاني.

ويجزم الكثير من التقنيين على أن ثنائي نادي ليل الفرنسي السنغالي موسى صاو و العاجي كواسي جيرفينهو كان أفضل بكثير من ايو و من توريه بعدما قادا فريق متواضع للتتويج بالدوري والكأس الفرنسيين و أصبحا مطلوبين لأقوى أندية أوروبا حيث انتقل جيرفينهو إلى ارسنال الانكليزي في انتظار انتقال الثاني.

وبالعودة إلى النتائج النهائية للطبعات الماضية من الجائزة نلاحظ بأنه لم يسبق أن نال لاعب إفريقي واحد ثقة الجهات المنظمة الثلاث ، بل وحتى جهتين فان الأمر كان نادرا وحدث فقط سنوات2000 عندما حل عليها الكاميروني باتريك مبوما و2002 عندما نالها السنغالي الحاجي ضيوف من قبل الكاف والبي بي سي و أيضا عام 2009 مع دروغبا ، ثم سنة 2004 و 2006 بين الكاف وصحيفة المنتخبمع اللاعب العاجي ديديي دروغبا ، فيما عدا ذلك فان الاختلافكان السمة الغالبة على النتائج.

ويؤكد المتابعون بأن العامل الرئيس في هذا التباين ليس المعايير الفنية التي لا يمكن أن يختلف حولها اثنان ، و إنما يرجعونه إلى عاملين آخرين يتعلق الأول بإشراك الجهات الإعلامية المنظمة للجائزة لزوار مواقعها على الانترنيت في التصويت لصالح المرشحين و لا يمكن التحكم في أهوائهم ، أما الثاني و هو الأهم فيتعلق بكون أي صحيفة أو مجلة أو إذاعة تريد استغلال تنظيم هذا الاستفتاء و منح هذه الجائزة إعلاميا و تجاريا و الترويج لنفسها لرفع أسهمها في السوق، فتلجأ إلى إشراك الزوار في التصويت و إلى منح الجائزة إلى لاعب آخر لم يسبق له أن فاز بها في تلك السنة حتى لا تحترق الجائزة وتصبح و كأنها نسخة مكررة و يحترق معها خبر الإعلان عن صاحبهاويتحول إلى لا حدث ، فاللاعب المتوج يعوض خسارته ، والصحيفة تنال إشهارا بالمجان لان خير تتويج اللاعب سينشر في جميع الصحف والمواقع المحلية والعالمية و معه تزداد عروض الإعلانات والإشهار من طبعة لأخرى و هكذا أصبح منح الجائزة وسيلة اشهارية.

وحتى بالنسبة للاتحاد الأفريقي فان العامل المادي أصبح يلعب دورا في اختياراته فالحفل السنوي الذي يقيمه له حقوق بث تلفزي تباع لمن يدفع أكثر، و تشارك فيه كبرى الشركات التجارية والاقتصادية الباحثة عن الاستيلاء على المساحات الإعلانية في مباريات و تظاهرات الكاف وبالتالي فانه ولإنجاح الحدث لا بد من تغيير العريس حتى وإن كانت العروسة هي نفسها حاضرة في جميع الأعراس.

وأمام الانتقادات اللاذعة المتزايدة من طبعة لأخرى للنتائج النهائية لمثل هذه الجوائز أصبح المشرفون عليها مطالبون مراجعة أنفسهم بانتهاج شفافية أكثر وتحديد معايير دقيقة من اجل إعطاء الجائزة و صاحبها مصداقية و قيمة.