البطل الجزائري المخلوفي صاحب ذهبية سباق 1500 م

أنهت الجزائر مشاركتها في الألعاب الأولمبية التي اختتمت وقائعها الاحد المنصرم بلندن في المرتبة الخمسين من اصل 85 بلد مشارك ، و الثانية على الصعيد العربي خلف تونس ، برصيد ذهبية واحدة احرزها البطل توفيق مخلوفي في سباق الـ1500 متر.

أجمعت مختلف الفعاليات الرياضية في الجزائر الرسمية منها و الشعبية و الاعلامية على وصف حصيلة البعثة الجزائرية فيأولمبياد لندنبالمخيبة ، لتستمر بذلك اخفاقات الجزائر في هذه التظاهرة منذ مشاركتها الاولى في طوكيو عام 1964 ،حيث توالت المشاركات لكن النتائج تبقى دون تغيير ، بدليل ان غلة الجزائر من الذهب الاولمبي لا يزال هزيلا اذ اهدى مخلوفي بلده الذهبية الخامسة في الاولمبياد بعد حسيبة بولمرقة و نور الدين مرسلي و بنيدة مراح و الملاكم حسين سلطاني. لتبقى دورة اطلنتا عام 1996 هي الافضل في تاريخ المشاركات الجزائرية عندما نالت ذهبيتان بفضل مرسلي و سلطاني و فضية بفضل الملاكم محمد بحاري.


و مما زاد من شدة الصدمة ان الوسط الرياضي كان يراهن على اولمبياد لندن لمحو الهزائم التي منيت بها الرياضة الجزائر سواء في دورة بكين او الالعاب الافريقية و العربية التي جرت العام 2011 ، و التي اكدت نتائجها بانها كانت بوادر لخيبة جديدة ففي لندن عرف الجزائريون الاقصاء المبكر في كافة الاختصاصات باستثناء سباق ال1500 متر ، و حتى مخلوفي كاد ان يدفع ثمن اصرار اتحاد العاب القوى على اشراكه في سباق ال800 متر مما جعله يتعرض لاصابة اجبرته على الانسحاب مما عرضه لعقوبة الاولمبية الدولية ، كما ان النتائج الوخيمة التي سجلها الرياضيون الجزائريون جاءت مخالفة تماما لما توقعه رؤساء الاتحادات الرياضية و اللجنة الاولمبية قبيل انطلاق التظاهرة حيث راهنوا على عدة رياضات للتالق و للصعود الى منصات التتويج للتكفير عن ذنوب بكين ، و اكثر من ذلك فان البعثة الجزائرية التي تنقلت الى لندن ضمت 39 رياضيا تنافسوا في 12 تخصص و هو عدد هام ، انفقت على استعداداته مبالغ مالية ضخمة قدرتها بعض المصادر المقربة من اللجنة الاولمبية ب500 مليار بالعملة المحلية ، تم توزيعها على مختلف الاتحادات المعنية لاقامة معسكرا محلية و خارجية ، فضلا عن الجوائز المالية و العينية المغرية التي رصدت للمتالقين لتحفيزهم على بذل قصارى جهدهم لتشريف الجزائر في هذا المحفل حيث وعدت اصحاب الذهب بمبلغ 20 الف اورو و سيارة من النوع الفاخر الالماني.

و وفقا لوجهة نظر عدد من المتابعين فان الاخفاق بدا خلال مرحلة التصفيات خاصة في الرياضات الفردية ذلك ان تاهل 39 رياضيا يبقى عددا متوضعا- خاصة اذا علمنا ان العدد يتضمن ايضا منتخب سيدات الطائرة و هو اقل من دورة بكين التي عرفت مشاركة 63 رياضيا - مقارنة بما تزخر به الجزائر من قاعدة كبيرة من الممارسين في شتى الانواع ، اذ لا يعقل مثلا ان تتاهل من الجزائر مصارعتين فقط و يتم اقصاء كافة الذكور .

و على عكس الدورات السابقة عندما كانت الذهبية او الفضية الوحيدة التي يحرزها رياضي ما كافية لتغطية اخفاق البعثة باكملها و كانها الشجرة التي تغطي الغابة فان الامر اختلف هذه المرة مع العداء مخلوفي ، حيث اعترف الجميع بفشل المشاركة الجزائرية و ان ذهبية مخلوفي لا يمكنها تغطي الاخفاق خاصة ان لا احد كان يتوقع منه ان يتالق عكس مرسلي او بولمرقة اللذان كانا مرشحان بقوة للتتويج.

المخلوفي في طريقه لخط النهاية في سباق 1500 م

و قبل انطلاق الالعاب فان الاولمبية الجزائرية راهنت على العاب القوى و الجيدو و المصارعة و الملاكمة للتتويج بغض النظر عن نوعية المعادن ، و هي الاختصاصات التي ضمت 19 متسابق أي حوالي نصف تعداد البعثة ، و كان دافع هذا الرهان هو نوعية المستبقين المتاهلين للنهائيات و الذين يمثلون النخبة في الجزائر و يمثلون رياضات سبق لاسلافهم ان تالقوا و ابدعوا فيها سواء في الاولمبياد او في بطولات قارية و دولية اخرى .

غير ان النتائج جاءت معاكسة ، ففي الملاكمة و رغم وجود ثمانية ملاكمين لم يصل أي منهم للدور النصف النهائي الذي يضمن لصاحبه على الاقل ميدالية برونزية بما فيهم عبد الحفيظ بن شبلة الذي كان امل الجزائر و العرب للحصول على الذهب لكن مشواره توقف في الدور الربع النهائي رفقة محمد وضاحي . اما رياضيو ام الالعاب فانه خمسة منهم لم يتمكنوا من تجاوز الدور الاول و وحده مخلوفي صنع الاستثناء و فاز بالذهبية.

ومثلما جرت العادة عقب كل نكسة للرياضة الجزائرية فان الوسط الرياضي يحاول معرفة الاسباب الحقيقية لها بينما يحاول المسؤولين تبرير تلك الاخفاقات ، و بين هذه و تلك تضيع الحقيقة و يستمر الوضع على حاله حتى تحصل نكسة اخرى اشد ، لكن هذه المرة اجمع الكل على ان السبب الرئيسي او ربما الوحيد لهذه الحصيلة الضعيفة مرده سوء التسيير من قبل رؤساء الاتحادات الذين بدلا من بذل جهد في توفير الظروف الملائمة للرياضيين لضمان اعداد فني و بدني و ذهني جيد راحوا يستغلون التاهل الى النهائيات لضمان حصولهم على اعانات مالية كبيرة من خزينة الشعب بالعملتين المحلية و الصعبة و بدلا من توظيفها في تحضير العداء لتجهيزه فان النسبة الاكبر منها تصرف خارج هذا الاطار دون ان يستفيد منها الرياضي المتاهل الاحق بها .

كما ساهمت الصراعات التي دبت بين اعضاء مجالس العديد من الاتحادات قبل انطلاق المنافسة في التاثير على معنويات الرياضيين .

وأكد الكثير من الفنيين و الخبراء على ان الاتحادات هي المسؤولة عن نتائج الجزائر في عاصمة الضباب ، و في هذا الصدد اكد ابراهيم بجاوي المدرب الاسبق للمنتخب الوطني للملاكمة ان سوء التسيير يقف وراء مهزلة لندن و قال بام الملاكمين الثمانية الذي مثلوا الجزائر يتمتعون بمؤهلات عالية غير ان ما كان ينقصهم هو تكفل الاتحاد بانشغالاتهم الاجتماعية و بمشوارهم الرياضي بشكل مستمر و ليس فقط في المناسبات.

وأضاف بان سيطرة الملاكمة الجزائرية على البطولات القارية احجب الحقيقة ذلك ان البطولة القارية يغيب عنها ملاكمو البلدان الناطقة بالانجليزية بقرار من رئيس الاتحاد الجزائري للملاكمة الذي يشغل ايضا رئيس الاتحاد الافريقي.و بدوره طالب عمار بوراس الذي اشرف على تدريب البطلة العالمية و الاولمبية بولمرقة طالب اتحاد العاب القوى بضرورة تغيير سياسته و اعتماد استراتيجية جديدة بالاستثمار في سباقات معينة تضمن للجزائر التالق بعدما اشتد التنافس و ارتفع عدد البلدان المعنية .

واتهمت البطلة السابقة في الجيدو سليمة سواكري الاتحاد بسوء استغلاله للاموال التي صرفتها الدولة على المصارعيتين ثريا حداد و عسلة اللتان خرجتا مبكرا من المنافسة و قالت بان الجيدو الجزائري يدفع ثمن السياسة الفاشلة للاتحاد و طالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذا الاخفاق المر.

وحملت تصريحات رشيد حنيفي رئيس اللجنة الاولمبية تناقضات لا يمكن فهمها ، فمن جهة اعترف بان حصاد الجزائر كان هزيلا و خارج التوقعات و من جهة اخرى فانه حاول توظيف ذهبية مخلوفي في التغطية على هذه الخيبة عندما قال بان الذهبية التي نالها مخلوفي تعبر عن تطور ايجابي من منطلق ان الجزائر لم تنل الذهب الاولمبي منذ دورة سيدني عام 2000 ، و حسب حنيفي فان حصاد لندن 2012 يجب ان يبقى حدا لا يمكن النزول تحته في الدورات القادمة لاننا اقتربنا من القاع كما طالب الجميع بتحمل مسؤوليات النتائج الهزيلة و ناشد التكفل بالرياضة كسبيل وحيد لمنحها فرص اكبر للنجاح.

كما طرحت خيبة لندن مجددا مسالة الأطر الفنية سواء المحليين أو الأجانب الذين يتولون الاشراف على النخبة الرياضية في الجزائر و مدى كفاءتهم في تاهيل الرياضيين للمستوى العالمي حيث شكك الكثير في قدراتهم و حملوهم جزء من المسؤولية خاصة في الكرة الطائرة و الملاكمة.