أخيرا وبعد مخاض عسير قرر الاتحاد المغربي فسخ تعاقده بالتراضيمع مدرب المنتخب الأول البلجيكي إيريكغيريتس منهيا حقبة سوداءلمنتخب اسود الأطلس تحت إمرته ميزها الإخفاقات المتتالية وتحول المنتخب العريق إلى جسر تعبره اضعف منتخبات القارة وهو الذي كان يخشاه عمالقتها رغم التعداد الثري الذي يتوفر عليه من لاعبين مميزين داخل الوطن و في أوروبا .

و في الوقت الذي برر فيه الاتحاد من خلال البيان الذي نشره عبر موقعه على الانترنيت بان الطلاق فرضته النتيجة السلبية التي سجلها المنتخب في الموزمبيقي أمام منتخب الأفاعي السامة في ذهاب الدور الاقصائي الأخير لكأس أمم إفريقيا 2013 بخسارته بهدفين لصفر جعلت حظوظه في بلوغ النهائيات تتقلص على العكس من ذلك فان القرار الذي اتخذه علي الفهري وأعضاء مكتبه الجامعي جاء رضوخا لمطالب الجمهور المغربي الذي طالب بإقالة المدرب البلجيكي منذ مدة ليست بالقليلة ، مطلب جماهيري تعزز بموقف مؤيد للصحافة المحلية على اختلاف أطيافها تولت على عاتقها إسماع صوت الحق لرئيس اتحاد لا يفقه في الكرة سوى ما تعلق بشقها المادي ويرفض الاستماع لأصوات الخبراء والفنيين الذيناعتبروا التعاقد مع غيريتس صفقة فاشلة بكل المقاييس بغض النظر عن الضجة الإعلامية المحلية والعالمية التي أحدثها تخليه عن الهلال السعودي في ظرف عصيب وقبوله الإشراف على المنتخب المغربيالذي كان يمر هو الآخر بفترة فراغ رهيبة في النتائج.

المنتخب المغربي

وهكذا أثمر تحالف الجمهور المغربي مع صحافته بتخليص المنتخب من واحد من أسوء المدربين الأجانب الذين تعاقبوا على تدبير شؤونه التقنية منذ الاستقلال رغم انه كان يحصل على امتيازات مادية وعينية لم ينلها أي واحد مما سبقوه لذات المنصب.

وفي الوقت الذي بحت فيه أصوات المغاربة المنادية بإبعاد الثعلب الخبيث فان أذان أعضاء الاتحاد كانت ترفض الإنصات لها ولم يكن ذلك التحالف بين القوى المحبة فعلا لمصلحة الكرة المغربية قائما على مصالح ضيقة بل فرضتهمسائل موضوعية الكل أصبح بعدما اقتربت مالطا من الخراب مقتنعا بها ، حيث كانت البداية بتأخر التحاقغيريتس بالمنتخب فرغم أن الإعلان عن التعاقد معه تم في الخامس يوليو العام 2010 إلا انه ظل يمارس مهامه على رأس الهلال لغاية أواخر نفس العام وهي الفترة التي تعرض خلالها زملاء مروان شماخ لتعثر في بداية تصفيات كأس إفريقيا 2012 ضد منتخب جمهورية إفريقيا الوسطى وأصروقتهاغيريتس على إدارة المنتخب عن بعد وبالهاتف.

كما أثارت مسألة الراتب الذي كان يتقاضاه حفيظة شرائح واسعة من المجتمع المغربي ، فلا يعقل أن يقبض نحو ربع مليون دولار شهريا في وقت تعاني منه خزينة البلد من شح ، ووظفته بشكل ايجابي لاثارة الرأي العام العام الرسمي و الشعبي ضده.

و الأغرب و الأدهى أن رئيس الاتحادوغيريتس رفضا حتى التكرم على الجمهور للتصريح بالراتب الحقيقي الذي كان يأخذه من أمواله نهاية أو بداية كل شهر لسبب بسيط هو أن رئيس الاتحاد رضخ للمدرب البلجيكي عند التعاقد معه وتضمن العقد بندا يبقي على سرية الراتب الشهري ،ما جعل البرلمان نفسه يفشل في الحصول على المعلومات الحقيقية حول هذا الموضوع رغم المحاولات الكثيرة التي بدلها ، ووصلت درجة الوقاحة عندغيريتس إلى تقديم شكوى لدى المصالح الأمنية ضد مجهول بعدما نشر احد المواقع تفاصيل مبلغ مالي تم تحويله إلى حسابه الخاص فأقام الدنيا ولم يقعدها .

وظلت الصحف المغربية سواء الملاحق و المتخصصة تركز في تحليلاتها و في أعمدتها على كشف حقيقةغيريتس و تندر بالعواقب الوخيمة في حال استمرارهبهدف إيصال رسالتها يس فقط للجمهور العادي أو لرئيس الاتحاد وإنما لأعلى السلطات السياسية و لولاها لما أدرجت قضية المنتخب وغيريتس في أروقة البرلمان المغربي الذي طالب وزير الرياضة بضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية لإصلاح أحوال المنتخب الأول الذي يمثل واجهة الرياضة المغربية في المحافل الدولية.

كما أبرزت وجود أطراف من داخل الاتحاد تعمل ضد مصلحة المنتخب و تعمل جاهدة على بقاءغيريتس لأطول فترة ممكنة لأنها تتقاسم معه ريوع المنتخب.

وظل عشاق الأسود دون يأس ولا ملل يطالبون كلما أتيحت لهم الفرصة برحيلغيريتس عن المنتخب لان استمراره يعني استمرار المهازل بدليل حصيلته السلبية فمن أصل عشر مباريات رسمية خاضها تحت إشرافه تعثر في ستة بتعادله على أرضه في مبارتين أمام إفريقيا الوسطى وساحل العاج و زيمته ضد الجزائر والغابون وتونس وموزمبيق وفاز في أربعة منها واحدة ضد النيجر و أخرى ضدالجزائر في مراكش وهي الهزيمة التي غطت كثيرا على عيوبغيريتس و مددت في عمر إقامته بالمغرب.

ولم يقتصر تعثر المغرب على المباريات الرسمية بل امتد ليشمل اللقاءات الحبية على غرار تعثره في مراكش في دورة أي لجي الدولية ، وخسارته الأخيرة من غينيا .

وبالنسبة للخبراء والفنيين فان المنتخب تحت إدارةغيريتس لم يقدم الأداء الذي يشفع له للبقاء وأظهر ضعفا واضحا وفقرا تكتيكيا ، كما خياراته شابها الكثير من الغموض و التساؤلات بسبب استدعائه للاعبين غير جاهزين و تهميشه لآخرينمثلما حدث مع الحارس نادر لمياغري الذي شارك في كاس إفريقيا الأخيرة وهو عائد لتوه من إصابة في الكتف وحرمته من نهائي دوري أبطال إفريقيا لكنها لم تحرمه من كأس إفريقيا .

والحقيقة أن الجمهور المغربي اقتنع بالمستوى الفني الحقيقي لغيريتس خلال نهائيات كاس إفريقيا 2012 بداية باختياره لمدينة ماربيلا جنوب اسبانيا لإقامة معسكر تدريبي مغلق وسط أجواء باردة جدا ليخوض بعدها البطولة في أجواء ساخنة ثم إقصائه مبكرا من المنافسة رغم أن المنتخب كان في أفضل رواق لإحرازالكأس الثانية في تاريخه بعد كأس عم 1976 خاصة أن البطولة عرفت غياب أقوى منتخبات القارة والفرصة كانت مواتية أمامه لدخول التاريخ لكنها فوتها على نفسه و على المغاربة .

و ما حز في نفس عشاق الأسود هو أنغيريتس و بدلا من تقديم استقالته احتراما لمشاعرهم أصر على البقاء و قال وقتها بأنه أحب هذا البلد وهذا الشعب المضياف الكريم ، ليحصل على فرصة أخرى وجدها عند بعض أعضاء الاتحاد الذين تمكنوا من احتواء غضب الصحافة فأقدموا على خطوة أكدت الأيام أنها كانت خاطئة عندما قرروا تمديد عقده لغاية يونيو العام2014 وهو ما كان يبحث عنهغيريتس لبسط سيطرته على المنتخب بغض النظر عن النتائج التي سيسجلها فاكتفى بتعادلين مخيبين أمام غامبيا وساحل العاج في تصفيات كأس العالم مما جعل فرصه في تصدر المجموعة تتضاءل و \مع ذلك فان الاتحاد لم يحرك ساكنا رغم استمرار الحملة الإعلامية الشرسة سواء من قبل الصحافة أو من طرف الجمهور عبر شبكة التواصل الاجتماعي .

ومثلما وجدغيريتس في الانتصار على الجزائر فرصة لتخدير منتقديه وجد في التتويج بكأس العرب التي جرت في جدة ذريعة لإسكاتهم مجددا رغم أن البطولة لم تعرف مشاركة منتخبات كبيرة قبل أن تأتي خسارة غينيا وموزمبيق لتضع الصحافة والجمهور في موضع قوة لمطالبة الاتحاد بتحمل مسؤوليةغضب الشارع المغربي من تواصل إخفاقات الأسود ، ولأن الأمور لم تعد تحتمل الصبر أكثر خاصة أن مباراة العودة ستجري بالمغرب وإقصاء المنتخب من شانه أن يؤدي ثورة في الشارع لا احد يتحمل عواقبها فان الاتحاد لم يكن أمامه سوى الاستجابة لصوت الحق و اتخاذ القرار الصحيح ، الذي و أن تأخر صدوره فانه أفسح المجال أمام الاتحاد لمراجعة السياسة التي يعتمدها عند البحث عن مدرب المنتخب و التي يراهن دوما على جلب مدربين من أصحاب الأسماء اللامعة ليكشف الميدان بعدها عن إفلاسهم و محدودية إمكانياتهم الفنية .

وكشفت قضية غيريتس التي شغلت الرأي العام الداخلي و العربي المستوى الحقيقي للمسئولين عن الكرة المغربية في هرم الاتحاد و عدم تفريقهم بين النقد البناء الهادف و النقد السلبي ، حيث اتهموا المدربين المغاربية الذين شككوا منذ البداية في المستوى الحقيقي لجيراتس و توقعوا فشله اتهموهم بالتشويش عليه طمعا في منصبه ، و الغريب أن غيريتس صدق ذلك فدخل في صراع معهم ووصفهم في إحدى تصريحاته بالجهلة فقط لأنهم تنبئوا بالكارثة قبل وقوعها .

وبالتأكيد فان ما حدث معغيريتس في المغرب قد يتحول إلى نموذج عربي يقتدى به في بقية البلدان المغربية خاصة تلك التي يعشيها منتخبها الأول وضعا مشابها على غرار المنتخب السعودي مع مدربه الهولندي الفاشل فرانك رايكارد و المنتخب العراقي مع البرازيلي زيكو يأخذون عشرات الملايين من الدولارات دون أن يقدموا المقابل الفني المنشود .