أنقذت كأس العرب في نسختها التاسعة رأس المدرب البلجيكي إيريك غيريتس المدير الفني للمنتخب المغربي فيما تأزم وضع الهولندي فرانك رايكارد بعد المستويات المتباينة التي قدمها الأخضر السعودي تحت قيادته سواء في التصفيات المونديالية أو البطولة العربية.


قبل انطلاق نهائيات النسخة التاسعة من بطولة كأس العرب للأمم التي اختتمت الجمعة في جدة السعودية كانت الأنظار مصوبة نحو الهولندي فرانك رايكارد مدرب المنتخب السعودي والبلجيكي اريكغيريتس مدرب المنتخب المغربي ، ليس لكونهما إسمين بارزين في عالم التدريب ولا لأنهما يقودان منتخبين مرشحين فوق العادة للظفر بالتاج العربي ، و لكن لان وضعية كل واحد منهما مع منتخبه كانت حرجة جدًا بسبب تراكم النتائج السلبية في السباق إلى نهائيات مونديال البرازيل 2014 حيث خرج الأخضر مبكرًا و بدأ الأسود بداية عرجاء، مما أدى إلى زيادة حدة الأصوات الإعلامية والشعبية المطالبة بإقالتهما من منصبيهما بغض النظر عن تبعات القرار المالية.

لذلك وجد المدربان في هذه البطولة فرصة يجب اغتنامها، و راهنًا عليها لكسب مستقبليهما خاصة بالنسبة للهولندي الذي قرر المشاركة في البطولة بالفريق الأول لتعزيز حظوظه على حساب عدد من المنتخبات قررت خوضها بالرديف أو الاولمبي، غير أن النتيجة النهائية للكأس العربيةخذلته وجعلت الوسط الرياضي السعودي على اختلاف أطيافه يقتنع أكثر من أي وقت مضى بأن استمرار الأخضر تحت إمرة رايكارد لن يجدي نفعاً و لن يقوده سوى للمزيد من المهازل التي يمكن تحاشيها بوجود مدرب آخر .

الهولندي رايكارد والبلجيكي إيريك غيريتس

فالنتائج التي سجلها المنتخب السعودي في كأس العرب خيبت آمال محبيه رغم أنه كان الأوفر حظًا للتتويج بها لتعويض نكسة أمم آسيا والإقصاء المبكر من المونديال ، فإلى جانب اشتراكه بالمنتخب الأساسي فقد كان مدعمًا بعاملي الأرض والجمهور وبعيدًا عن ضغط الإعلام الذي كانت أقلامه وعدساته مصوبة نحويورو 2012 أكثر.

كما أن السعوديين لم يطالبوا رايكارد باللقب أكثر مما طالبوه بتقديم أداء فني راقٍ مستقر وثابت في جميع المباريات بغض النظر عن نتائج المباريات لأنهم يعلمون جيدًا بأن تطور الأداء نحو الأفضل سيأتي بالنتائج الايجابية مع مرور الوقت.

لكن الحصاد النهائي لم يزد الأشقاء سوى وجع وأرق لن يتحملوه مهما كانت المسكنات الهولندية التي يبدو أنها فقدت فعاليتها أو حتى صلاحيتها ، فالأخضر و أمام منافسين عاديين ظهر غير مستقر في أدائه ليس من مباراة لأخرى بل حتى في أطوار المباراة الواحدة مما يؤكد بأن الإعداد للبطولة لم تكنعلى المستوى المطلوب واللاعبين لم يكونوا جاهزين أو ربما رايكارد استدعى عناصر غير جاهزة سواء من الناحية الفنية والبدنية أو من الناحية الذهنية والنفسية بالنظر إلى تاريخ إقامة البطولة ، وهي مسائل كلها يتحمل المدير الفني مسؤوليتها الكاملة ولا يمكن قبول أي تبريرات بعدما استجاب الاتحاد السعودي لكافة مطالب رايكارد.

كما أن النتائج لم تكن في مستوى التطلعاتإذ سجلوا انتصارًا واحدًا ضد الكويت وتعادلاً مع فلسطين مقابلهزيمتين، والإقصاء من الدور النصف النهائي لمنتخبمحترم مثل السعودية وأمام منافس لا يزال يعاني تبعات الظروف السياسية التي تمر بها بلاده ممثلاًفي المنتخب الليبي بثنائية نظيفة يصعب تجرعها حتى لو رافقت المباراة أخطاء تحكيمية جسيمة ساهمت في تحديد نتيجتها النهائية ، تبعتها خسارة أخرى على المركز الثالث من المنتخب العراقي في مباراة فضل رايكارد خوضها بعدد من اللاعبين الاحتياطيين وهو قرار يمكن اعتباره متأخراً لأنه كان بإمكان المراهنة منذ البداية على لاعبي الصف الثاني أو الاولمبيلكسب الخبرة وعدم إحراج الأساسيين.

و مما زاد من سخط محبي الأخضر هو التبريرات التي صاغها نجم هولندا الأسبق عندما قال بأن المنتخب في الطريق الصحيح للعودة إلى مستواه و استعادة بريقه المفقود على جميع الأصعدة الخليجية والعربية والقارية والعالمية ، ونسي بأن هذا الكلام سبق له أن قاله عقب الخسارة من استراليا في آخر جولات الدور الثاني من تصفيات المونديال ، ونسي أو ربما تناسى بأن الطريق اقترب من نهايته ، كما أن حديثه عن سوء التحضير للبطولة يؤكد للسعوديين بأن رايكارد اختار الدفاع عن نفسه باللجوء إلى سلاح الهروب إلى الأمام مثلما يفعله جل الخواجات الأجانب في الخليج ، فالبطولة كانت مبرمجة من قبل الاتحاد العربي منذ مدة طويلة والاتحاد السعودي قرر خوضها بالمنتخب الأول وما على التقني الهولندي سوى تسطير البرنامج التدريبي الكافي لتأهيل زملاء الغامدي.

لكن رايكارد وبعدما تلقى مستحقاته المالية الكاملة مباشرة بعد إبرامه العقد، يبدو أن النتائج التي يسجلها المنتخب تحت قيادته لا تختلف معه سواء كانت ايجابية أو سلبية ، والإقالة لا تخيفه لأنه المستفيد منها أكثر من استمراره ، وبالتالي فإن بقاءه في منصبه هو مجرد تأدية واجب لا هدف منه ليس إلا و مع ذلك عليه بتحمل مسؤوليته الأخلاقية سواء بالاعتراف بفشله أو تحديد مكامن ضعف المنتخب، أما بقاؤه في منصبه على هذا الحال فهو خسارة للمنتخب الأخضر المطالب باستغلال فترة الفراغ التي يمر بها لوضع إستراتيجيةمغايرة تجعلهيعيد سيناريو منتصف التسعينات من القرن الماضي.

أماغيريتس ndash; الذي تعرض لحملة لعينة للإطاحة به - فيمكن القول إنه خرج المنتصر الأكبر من هذه البطولة بعدما قاد اسود الأطلس لنيلها ضارباً سرباً من العصافير بحجر واحد بعدما وجد راحته النفسية فيالأرض الطاهرة التي سبق له أن تألق فيها مع نادي الهلال ، فالبطولة هي الأولى للمغرب على الصعيد العربي منهيًا صياماً عن الألقاب دام سنوات طويلة جعلت تعطش الأشقاء المغاربة يبلغ درجة الظمأ.

كما أنغيريتس حقق هذا الانجاز بمنتخب الرديف الذي اختاره هو شخصيًا بعناية فائقة وبعد متابعة عن كثب للاعبي الدوري المحلي مانحًا إياهم ثقة و فرصة لمنافسة المحترفين في المنتخب الأول بعدما اكتشف أسماء لامعة قادرة على التألق عندما تتاح لها الفرصة ظلت مقبورة في ظل سياسة الاتكال على القادمين من أوروبا.

وتوج بالكأس دون خسارة وبهجوم كاسح وفاز على منتخبات شاركت بالفريق الأول، وأكثر من ذلك استعاد الروح المعنوية والقتالية عند اللاعبين التي ظلت غائبة في الآونة الأخيرة وشكلت نقطة ضعف في المنتخب الأول، وبالتأكيد فإن الجميع يكون قد لاحظ أن زملاء الهداف الواعد ياسين ألصالحي قدموا عرضًا عربيًا راقيًا بدنيًا وفنيًا من خلال توليفة تكتيكية ابتكرهاغيريتس.

وللمرة الاولىيشاهد الجمهور المغربي لاعبي منتخب بلادهم و كأنهم بيادق يتحركون فوق الميدان مثلما يريد فارسهم البلجيكي ، هو ما منحهم ثقة وطمأنهم على مستقبل أسودهم لخوض الاستحقاقات الرسمية القادمة بداية من أيلول بأريحية اكبر تعزز من فرصهم في استدراك النقاط الأربع التي ضاعت منهم في تصفيات المونديال أمام غامبيا وساحل العاج.

كما أن الانجاز العربي سيمنحغيريتس متنفسًا وسيساهم في إيقاف الحملة الإعلامية الجماهيرية ضده و لو موقتاً و يساعده على تأدية واجباته دون الحديث عن راتبه ولا عن خليفته المتوقعة ، كما أنالمدافع البلجيكي الأسبق أراد من خلال حصوله على الكأس العربية الغالية بعث رسالة لكافة الفعاليات الكروية في المغرب مفادها بأن الصبر هو مفتاح نجاح الأسود في استعادة مجدهم الضائع، أما الضغط فلن يزيد الطين سوى بلة فكلما عمل بهدوء ودون ضغوط إعلامية كانت النتائج أحسن.