تبدو البرازيل في مهمة متواصلة للبحث عن اللاعبين الذين سيشكلون مستقبلا نواة المنتخب الوطني، الساعي الصيف المقبل الى تعويض خيبة مونديال 2014 حين انتهى مشواره على ارضه بهزيمة مذلة على ايدي الألمان (1-7) في الدور نصف النهائي.

في معسكر تجريبي للصغار في نادي فاسكو دي غاما، تحاول فانيسا دياز أن تشق طريقها بين الشجيرات من أجل رؤية ابنها كاوا، البالغ 12 عاما، أملة بشيء من التوتر بأن يكون قد خطا للتو أولى خطواته نحو النجومية.

لكن هناك حوالي 200 طفل آخر، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والـ17 عاما، يشاركون في هذا المعسكر التجريبي المقام على ملعب صغير في شمال ريو دي جانيرو تحت أنظار كشافي فاسكو دي غاما الذي يعتبر أحد أعرق الأندية البرازيلية.

لم يسمح للأهل بالتواجد في حرم الملعب، لكن البعض منهم لم يتردد في تسلق تلة مطلة على الملعب وتغطيها الشجيرات، من أجل رؤية فلذة أكبادهم.

تؤكد فانيسا، الأم البالغة 33 عاما، أنها "مستعدة للقيام بكل التضحيات. أنا عاطلة عن العمل، لا أملك احيانا المال الكافي من أجل المواصلات، لكني أدبر شؤوني دائما بالاقتراض من هنا وهناك".

ابنها كاوا من مشجعي فلامنغو، الخصم اللدود لفاسكو دي غاما، لكن هذه المسألة لا تهم لأن كل الوسائل مسموحة بهدف الوصول الى تحقيق حلمه بأن يصبح لاعبا محترفا.

الوصول الى مرتبة نجم باريس سان جرمان الفرنسي الحالي نيمار، يشكل حلما بالنسبة للملايين في هذا البلد الذي يعشق كرة القدم، لكن المنافسة شديدة جدا في ظل الوفرة في المواهب القادمة من خلفية فقيرة والمتعطشة بالتالي للحصول على فرصتها.

لكن الوصول الى النجومية ليس بالأمر السهل على الإطلاق، وقد أكد ذلك المسؤول عن كشافي المواهب في فاسكو دي غاما، اويرنر ليوناردو باسوس، مشيرا الى أنه في المجموعة الأولى من التجارب "10 بالمئة فقط من الصبية سينتقلون الى مجموعة جديدة من التجارب في مقر النادي".

- السر في مدن الصفيح -

وتستمر التجارب ثلاثة أيام وتقام كل شهر، حيث يتم توزيع المشاركين فيها على مجموعات عمرية ويحصل الأطفال على فرصة لاظهار مواهبهم في مبارياته تستمر الواحدة منها لعشرين دقيقة فقط.

بالنسبة لأحد كشافي فاسكو، رونالدو فاريا، فهو يملك المطلوب للبحث عن الموهبة المناسبة كونه شقيق لاعب قاد البرازيل الى لقب كأس العالم عام 1994 بشخص روماريو الذي يعتبر احدى أفضل المواهب التي اكتشفها فاسكو دي غاما.

ويرى رونالدو فاريا أن "سر الكرة البرازيلية يكمن في مدن الصفيح حيث يلعب الأطفال في الشوارع وعلى ملاعب متواضعة جدا"، وذلك في اشارة منه الى الأحياء الفقيرة التي تعاني غالبا من العنف وحيث يترعرع الأطفال وهم يحلمون بأن يصبحوا لاعبين محترفين، ما سيمنحهم فرصة ترك هذه الحياة الصعبة جدا.

ويركز فاسكو دي غاما على مدن الصفيح في سعيه لاكتشاف المواهب بحسب ما يؤكد لويز رانغل الذي يعمل في قسم اكتشاف المواهب في النادي البرازيلي العريق، مضيفا "يذهب كشافونا غالبا الى مدن الصفيح ويحافظون على شبكة اتصالات هناك ما يسمح لهم بأن يعلموا إذا كان هناك طفل صاحب مؤهلات".

جاء جاسي اوليفييرا، المقيم في ضاحية بييداد القريبة من ريو، الى المعسكر التجريبي بصحبة أربعة أطفال بمبادرة شخصية منه بحسب ما أكد، مشيرا الى أن "العديد من اللاعبين الجيدين لا يحصلون حتى على فرصة الخضوع لاختبار لأنهم لا يملكون المال الكافي من أجل المواصلات".

ويدفع اوليفييرا من جيبه الخاص على أمل تقديم موهبة جديدة الى كرة القدم البرازيلية، ما سيعزز مسيرته بين كشافي المواهب، وهو كشف أنه "حتى الآن، كل ما فعلته هو دفع التكاليف، لكني واثق بأني سأصادف نجما لامعا".

- برمجة مسبقة -

ومن بين اللاعبين الذين خضعوا للاختبار في ذلك اليوم، كان هناك واحد فقط لفت انظار رونالدو فاريا وهو طفل في التاسعة من عمره اسمه فيليبي، وقد تميز بمراوغاته وقدرته على تخطي اللاعبين حتى الأكبر عمرا وحجما منه، دون أي صعوبة.

لكن الشقيق التوأم لفيليبي، فرناندو، بدا متوترا جدا ولم يتمكن من تقديم اي شيء يستحق الثناء، ما دفع أحد منظمي المعسكر التجريبي الى الاقتراب منه والقول له "لا تخف. كن على سجيتك وحسب، العب وكأنك تلعب في الشارع بصحبة شقيقك".

ما يريد أن يراه الكشافون في اللاعب ليس الموهبة الفردية وحسب، بل قدرته على اللعب ضمن فريق دون الكثير من الفردية لكنهم يواجهون مشكلة اضافية متمثلة بالافتقاد الى الحرية عند الاطفال كونهم يحاولون نسخ طريقة لعب الكبار.

ويرى لويز رانغل أن "الاطفال مبرمجون مسبقا، ويتضاءل كل يوم عدد الذين يلعبون بطريقة عفوية"، مؤكدا "ما نبحث عنه هو سلسلة من الخصائص: سهولة التعامل مع الكرة، التمركز في الملعب، طريقة التواصل مع اللاعبين الآخرين في الفريق. كل شيء له تأثير".

ومن جهته، يركز كايو رودريغز (15 عاما) على أهمية عدم التباهي، مضيفا "إذا حاولت أن تبرز نفسك، ينتهي بك الأمر بارتكاب خطأ. يريدون منا اللعب ببساطة وتمرير الكرة".

بدرو هنريكي، إبن الـ13 ربيعا، يتابع بطليه عن كثب، وهما نجما باريس سان جرمان نيمار ومانشستر يونايتد الإنكليزي الدولي الفرنسي بول بوغبا، بحثا عن الإلهام.

وحدد هنريكي أهدافه المستقبلية، قائلا بشيء من الخجل "عندما أصبح كبيرا في العمر، أريد أن ألعب معهم، مع نيمار، في المنتخب الوطني".