شكل إقصاء نادي باريس سان جرمان الفرنسي من دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، خيبة للحاضرين في ملعب بارك دي برانس، والذين تقدمهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ووالده الشيخ حمد بن خليفة، لاسيما وانه مثّل اخفاقا جديدا للاستثمارات القطرية الضخمة في النادي.

منذ العام 2011، استحوذت هيئة قطر للاستثمارات الرياضية على نادي العاصمة الفرنسية، وسخرت له امكانات مالية هائلة في سبيل تعزيز مكانته بين الأندية الكبرى في القارة العجوز، لاسيما إحراز لقب المسابقة القارية الأهم للمرة الأولى في تاريخه. الا ان الفريق الفرنسي خرج للموسم الثاني على التوالي من الدور ثمن النهائي، وذلك بعد خسارته الثلاثاء على أرضه 1-2 أمام ريال مدريد الاسباني حامل اللقب (1-3 ذهابا).

وتبدو الهزيمة التي مني بها الفريق الثلاثاء على ملعبه، وان أمام النادي الملكي العريق حامل اللقب في الموسمين الماضيين وحامل الرقم القياسي في المسابقة (12 لقبا)، عائدا متواضعا للاستثمار القطري في النادي، والذي يقدر بأنه تجاوز عتبة المليار يورو منذ عام 2011.

وكان مشجعو النادي يأملون في ان تكون سنة 2018 عام دخوله بقوة الى أندية النخبة الأوروبية، وذلك بعدما أنفق نحو 400 مليون يورو في صيف 2017 للتعاقد مع النجم البرازيلي نيمار والمهاجم الواعد كيليان مبابي.

الا ان سان جرمان خيب هذه الآمال ولم يحقق الطموحات، لاسيما وان المحللين ربطوا بين الانفاق المفرط للنادي ومالكيه في صيف 2017 على تعاقدات جديدة، والمسعى الى تسجيل هدف سياسي-إعلامي في مرمى الخصوم، في خضم الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وأبوظبي والمنامة من جهة، والدوحة من جهة أخرى، والتي اندلعت في حزيران/يونيو.

ولعل ما يزيد من خيبة الاقصاء للنادي الباريسي بالنسبة الى مالكيه، هو ان نادي مانشستر سيتي الانكليزي، المملوك من الوزير الاماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان منذ عام 2008، هو من أبرز المرشحين لنيل اللقب الأوروبي هذا الموسم (للمرة الأولى في تاريخه).

- ماذا بعد؟ -

يبقى السؤال المطروح حاليا حول ماهية الخطوة التالية بالنسبة الى قطر في أحد أهم استثماراتها حول العالم، والذي يتوقع ألا يشمل التخلي عنه.

وقال مصدر مقرب من النادي الباريسي "المشروع لن يتوقف"، مضيفا "الاستثمار كان هائلا وسيستمر".

المشروع يحمله على عاتقه ناصر الخليفي، الشخصية المقربة من الشيخ تميم. ويتولى الخليفي غير منصب، منها رئاسة هيئة الاستثمارات الرياضية وسان جرمان، وشبكة قنوات "بي ان سبورتس" وإتحاد المضرب القطري.

وبعد مباراة الثلاثاء، لم يخف الخليفي خيبته من الخروج الجديد من المسابقة الأوروبية، معربا عن غضب مقترن بدعوة الى البحث عن حلول بهدوء.

وقال "ليس الوقت مناسبا للحديث عن تغيير، الكل غاضب. نريد ان نهدأ كي نعرف ماذا نغير، لدينا الوقت للتفكير (...) في نهاية المطاف ريال مدريد يملك الخبرة، خسرنا ضد ريال وهو ليس اي فريق".

ويرى استاذ مأسسة الرياضة في جامعة سالفورد البريطانية سايمون شادويك ان "إعادة هيكلة النادي ستكون مغرية على المدى القصير".

أضاف الأكاديمي الذي يتعاون مع مجموعة أبحاث رياضية مرتبطة بالحكومة القطرية "على المدى الطويل هناك شعور واحد ألا وهو ضرورة الحفاظ على الهدوء والاستمرار"، متابعا "النجاح يتطلب استثمارا مستمرا في اكتساب المواهب والتطوير وليس فقط في جذب الأسماء الكبيرة".

الا ان طول الأناة لا يعد من فضائل كرة القدم الحديثة، على رغم من ان تجربة الأندية التي "اغتنت" فجأة بعد الاستحواذ عليها من متمولين أجانب، مثل تشلسي ومانشستر سيتي الانكليزيين، تظهر أن أي فريق يحتاج إلى وقت لكي يفرض الفريق نفسه بين النخبة التقليدية في أوروبا.

وبالنسبة للمسؤولين عن الادارة اليومية في باريس سان جرمان، فان التفكير في الخسارة امام ريال مدريد قد يتخذ شكل البحث في مستقبل المدرب الاسباني أوناي إيمري، وحتى مصير نيمار نفسه.

وقال الصحافي الانكليزي المتخصص في كرة القدم الفرنسية جوناثان جونسون ان الاخفاق الاخير سيشهد "الاطاحة برؤوس" كبرى في النادي.

- الشعور بالضغط -

وبالنسبة الى المالكين القطريين، يبدو ان ما يجب القيام به مع باريس سان جرمان يتعدى الاعتبارات الرياضية، ويشمل جوانب عدة منها السياسة الدولية والدبلوماسية والاستثمارات الكبيرة.

وبحسب المحللين، شكل الاستثمار القطري في النادي الباريسي جزءا من سعي الدولة الخليجية الى تعزيز "قوتها الناعمة" وحضورها الدولي. وفي كرة القدم تحديدا، بلغ هذا الجهد ذروته من خلال فوز قطر باستضافة نهائيات كأس العالم 2022.

ويرى كريستوفر دافيدسون، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة، ان "مما لا شك فيه ان استثمار قطر منذ أعوام في مشروع باريس سان جرمان شكل نجاحا في مجال +القوة الناعمة+".

ويبقى تمويل الحلم الأوروبي لباريس سان جرمان هو المفتاح. وفي حين يبدو استثمار مليار يورو في نادي العاصمة الفرنسية مبلغا هائلا، الا انه يوازي ما تنفقه خلال أسبوعين فقط على استعداداتها لاستضافة كأس العالم.