بابتسامة عريضة ومشاعر متقدة، حزنا أم فرحا، يقابل الألماني يورغن كلوب الحياة. المدرب ذو الشخصية المحببة والفريدة، وصاحب النظرة الفلسفية في كرة القدم كما الحياة، صبر ونال أخيرا لقب دوري أبطال أوروبا مع ليفربول الإنكليزي.
على ملعب واندا متروبوليتانو في مدريد، ذرف كلوب الدموع بعدما شاهد فريقه يفوز على منافسه الإنكليزي توتنهام 2-صفر. عانق لاعبيه واحتفل وإياهم بتعويض خيبة الخسارة في النهائي القاري الموسم الماضي أمام ريال مدريد الإسباني، ومنهيا فترة انتظار طويلة على المستويين الشخصي ومع الفريق الإنكليزي الذي يشرف عليه منذ 2015.
قال المدرب الفارع الطول، الحاضر أبدا بزيه الرياضي وقبعته ونظارتيه الشفافتين اللتين أضحتا علامة فارقة على وجهه الضحوك "كنا عمليا جميعنا نذرف الدمع على أرض الملعب، لأن الأمر كان عاطفيا جدا، كان كبيرا جدا، كان يعني الكثير بالنسبة إلينا".
قبل نهائي 2019، خسر كلوب (51 عاما) آخر ست مباريات نهائية خاضها، موزعة بالتساوي بين فريقه الحالي وناديه السابق بوروسيا دورتموند الألماني. هذه الخيبات المتلاحقة كانت كافية لتحبط عزيمة أي مدرب، لكن كلوب ينظر الى الحياة واللعبة ليس من منظار الربح والخسارة، بل من منظور استثمار الخسارة لتعلم تخطيها... والانتصار.
في مقابلة مطولة معه نشرتها صحيفة "الاندبندنت" الإنكليزية في وقت سابق هذا الأسبوع، قدم كلوب جردة شاملة لحياة ملأتها التحديات، تطرق فيها الى الخسارة المؤلمة في نهائي دوري الأبطال 2018 في كييف امام ريال مدريد الإسباني.
ردا على سؤال الصحيفة عن كيف تقبّل تلك الهزيمة في مباراة مؤلمة تبدل مسارها بخروج نجمه المصري محمد صلاح مصابا في الشوط الأول، قال كلوب "ماذا كان يمكنني أن أفعل؟ نعم، خيبة أمل، حزن، كل ذلك. لكن عندما عدنا الى إنكلترا، كنت قد تخطيت الأمر".
وتابع "كنت عمليا الشخص الوحيد (الذي تمكن سريعا من تخطي الأمر) لأني رأيت عائلتي (بعد العودة)، ولم يبدُ على ملامحهم أنهم قد تخطوا الأمر. أصدقائي أيضا. أذكر أنني كنت واقفا في الصف في مطار كييف (...) وقلت لنفسي: أريد أن أعود (للنهائي)، أريد أن أقوم بالأمر مجددا".
- "أفضل ليلة" -
في تصريحاته الأولى بعد التتويج باللقب القاري السادس في تاريخ ليفربول، والأول منذ 2005، لم يفت المدرب المولود في شتوتغارت الإشارة الى عائلته، علما بأن الفوز أتى قبل أسبوعين من عيد ميلاده الثاني والخمسين (ولد في 16 حزيران/يونيو 1967).
قال كلوب "أنا سعيد جدا لكل الشبان، لكل الناس، ولعائلتي. هم (أفرادها) يعانون معي، ويستحقون هذا (اللقب) أكثر من أي شخص آخر".
وتابع "هذه أفضل ليلة في مسيراتنا الاحترافية. احتاج الأمر الى بعض الوقت، لكن ذلك مهم من أجل تطورنا وتحسننا".
تمكن الألماني خلال الأعوام الماضية من تدوين اسمه في سجلات ليفربول، ليس على صعيد الألقاب التي كان دوري الأبطال 2019 أولها لكلوب "الليفربولي"، لكن للعلاقة الوثيقة التي نسجها مع المشجعين واللاعبين، وعملية إعادة البناء التي قام بها، وأعاد من خلالها الفريق الى منافس جدي على لقب بطولة إنكلترا الذي أحرزه للمرة الأخيرة عام 1990، والمسابقة القارية الأم التي توج بها للمرة الأخيرة في 2005.
لا يبذل أي جهد لإخفاء مشاعره تجاه اللاعبين: غضب، فرح، رقص، وحتى الجري على المستطيل الأخضر للاحتفال ومعانقتهم. الأمر سيان مع المشجعين، لاسيما مع أداء الأنشودة الأشهر "يول نيفر ووك ألون" ("لن تسير بمفردك أبدا").
عندما سألته الاندبندنت عن سر هذه العلاقة التي تربطه بالأندية التي يتولى تدريبها، أكان نادي البداية ماينتس (2001-2008) أو بوروسيا دورتموند (2008-2015) أو ليفربول حاليا، أجاب "لا أعرف. لكن كما نعرف جميعا، ثمة حياة واحدة لنعيشها، لذا يجب أن نخرج الأفضل منها".
أضاف "أحيانا يمكنك القيام بالأمر بنفسك، أحيانا كلا (...) أفهم أن كرة القدم هي جزء من الجانب الترفيهي للحياة. اذا أضجرنا الناس بشكل دائم، لماذا سيأتون (لمتابعة المباريات)؟ علينا أن نوفر لهم بعض الحماس. لا أعني الألقاب فقط، طبعا هي الهدف الأساسي، لكن بين البداية و(التتويج بـ) اللقب، يجب أن نمضي العديد من اللحظات الجيدة معا، وأعتقد أننا حققنا ذلك".
- تعلم من كرة القدم -&
عاشق موسيقى الـ "هيفي ميتال" يتولى تدريب فريق المدينة التي قدمت للعالم فرقة "البيتلز"، وأطلقت اسم جون لينون على مطارها.
المفارقات تلاحقه، ومنها الرقم 6: خسر ست مباريات نهائية تواليا قبل أن يفوز أمس ويحرز اللقب السادس في مسيرته كمدرب، والسادس لليفربول في المسابقة القارية.
لعبة الأرقام بالنسبة إليه كانت معيارا شخصيا ومهنيا. اختصر مساره بالقول للاندبندنت أن حبه لكرة القدم التي زاولها كلاعب مدافع لنحو 16 عاما "بدأ في سن الخامسة، وأصبحت مدربا في منتصف العقد الثالث من عمري. من دون أن أعرف، هذه الأعوام الـ28 كانت تربيتي".
نجح كلوب أينما حل. في 2004 تمكن من قيادة ماينتس الى دوري الدرجة الألمانية الأولى للمرة الأولى في تاريخه. مع دورتموند، حقق لقب الدوري مرتين تواليا، وقاده الى نهائي دوري الأبطال 2013. والآن لقب قاري مع ليفربول تعهد المدرب الألماني أن يكون "مجرد بداية" لمجد آت.
في مؤتمره الصحافي عشية المباراة النهائية، سخر الألماني الأشقر من سجله السلبي في المباريات النهائية، مفضلا أن يعتبر نفسه صاحب الرقم القياسي في أعداد الانتصارات في المباريات نصف النهائية.
لعل هذه المقاربة تختضر كلوب: شخصية مرحة كاريزماتية، قادرة على استنباط الإيجابيات من محطات قد يراها الآخرون سلبية محبطة.
عندما سألته الاندبندت عن خلفيات إيجابيته، قال "لا أتوقع أن تكون حياتي مثالية. حياتي أفضل بكثير مما توقعت لها أن تكون".
أضاف "الحياة هدية، علينا التعامل معها بعناية، والاستمتاع بها (...) لا أريد أن أكون الأفضل، هذا ليس هدفي. أريد جعل فريقي الأفضل".
التعليقات