مدريد: بفعل تناول أدوية لخفض التفاعلات المناعية والحفاظ على الأعضاء المزروعة، لا يتجاوب الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع مع اللقاحات بالطريقة عينها كسائر الأفراد... لذا فإن الخروج من الجائحة يبدو أكثر تعقيدا لهؤلاء.

وتقول أندريا لوبيز روبليز التي خضعت لعملية زرع كبد في سن السنتين "لن أقول +وداعا للإجراءات الصحية+ قبل أن يتلقى الجميع اللقاحات". وتعيش هذه الشابة البالغة 25 عاما حياة شبيهة بمن يصارعون الموت في خريف العمر.

وهي لا تتوانى عن ارتداء قمصان قصيرة تظهر ندوبها. وتقول "عليّ الاعتناء بكبدي يوميا وأدرك تماما أنني مدينة له بحياتي".

وتحاول أندريا أن تتفادى قدر الإمكان حضور الحفلات وارتياد صالات السينما أو القاعات الداخلية في المطاعم أو التنقل بالقطارات والطائرات.

كما تحمل معها باستمرار سائلا لتعقيم اليدين ولا تنزع الكمامة من نوع "اف اف بي 2" عن وجهها إلا لارتشاف بعض السوائل.

وتشكل عمليات الزرع مفخرة وطنية في إسبانيا مسقط رأس أندريا، إذ يتصدر البلد قائمة أبرز بلدان العالم على صعيد عمليات وهب الأعضاء منذ أكثر من ثلاثة عقود، مع ما يزيد عن 116 ألف عملية زرع (أكثر من 50 ألف واهب) منذ 1989.

وفي 2019، سجلت إسبانيا رقما قياسيا تاريخيا تمثل في وجود 48,9 واهبا لكل مليون نسمة. وحتى في أوج الأزمة الصحية، حققت إسبانيا نتائج أفضل مقارنة مع تلك المسجلة في بلدان أخرى حتى قبل الجائحة (37,4 واهبا لكل مليون نسمة سنة 2020 في مقابل 29,4 في فرنسا سنة 2019 و36,1 في الولايات المتحدة).

حتى قبل انتشار وباء كوفيد-19 في ربيع 2020، كانت ماغدالينا موسكال تلتزم التدابير الوقائية المتمثلة في وضع الكمامة والابتعاد عن الناس وعدم تبادل القبل.

وتروي الشابة البالغة 36 عاما المصابة بتليف كيسي والتي خضعت لزرع رئتين سنة 2008، أنها تعيش منذ زمن بعيد في فقاعة خاصة يشكل فيها أي عنصر غريب تهديدا عليها. وتقول "فجأة بات الجميع يعيشون واقعي الشخصي".

وهي تلقت اللقاح المضاد لفيروس كورونا في أيار/مايو، وتجهل ما إذا كان جسمها طوّر مناعة ضد الفيروس. وهي تضع كمامة من نوع "اف اف بي 3" في الشارع وتعقم كل شيء حتى الكوب والملعقة اللذين يضعهما النادل أمامها.

وتوضح ماغدالينا "أنا هنا لأنني أعتني بنفسي منذ البداية. إذا توقفت عن إبداء الحذر المطلوب ستكون العواقب وخيمة عليّ".

وتضيف "نحن سنكون أكثر اطمئنانا عندما تصبح نسبة التلقيح بين السكان 100 %". وهي تقصد بـ"نحن" الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع إذ إنهم مضطرون لتناول الأدوية مدى الحياة تفاديا لخطر رفض الجسم للعضو المزروع، لكن آثار هذه العقاقير قد تعيق عمل اللقاحات.

وبيّنت دراسة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأميركية في مطلع أيار/مايو أن من أصل عينة تضم 658 شخصا خضعوا سابقا لعملية زرع أعضاء وتلقوا أخيرا لقاح كورونا، 54 % لا غير لديهم "أجسام مضادة بكميات قابلة للرصد".

وتؤكد إيستيلا باز أرتال رئيسة قسم العلاجات المناعية في مستشفى "12 أكتوبر" في مدريد أن العلاج الذي يخضع له المرضى الذين أجروا عمليات زرع "يجنبهم بلا شك خطر رفض جسمهم للعضو المزروع لكنه يعيق أيضا أي استجابة مناعية لديهم، خصوصا للحماية من الجراثيم والفيروسات".

وتضيف "نسبة كبيرة من المرضى الذين خضعوا لعمليات زرع لا يكوّنون أي أجسام مضادة أو خلايا دفاعية بعد تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا".

لكن الطبيبة الإسبانية تؤكد أن "اللقاح والاستجابة الناجمة عنه، مهما كانت ضعيفة، أفضل من عدم تلقي اللقاح بتاتا. الرسالة الواجب اعتمادها هي أن اللقاح واجب".

وتشاطر هذا الرأي أيضا مديرة المنظمة الوطنية لعمليات الزرع بياتريز دومينغيز-غيل التي تشير إلى أن نسبة "الوفيات الناجمة عن كوفيد تبلغ 21 % للسكان الذين خضعوا لعمليات زرع في إسبانيا، ما يفوق بكثير نسبة الـ2 % لدى سائر الفئات السكانية".

ويظهر الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع وعيا بالمخاطر أكثر من أي أحد آخر.

وتشكل حبات الدواء المئة التي يتناولها رافاييل غارسيا يوميا منذ خضوعه لزرع رئتين قبل خمس سنوات، تذكيرا دائما بضرورة الانتباه "كل يوم وكل ساعة" لصون "الهدية" التي تلقاها.

ويعيش هذا الأربعيني مع زوجته ما يشبه حياة النسّاك، كما لو أنه "غير ملقّح"، إذ إن عمليات التبضع تحصل كلها عبر الإنترنت مع تفادي الالتقاء بأي كان في الشارع حتى مع وضع كمامة "اف اف بي 2".

وتعتزم السلطات الصحية التي وضعت الأشخاص الذين خضعوا لعمليات زرع ضمن أولويات حملة التلقيح، تقديم جرعات تلقيح إضافية لهؤلاء.

وتقول بياتريز دومينغيز-غيل "يتعين البحث عن بدائل وزيادة فعالية اللقاح لهذه الفئة من المرضى. على هؤلاء حتى اللحظة الإبقاء على تدابير الحماية الذاتية، كسائر الآخرين لكن بدرجة أكبر".