ليس تنجيماً ولا ضرباً في الرمل القول إن السنة 2010 ستكون الأخطر على نظام الجمهورية الإسلامية الذي أرساه الإمام الراحل الخميني ورفاقه عام 1979. فهي ستكون على ما لاحت البوادر سنة الإنقسام الداخلي العميق والتدهور الذي لا رجعة عنه في العلاقة بين المتشددين الممسكين بالحكم والمعترضين الإصلاحيين من داخل النظام، والذين لم يهدأوا رغم كل التوقعات المخالفة منذ الإنتخابات الرئاسية في 12 حزيران/ يونيو الماضي.

إيلي الحاج من بيروت: اهتزت إيران بعد الإنتخابات الرئاسية في 12 حزيران/ يونيو الماضي التي أسفرت عن ولاية ثانية مهزوزة من أربع سنوات للرئيس محمود أحمدي نجاد، لكنها لم تقع وقد لا تقع، ليبقى النظام في خضم متلاطم من الإحتمالات السيئة خصوصا أن موضوع تسلح إيران النووي يذهب في اتجاهات مقلقة تتزايد معها عزلة طهران سياسيا ودبلوماسيا على نحو لا سابق له، والعقوبات الدولية الواسعة تطل برأسها في ظل وضع اقتصادي خانق أبرز معالمه التضخم وعدم القدرة على التحديث.

وليس ترجيحا ولا من باب التمني إن السنة ٢٠١٠لا بد أن يتخللها حسم في الملف النووي الإيراني إما سلباً وإما إيجاباً، فمرحلة المراوحة لا يمكن أن تطول أكثر، وسياسة اليد الممدودة للمصافحة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في رسالة شهيرة إلى القادة والشعب الإيرانيين في 20 آذار/ مارس الماضي انتهت مفاعيلها إلى لا شيء عملياً، وها هي طهران تمهل العالم بدل أن تتعامل مع المهلة التي أكدتها الدول الكبرى مرارا بالإعلان أن نهاية السنة 2009 هي موعد انتهاء الوقت المتاح للتفاوض وبعد ذلك سيكون شأن آخر.

هكذا سيدور البحث في كواليس عواصم القرار من الآن فصاعدا على تحديد العقوبات التي تؤذي الحكم الإيراني ولا تؤذي الشعب ، وهذا منحى خطر تصاعدي يوصل في نهاية الأمر إلى مواجهة لا شك إنها إذا حصلت فستكون مدمرة ولن تقع عواقبها على إيران وحدها بل على المنطقة بأكملها ، وستتأثر بتداعياتها دول العالم بأسره، وبشدة.

وليس الأمر مقتصراً على مواجهات مع الداخل ومع المجتمع الدولي ، فبين إيران والعالم العربي مواجهة صامتة ولكن ضارية ومرشحة للتفاقم خلال الأشهر الآتية بعدما أثبتت طهران قوة نفوذها على التوالي في لبنان من خلال quot;حزب اللهquot; وفي العراق من خلال الحلفاء الموالين لها من تنظيمات وشخصيات شيعية، وفي فلسطين من خلال حركةquot;حماسquot; ، وأخيراً في اليمن من خلال تمرد الحوثيين الذين تدعمهم.

وفي تقرير دبلوماسي ورد إلى بيروت قبل أيام تأكيد للمؤكد ، وهو إن مشروع طهران النووي يحمل في طياته احتمالات جر الشرق الاوسط الى أتون مواجهة مباشرة مع القوى الدولية. وإن طهران تمارس في ادارتها للأزمة النووية لعبة quot;حافة الهاويةquot; على رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها لها المجتمع الغربي سواء من خلال القبول بحقها بحيازة الطاقة النووية، أو عبر المبادرات الايجابية التي تمخض عنها لقاء جنيف من خلال اقتراح استبدال اليورانيوم الذي تمتلكه ايران بآخر مخصب وجاهز للتشغيل ، ولكن بشرط أن يُنتج في دولة أخرى. فطهران تواصل أسلوب المناورة عند الحد الفاصل بين القبول المشروط والممانعة المستترة، مما يعززاقتناع الأطراف الدوليين والاقليميين، وفي مقدمهم اسرائيل، بوجود مخطط ايراني للتسويف وشراء الوقت اللازم لإنتاج السلاح النووي وفرضه أمرا واقعا على المجتمع الدولي.

في ظل المرواغة الايرانية هذه والقلق الدولي المتعاظم، تبدو المنازلة العالمية مع الجمهورية الاسلامية في طريقها نحو اشكال جديدة من التصعيد، خصوصا بعد تلويح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف باللجوء الى خيارات أخرى في التعامل مع طهران، في خطوة مخالفة لكل المواقف السابقة لموسكو، مستكملا خطوات سابقة لا تقل عنها أهمية ، ابرزها تجميد صفقة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات الأكثر تطوراً من نوعS 300، كانت تعوّل عليها طهران لحماية منشآتها النووية، مما رسخ الإعتقاد بتموضع جديد لموسكو من ضمن جبهة التصدي للمشروع النووي الايراني من جهة، واستعدادات المجتمع الغربي للانتقال باستراتيجية المواجهة ضد طهران الى مستوى أعلى.

أما الصين التي تبدو أحياناً داعمة للموقف الإيراني، فإنها تستغل هذا الملف في حقيقة الأمر من اجل دخول السوق الإيرانية، وقد نجحت بكين في استغلال المقاطعة الاقتصادية التي سببتها العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على طهران، ليكون الميزان التجاري في العلاقات الثنائية لمصلحة الصين، في حين لم تنجح السياسة الإيرانية في الانضمام الى quot;منظمة شنغهاي للتعاونquot; التي تتناغم مع سياسة طهران في الاتجاه لدعم المحور الشرقي على حساب المحور الغربي. كما أن الصين لم تقف ضد أي من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، بل وافقت عليها بالإجماع، حتى انها لم تعط لنفسها خيار quot;الامتناع عن التصويتquot; عليها.

وأما تركيا فانها ترغب في أداء دور الوسيط في الملف النووي الإيراني، ليس إرضاءً لطهران، بل تحاول من خلال ذلك إثبات أهمية دورها للأوروبيين المترددين في قبول انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، وإثبات أنها شريك قوي يمسك أوراقاً مهمة في الشرق الأوسط ويستطيع خدمة مصالح الاتحاد، إضافة الی رغبة quot;حزب العدالة والتنميةquot; الحاكم في التحول لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط. إلا أن الحكام الإيرانيين لم يعطوا الاتراك حتى اليوم، إشارات إيجابية في شأن أدائهم دور الوسيط، وذلك بذريعة انهم لا يريدون تكرار تجربتهم مع الدول الغربية، عندما فتحت أبواب الحوار مع إيران في حين كانت هذه الدول تحت وطأة الضغط الأميركي القوي عليها.

وفي التقرير أيضاً إن مشروع طهران السياسي في العالمين الاسلامي والعربي ينطوي على أخطار تحويلهما مسرحا لحروب مذهبية لا يمكن التنبؤ بحدودها أو بنتائجها الكارثية. فمجريات الأحداث في الشرق الاوسط والتطورات المتفاقمة على امتداد العالمين الاسلامي والعربي باتت تؤكد يوما بعد يوم أن مشروع طهران السياسي تحول صاعق تفجير لأشكال توترات وتناقضات تاريخية التي تعانيها المنطقة. تناقضات ظلت حتى وقت قريب داخل دائرة الإحتواء والسيطرة، لكنها لم تعد كذلك عملياً بعد رعاية الجمهورية الإسلامية لقوى متطرفة وتحويلها أدوات استراتيجية تصب في مصلحة طموحات إيران إلى دور القوة المهيمنة على المنطقة الممتدة من سواحل المتوسط حتى بحر قزوين.

لذلك يبرز تأثير إيران على أشده في العراق من أجل الحسم في تحديد مستقبل هذا البلد المجاور لها والشديد الحساسية بتعقيداته، وفي الأراضي الفلسطينية عبر محاولة quot;حماسquot; تقويض كل مقومات السلطة الفلسطينية وتكريس أراضي الدولة الموعودة قاعدة عسكرية تدور بكاملها في الفلك الايراني، وفي لبنان حيث أصبح quot; حزب اللهquot; لاعبا اقليميا، وفي مصر التي تحاكم خلية للحزب المذكور بتهم القيام بنشاطات عسكرية واستخبارية تتعارض مع سيادة مصر ومصالحها، وصولا الى اليمن التي تخوض حربا عسكرية مصيرية مع جماعة الحوثيين المدعومين من الجمهورية الاسلامية، الى السعودية التي تحركت لدرء أخطار الاستراتيجية الايرانية من خلال الجماعة نفسها. وقد يكون ما تشهده الحدود اليمنية السعودية من حربٍ مشتعلة فاقت كل التقديرات ومن اتهامات رسمية ايرانية مباشرة إلى المملكة منعطفا خطيراً في تظهير أبعاد المشروع الايراني الذي يمكن أن يفجر كل التناقضات في المنطقة.

والخلاصة دعوة إلى إبقاء الأعين مفتوحة خصوصا على ما يجري في اليمن مع انتقال التهديد الايراني من مستوى التحديات المستترة التي اقتصرت حتى اليوم على توسع نفوذ طهران في العراق وفي فلسطين وفي لبنان، الى مستوى التحدي المكشوف، حيث أصبحت الرياض على تماس مباشر مع أحد أقوى الامتدادات المذهبية والأذرع العسكرية لإيران. وفي الواقع يخطىء كثيراً من يعتقدون أن تحرك الحوثيين هو مجرد تمرد عادي لجماعة محدودة الإمكانات والأهداف.