في الوقت الذي تطلعت فيه الأنظارإلى شرم الشيخ واللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المصري حسني مبارك للبحث في إمكانيات واحتمالات استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أكد الصحافي الإسرائيلي، داني روبنشتاين، المختص في الشؤون الفلسطينية، من صحيفة هآرتس، أن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لن يفضي إلى عقد اتفاق بين الطرفين.

تل أبيب:اعتبر الصحافي الإسرائيلي، داني روبنشتاين، أن الوضع السائد في إسرائيل حالية في ظل الساحة الحزبية القائمة في إسرائيل، غير قادر على دفع ثمن السلام المطلوب لأن دفع هذا الثمن من شأنه أن يؤدي إلى احتراب داخلي في إسرائيل نفسها.

وقد أجرى مراسل إيلاف، مقابلة هاتفية مع روبنشتاين، الذي كان قد وضع كتابًا عن مفاوضات كامب ديفد 2000، حول رؤيته للتطورات الأخيرة وأهمها زيارة نتنياهو لمصر ولقائه مع مبارك، وكذلك لقاء عباس مع الرئيس المصري حسني مبارك. وردًّا على سؤال ما إذا كان يرى احتمالاً باستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قال روبنشتاين لإيلاف: إنه من المحتمل أن تؤدي التطورات الأخيرة، والتحرك المصري ولقاءات مبارك على استئناف للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لكنني لا أعتقد أن هذه المفاوضات ستؤدي إلى نتيجة ما. فأنا أتحدث انطلاقًا من معرفتي للوضع الداخلي في إسرائيل، فالثمن الذي سيتوجب على إسرائيل دفعه ، والتنازلات هي غير ممكنة، وليس ذلك بسبب الجانب الفلسطيني وإمكانية تقديم إسرائيل لهذه التنازلات، وإنما من حيث الثمن الداخلي في إسرائيل، إذ قد يؤدي ذلك، في ضوء الأوضاع الراهنة إلى احتراب إسرائيلي داخلي قد يصل إلى حد حرب أهلية ، فلا توجد في إسرائيل اليوم قوى سياسية كافية تمكن تقديم كل هذه التنازلات، وكل من سيحاول تقديم هذه التنازلات سيواجه عاصفة رفض قوية لن تمكنه من تنفيذ ذلك.

إيلاف: ولا حتى في حالة تعاون حزب ديما مع الليكود والعمل والاعتماد على أصوات ميرتس والأحزاب العربية، حيث ستتوفر أغلبية تزيد عن 60 صوتًا ويمكن تمرير الاتفاق عندها في الكنيست؟

روبنشتاين، صحيح أن أغلبية كهذه مهمة بطبيعة الحال، ولكن احتمال تحقق هذا السيناريو هو صعب للغاية، فما أعتبره مهما، هو أن الوضع الحالي مريح للغاية لإسرائيل، فالاحتلال لا يكلف إسرائيل حاليًا الكثير، بل إنه قد يكون في الظروف الحالية مربحًا لها. صحيح أنها تدفع ثمنًا، وهو ثمن زهيد عمليًّا، يتمثل بنوع من المقاطعة الخفيفة المفروضة عليها عالميًّا، ومقاطعة بعض المنتجات والبضائع الإسرائيلية ، وهناك تقرير غولدستون، لكن هذا كله ثمن يمكن احتماله مقارنة بالثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل في حال تحقيق بعض الانسحاب. أي أنه كلما ازداد الضغط الخارجي كان الثمن الداخلي اقل، هذه عمليًا هي المعادلة الحالية. ووفق هذه المعادلة فإن الثمن المطلوب هو ثمن لا يمكن لحكومة إسرائيل الحالية أن تدفعه.

إيلاف: حتى في حال توفر أغلبية كبيرة، أكبر من الأغلبية التي توفرت لرابين عند التوقيع على أوسلو، وحتى في حال كون الأغلبية تفوق الستين نائبًا من دون أصوات أعضاء الكنيست العرب؟

روبنشتاين: الفرق أنه عندما كان رابين يمرر مشروع أوسلو لم يكن موضوع تقسيم القدس مطروحًا على جدول الأعمال كما هو اليوم. وفي موضوع القدس فإنه لا تتوفر اليوم أغلبية في الكنيست توافق على تقسيم القدس، وبالتأكيد ليس في صفوف الليكود ولا عند نتنياهو نفسه، فهو غير مستعد لذلك، أي أننا نبقى مع ميرتس والعرب، ولا يمكن إقامة دولة فلسطينية من دون القدس، وأنا لا أرى أي تنازل إسرائيلي في القدس، وإذا حدث مثل ذلك وهو أمر أستبعده، فلا يمكن اليوم إخراج مستوطن واحد من المستوطنات في الضفة الغربية فهل تعتقد أنهم سيقومون بإخلاء القدس وتقسيمها ، أعتقد أن هذا الأمر غير وارد بالحسبان.

إيلاف: هل هذا غير ممكن لاستحالة القيام به أم لأن رئيس الحكومة نفسه لا يريد دفع الثمن السياسي لإخلاء المستوطنات؟
روبنشتاين: نتنياهو غير مستعد لدفع الثمن ولا يريد أصلا القيام بذلك، فلو كنت متيقنًا أنه عاجز عن القيام بذلك لكان موقفي مغايرًا، لكنه لا يزال لغاية الآن يعلن المرة تلو الأخرى أنه لا يريد دفع الثمن، فموضوع القدس موضوع حاسم للغاية، فقمة كامب ديفد، وقد كنت هناك لتغطية أحداثها، بين عرفات وبراك حيث تعثرت المفاوضات كليًّا حول مصير القدس، صحيح أنه كانت هناك نقاط أخرى تعثرت فيها المفاوضات مثل الحدود والمستوطنات وغيرها وموضوع ارئييل الذي يزعج لغاية اليوم أبو مازن، فقد توصل أبو مازن إلى اتفاق حول كل شيء تقريبًا مع إيهود أولمرت باستثناء القدس والكتلة الاستيطانية شمالي القدس ومسالة تبادل المناطق، ولا أرى أنه طرأ أي تغيير في موضوع القدس في السنوات العشر الأخيرة منذ مؤتمر كامب ديفد.

إيلاف: أي أن خطاب نتنياهو في بار إيلان، هدف أساسًا إلى التخلص من الضغوط التي مورست على إسرائيل، وهو ينجح لغاية الآن في المناورة بين مختلف الأطراف!

روبنشتاين: وكذلك الأمر في مسألة تجميد الاستيطان، فقد هدف الإعلان عن هذه الخطوة إلى تخفيف الضغوط عن إسرائيل، وحتى قبوله بمبدأ الدولتين، ولا أريد أن اصف هذا القبول بالخداع، لكنه أمر مضحك أن أسمع بعد 15 سنة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، يوافق على مبدأ الدولتين، أو ما قاله الوزير ليبرمان بأن القبول بهذا الأمر هو quot;معروفquot; وبادرة حسن نيةquot; من إسرائيل ، الفلسطينيون أصلا لا يهمهم اليوم هذا الأمر فهم يقبلون أصلا بفكرة الدولة الواحدة، قيام دولتين هو في صالح إسرائيل بالأساس. الهدف الأساسي لنتنياهو من هذه التحركات هوالتخلص من الضغوط الدولية، والتخلص من ضغوط أوباما.

إيلاف: ولكن ما الذي يدفع مصر والحالة هذه لتقدم لنتنياهو طوق النجاةوالمفاوضات لن تفضي إلى شيء وهي تعلم ذلك؟

روبنشتاين: لأن هناك ضغوطًا كبيرة تتمثل في حركة حماس، فمصر تشارك عمليًا في الحصار على قطاع غزة، وهو أمر يبدو لي غريبًا، وكذلك أمر الجدار الفولاذي. فمصر تخاف من حماس، ربما ( وأقول ذلك مع بعض التحفظ) أكثر مما تخاف إسرائيل نفسها من حماس.

إيلاف: ما الذي يسعى إليه نتنياهو عمليًا:

روبنشتاين: نتنياهو يريد من مفاوضات العامين، أن يصل إلى السنة الرابعة لحكم اوباما، وعندها سيكون أوباما مشغولاً في الانتخابات ولن يضغط على إسرائيل، وهو تقريبًا ما كان في السنوات الأخيرة، اللعب على عامل الوقت، وفي غضون ذلك قد يهرب نتنياهو إلى المسار السوري ويقوم بتحرك المسار السوري من جديد، حيث يتجاوب السد عندها بعض الوقت لأنه سيرغب بالحصول على شرعية في العالم، وهو مدعو للقاء ساركوزي وبالتالي فإنه quot;سيتعاونquot; بعض الشيء مع حكومة نتنياهو، هذه اللعبة مستمرة منذ عامين ولا يوجد أدنى سبب لئلا تستمر عامًا إضافيًا آخر.

إيلاف: تقول هذا على الرغم من الخطة الأميركية الجديدة التي نشر عنها اليوم؟ أي أن هذه الخطة لن تطبق في نهاية المطاف؟

روبنشتاين: ستطبق هذه الخطة تمامًا مثلما طبق مخطط روجرز، وخطة ريجان ومسار كلينتون، يمكنني أن أعد لك قائمة طويلة لا تنتهي من هذه الخطط، أنا أشكك في احتمالات وفرص هذه المفاوضات بسبب تجربتي الطويلة وخبرتي على مر أكثر من أربعين عامًا، في مواكبة هذه التحركات والمشاريع ،ولا أرى أي شيء على ارض الواقع، لهذا السبب أنا متشائم اليوم، وهو تشاؤم يتعزز باستمرار، فأنا أرى أنه حتى في الجانب الفلسطيني اليوم، فإن عدم الثقة في احتمالات السلام يتفاقم، وهناك قناعة اليوم في الجانب الفلسطيني بأنه لن تقوم دولتان، وهناك ميل متعاظم لتأييد حماس، ويأس وقنوط من احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.