لم تصمد كثيرا اتهامات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ورئيس حكومة ولاية بافاريا هورست للمسلمين بالحؤول دون التعددية الثقافية في البلاد، امام ارقام دوائر الهجرة التي تفضح حقيقة التصريحات. وفي وقت يرى المراقبون ان الحملة الاخيرة هي ضمن الخطة الانتخابية، تؤكد ارقام دائرة الهجرة تراجع نسبة المهاجرين المسلمين الى المانيا في السنوات الاخيرة فضلا عن عودة العديد من المهاجرين من اصول عربية الى بلدانهم.


فتحت تصريحات الساسة الألمان الأخيرة حول المهاجرين العرب والمسلمين في ألمانيا الباب واسعا أمام جدل عميق يحتدم ويتصاعد يوما بعد يوم بين كتلة المحافظين الذين يروّجون لأنفسهم انتخابيا وكتلة المعارضين التي ترى أن المهاجرين والإسلام هم جزء من هذه البلاد التي يجب ان يتمتعوا فيها بالقبول والاحترام.

وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل سارت على نهج شريكها في الائتلاف الحاكم رئيس حكومة ولاية بافاريا هورست زيهوفر ونعت في كلمة لها اخيرًا في بوتسدام امام مؤتمر لشباب التحالف المسيحي الديمقراطي التعددية الثقافية. غير أن ميركيل طالبت أيضا الأجانب باحترام قوانين هذه البلاد، لكنها لم تكشف لا من بعيد ولا من قريب عن خطط الحكومة الألمانية المشجعة على الاندماج في المجتمع الألماني المتحفظ في الأساس ضد كل ما هو اجنبي.

ردود فعل مناهضة

وفي هذا الاطار، رصدت إيلاف عددا من آراء الخبراء، وقالت الناشطة في مجال الاندماج واعادة تأهيل الاتراك في المانيا اوسلام ياسمين quot;إن اللغة الالمانية هي ضرورة مهمة للوافدين الجدد. وأهمية اللغة من واقع تجربتي هي المفتاح السحري في المانيا لمعرفة الحقوق ومن ثم ايضا الحصول على وظيفة مناسبةquot;. وتضيف quot;ان الالمان يجتهدون كثيرا لمعرفة اللغات الحية الاخرى ولذلك هم ينتظرون من الاخرين ان يكونوا على القدر نفسهquot;.

اما اجنس كروم وهي من حزب الخضر في ولاية بافاريا فتقول quot; إن ما يزعجني حقا هو لجوء الحزب الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي المسيحي إلى الابتعاد عن أصول المشكلة الحقيقية ..والتي ينبغي مناقشتها بالفعل. هنا هيquot; الحقوقquot; أي حقوق المهاجرين وليس تزييف الحقائق والهروب إلى أشياء فرعية مثل صعوبة الاندماج أو عدم إيجاد اللغة الألمانيةquot;. وتستطرد قائلة quot;ليس من العدل ان نضع الناس في صناديق مقفلة ثم نطالبهم بالاندماج وننسى او نتناسى أن علينا دورا في هذا المجال أيضاquot;. ثم تتساءل قائلة quot;اين هو الاحترام والتسامح في هذه البلاد بعد تلك التصريحات التي سمعناها الان؟quot;.

بدورها تقول نائبة رئيس الرابطة التركية في المانيا ايلف سيندق لـ إيلافquot; على الساسة الالمان المعادين لهجرة الاتراك والعرب ان يقوموا بذكر التجارب الناجحة من حالات الاندماج في المجتمع وهي عديدة وكثيرة. وعليهم عدم التحدث فقط بصفة العموميةquot;. وتستطرد قائلة quot;هناك نجاحات عديدة للاتراك المقيمين في المانيا ..ويجب وقف هذا الحديث المتكرر والمتعنت والذي يسبق دائما الانتخابات ويتجدد في كل مرة لينصب على الهجرة والمهاجرينquot; ..وتضيف قائلة quot; الجميع يعرف ان الاتراك الذين رحلوا عائدين الى تركيا في غضون السنوات القلية الماضية اكبر بكثير من الوافدينquot;.

من ناحيته انتقد الامين العام للمجلس الاعلى لليهود في المانيا شتيفان كرامر في حديث لوكالة الانباء الالمانية تصريحات زيهوفر غير المسؤولة ووصفها بالمتدنية سياسيا وفيها من النفاق. وقال ان هذه التصريحلت تحمل الكثير من الاساءة الى المهاجرين من كل الجنسيات في المانيا.

ما مدى التسامح تجاه المسلمين في المانيا؟

تطرح هذه التصريحات التي تحمّل الاجانب مسؤولية عدم الاندماج وعدم افادة المجتمع الالماني تساؤلات عن مدى التسامح الذي يمكن رصده في المانيا تجاه الاسلام والمسلمين. وكان الرئيس الالماني كريستيان فولف ذكر ان الاسلام والمهاجرين المسلمين هم جزء من هذه البلاد وان التصريحات اليمينية المتطرفة ما هي الا دعاية انتخابية تتكرر كل سنة قبل الانتخابات النيابية وهي محاولة لجذب أصوات المحافظين واليمنيين التي تتصاعد ليس في ألمانيا وحدها بل في أوروبا كلها.

ويقول المراقبون بهذا الصدد إن تلك الاصوات اصبحت تتعدى نسبة الـ25% في المانيا وهي اصوات ترجح كفة المستشارة الالمانية التي تدنت نسبة مؤيديها في الشارع الالماني نحو 40% وفق آخر الإحصائيات، وربما هي تحاول المراهنة عليها في الانتخابات القادمة.

وفي السياق نفسه كشفت عدة مقالات في الصحف الالمانية الدوافع التي وقفت وراء تصريحات هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا، واكدت انها من نوع النفاق السياسي حاول فيها التقرب من الناخبين الالمان قبيل الانتخابات المرتقبة، لذلك لم يكن هناك وسيلة للوقوف بجانب الحزب الا بهذه التصريحات المشينة.

وتكشف معطيات الامور زيف تصريحات زيهوفر، كما تفضح طريقته في جذب أصوات الناخبين وهي لعبة سياسية رديئة معروفة يستغل فيها السياسي الاحداث المشتعلة ويكذب من أجل جمع أصوات انتخابية دون ان يدعم تصريحاته بأرقام ثبوتية.

الالمان يتركون المانيا في هجرة معاكسة

في هذا الاطار تحاول ايلاف كشف بعض الجوانب الخفية من تصريحات زيهوفر بالاطلاع على أرشيف الهجرة الالماني الذي نجد فيه احصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين من والى المانيا. ففي العام الماضي هاجر من المانيا 738 الف شخص متجهين صوب اقطار العالم المختلفة، ووفق تقارير دوائر الهجرة الالمانية فإن هذا العدد يزيد بمئة الف حالة عن العام الذي سبقه، ويصنف التقرير المواطنين المهاجرين من المانيا بأن 563 الف منهم ينحدرون في الاساس من اصول اجنبية، وفقط 175 الف من اصول المانية.

اما تقارير دوائر الهجرة في ولاية بافاريا تذكر انه في عام 2008 تزايد عدد الذين تركوا ولاية بافاريا مهاجرين الى الخارج بنسبة تفوق عدد المهاجرين اليها وتقول احصائية صدرت هذا العام بأن عام 2009 لم يسجل في قوائم الهجرة الوافدة الى الولاية اي من الدول العربية الاسلامية. وظلت قائمة المهاجرين تشغلها عشر دول اوروبية احتلت تركيا فيها المرتبة الثامنة وهو ما ينفي مزاعم زيهوفر عن هجرة العرب والمسلمين الى بافاريا. كما جاء ترتيب الجنسيات المهاجرة الى بافاريا كالاتي: بولندا، رومانيا، المجر، النمسا،الولايات المتحدة الاميركية، ايطاليا، بلغاريا، تركيا ثم سلوفاكيا وروسيا ولم يكن هناك ذكر لدولة عربية واحدة. ويقول مسؤول في مكتب الهجرة ان الوضع هكذا منذ 5 سنوات ولم تسجل فيه دولة عربية واحدة على قوائم المهاجرين الى ولاية بافاريا.

جدير بالذكر ان الهجرة التركية هي الاخرى تقلصت كثيرا الى المانيا ففي العام الماضي 2009 زادت الفجوة بين القادمين الجدد والراحلين بعدد فاق ال 2216 رحلوا من المانيا عائدين الى تركيا.

العرب ليسوا مسؤولين عن فشل التعددية الثقافية في بافاريا

لم يفهم الكثير من ابناء الجالية التركية والعربية مشكلة تعلم اللغة الالمانية التي طالبت بها المستشارة الالمانية انجيلا ميركل. فكثير من الالمان الشبان وكثير من ابناء المهاجرين الالمان الذين تلقوا تعليما عاليا تركوا المانيا باحثين عن فرص افضل في دول الخارج كالسويد وسويسرا والولايات المتحدة. ويقول الباحث العلمي في جامعة ميونيخ يان بادر لـ إيلاف إن كثيرا من العلماء الشبان في المانيا يذهبون للعمل في اميركا بالنظر الى الكثير من الاغراءات التي تقدم لهم. كذلك هناك فريق آخر يذهب الى سويسرا خاصة العاملين في المجال الطبيquot;. ويقول احمد شعبان المولود في المانيا quot;انا عربي الماني اجيد اللغة الالمانية ولست معنيا بما تقوله المستشارة الالمانية فهي موجهة الى طائفة بعينها وليست ليquot; .

جدير بالذكر ان هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا وانجيلا ميركل حددا بشكل دقيق من هو المسؤول عن موت التعددية الثقافية في البلاد، الا ان الارقام مرة اخرى تؤكد ان العرب غير ضالعين في هذه المهمة. ففي سنة 2009 سجلت دوائر الهجرة عدد العراقيين المهاجرين الى المانيا باكثر من 2362 مهاجرا اغلبهم من المسيحيين الذين رحبت المانيا بهجرتهم.. وفي الوقت ذاته عاد الى العراق 927 شخصا. ويلي العراق مصر التي وفد منها الى الولاية 407 أفراد ورحل منها 328 ثم المغرب الذي جاء منه 275 مقابل عودة 210، اما تونس فقد سجلت نسبة الوافدين الجدد 241 في مقابل 268 عادوا الى الوطن ، اما الجزائر فقد سجلت نسبة 114 في مقابل 99 عادوا الى موطنهم.

وتكشف هذه الارقام مدى الظلم الذي يقع على العرب بشأن اتهامهم بانهم يشكلون صعوبة في الاندماج وانهم لايحسنون تعلم اللغة الالمانية، والامر في حقيقته لايبدو كذلك فالمانيا تجبر الاجانب المهاجرين الذين يتزوجون من مواطنين او مواطنات على تعلم اللغة الالمانية والحصول على شهادة معتمدة من معهد غوته حتى يحصلوا على فيزا دخول للاراضي الالمانية. وهذا القانون مطبق منذ عام 2007 . فضلا عن ان مكاتب العمل في ولايات المانيا المختلفة تجبر المهاجرين الذين يسجلون انفسهم في مراكز البطالة من الذهاب الى دورات تعلم اللغة الالمانية. لكن دوافع الحزب الحاكم حول الهجوم على الاجانب لاتزال غير مفهومة.