ساعدت ثلاثة عقود من الحروب والمشاق الاقتصادية والمعيشية الحادة في انتشار الكحول والمخدرات في العراق. وقد سجل أخيرا تنامي هذه الظاهرة في صفوف القوات العراقية. فانواع المخدرات المتوفرة في السوق عديدة بينها quot;الدمويquot; وهو من ايران وquot;اللبنانيquot; وفي حال تعسر الحصول عليها، يتناول المدمن عددا من قناني أدوية السعال.


يشير المراقبون الى ظاهرة مقلقة في أوساط الجيش وقوات الشرطة العراقية تتمثل في ارتفاع معدلات تعاطي الكحول والمخدرات. ويهدد هذا الوضع بانهيار الأمن تماما مع رحيل القوات الأميركية عن البلاد نهاية العام المقبل.

ونقلت laquo;نيويورك تايمزraquo; في تقرير لها قول عدد من مسؤولي الجيش والشرطة إن 50 في المائة من زملائهم، بمن فيهم ضباط رفيعو المستوى، يتعاطون إما الكحول أو المخدرات أو كلتيهما خلال ساعات قيامهم بواجباتهم الرسمية.

يذكر أن الولايات المتحدة أنفقت منذ العام 2004 أكثر من 22 مليار دولار لإعداد القوات العراقية ومدّها بما تحتاجه من معدات لضمان أمن البلاد بعد رحيل قواتها. وبينما لا توجد إحصاءات دقيقة عن المشكلة وسط قوام تلك القوات المؤلفة من 675 ألف شخص، فقد أظهرت لقاءات الصحيفة مع جنود ورجال شرطة وصيادلة وأطباء وحتى تجار مخدرات، تنامي هذه الظاهرة في صفوف الجيش والشرطة خاصة في نحو الاثني عشر شهرا الأخيرة.

ويقول اولئك الذين يقرّون بتعاطيهم الكحول و/أو المخدرات أثناء آدائهم واجباتهم إنهم مدركون لحقيقة أنها تقود الى مسلك لا يمكن التنبؤ به. لكنهم يلقون باللائمة على ساعات العمل الطويلة في نقاط التفتيش والخوف من رؤية زميل لهم وهو يلقى حتفه بشكل بشع.

أرخص من السجائر

يقول نزهان الجبوري، وهو ضابط شرطة بمحافظة نينوى في شمال العراق إن أسعار حبوب المخدرات laquo;أرخص من أسعار السجائر. وهي تنسينا الجوع وتمنحنا الصبر على التعامل مع الناس والشجاعة أمام الموت قتلا في أي لحظةraquo;.

ويعترف بعض كبار الضباط في القوات المسلحة والشرطة بأنهم يتجنبون معاقبة متعاطي المخدرات لأنهم في الأغلب جنود أو شرطيون أشاوس غير هيّابين من الموت. ويقول الكولونيل مثنى محمد، من محافظة بابل في وسط العراق جنوب بغداد، إن المشكلة تتفاقم يوما بعد الآخر لأن العلاج الطبي من الإدمان يكاد ينعدم في البلاد. ويضيف laquo;تزايدت نسبة متعاطي الكحول والمخدرات إذ لا يوجد طاقم طبي يساعدهم على التخلي عنها بالإضافة الى غياب فحوصات الدمraquo;.

نكران

لكن الجنرال محمد العسكري، الناطق باسم وزارة الدفاع، ينكر وجود المشكلة أصلا. ويقول: laquo;كل هذه التقارير مبالغ بها. قد تجد جنديا أو اثنين ممن يتعاطون الكحول او المخدرات وسط لواء بأكمله. لا اعتقد أن في الأمر مدعاة للقلق ولن يشكل الآن او في المستقبل تهديدا للأمن العراقي مطلقاraquo;.

ويضيف الجنرال قوله: laquo;لدينا نظام استخبارات متطور، وأحد مهامه مراقبة أداء الأفراد في القوات المسلحة ومعاقبة الخارجين على القوانين واللوائح العسكرية. ولدينا ايضا طاقم طبي يعنى بمسألة تعاطي المخدرات. وإذا أثبتت فحوصات الدم أن فردا ما يتعاطاها فإننا نوقع عليه أقسى أنواع العقابraquo;.

وامتنعت الشرطة عن التعليق على الأمر، ولكن يُعرف أن القوات الأميركية رفعت اليها عددا من الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن مع تنامي موجة القلق إزاءه.

انعكاس للمجتمع

من جهتهم يقول القائمون على الشؤون الصحية إن تعاطي الكحول والمخدرات أثناء ساعات العمل وسط الجنود والشرطيين laquo;جزء من مشكلة أكبر تتعلق بالمجتمع العراقي ككلraquo;.وتبعا لهم فقد ساعدت ثلاثة عقود من الحروب والمشاق الاقتصادية والمعيشية الحادة في انتشار الظاهرة كمهرب من سوء الأحوال.

وكما يقول المسؤولون الصحيون فقد زاد الطين بلة أن الأدوية قوية المفعول لمختلف الأمراض، من الإسهال والاكتئاب الى الصرع، إما تباع بدون وصفات طبية أو تسرق من الصيدليات والمستشفيات العقلية. وبعض هذه يوفر نشوة قصيرة الأمد لكن بينها ما يدوم مفعوله حتى 24 ساعة.

وهناك بالطبع تجار المخدرات الذين يهربون الماريوانا والهيروين والحشيش من ايران وأفغانستان وغيرهما. ويقول القادة العسكريون في محافظة ديالي المتاخمة لإيران إن المتمردين يشتغلون الآن بتهريب المخدرات لتمويل أنشطتهم الهادفة لنسف الأمن في البلاد. ولذا فهي تتوفر حاليا في المطاعم والمقاهي والأسواق عموما لدى تجار يشملون نسوة مسنّات يبعنها من تحت عباءاتهن.

أبو الحاجب واللبناني

بين هذه المخدرات نوع قوي من منوِّم الفاليام المصنّع في ايران ويسمى laquo;الدمويraquo; بسبب غلافه الأحمر، وحبوب تسمى laquo;أبو الحاجبraquo; لأنها أشبه بحاجب العين في ميلانها، إضافة الى عقاقير أخرى مثل laquo;اللبنانيraquo; الذي يسبب قدرا عاليا من النشوة والعديد غيرها. ويقول بعض رجال الشرطة إنه في حال تعسر الحصول على المخدرات أو الكحول مثل العرق، فهم يلجأون الى تناول عدد من قناني أدوية السعال أو تناول الكحول الصافي مخففا بالماء.

وفي ما يبدو فإن وحدات الجيش والشرطة التي يتنشر فيها تعاطي المخدرات والكحول أكثر من غيرها هي تلك المكلفة أعسر المهام الأمنية في مدن متوترة مثل سامراء وبعقوبة وبغداد والموصل، إضافة الى وحدات الانتشار السريع الخاصة المكلفة ايضا التصدي للإرهابيين وعملياتهم الانتحارية.

ويقول شاب يدعى خالد إنه بدأ بيع المخدرات الى الجنود ورجال الشرطة في بغداد بعد اعتقاله وفي حوزته كمية منها. ويضيف: laquo;قالوا لي: لماذا لا نصبح أصدقاء؟ وبعدها صرنا أفضل الأصدقاء فعلا لأنني ابيع لهم حبوبا تأتي لهم بالراحةraquo;.

وقد أقامت بعض المدن، مثل الفالوجة، وحدات خاصة لمكافحة المخدرات كان بين النجاحات التي حققتها القبض على تاجر في حوزته 200 ألف حبة مخدرة. وقال الضابط العسكري فيصل العيساوي إن هذا الرجل كان ينوي تقديمها لرجال الأمن بالمجان هذه المرّة ليضمن إدمانهم أولا ثم يبدأ بيعها لهم بانتظام بعد ذلك.