فرضتالتقارير التي تتحدث عن تلقي إدارة الرئيس الافغاني الأموال من إيران على الساحة الدوليةأسئلة عدة من العيار الثقيل،أولها حول الأسباب والدوافع، لا سيما ان افغانستان تعتبر حليفة للولايات المتحدة الأميركية التي تصنفها طهران ضمن قائمة quot;العدوquot;.


لندن: ماذا يشتري المال لإيران في أفغانستان؟ هذا هو السؤال الذي طرحته laquo;نيويورك تايمزraquo; على بعض المثقفين في زاويتها laquo;مساحة للنقاشraquo; في أعقاب اعتراف الرئيس حميد كرزاي بأنه يتلقى المال من الجارة الطموحة، رغم إصرارها هي على نفي ذلك، وجاءت ملخصات إجاباتهم كما يلي:

حكومة ضعيفة فاسدة

محسن ميلاني، رئيس شعبة الشؤون الدولية في جامعة ساوث فلوريدا ومؤلف laquo;صناعة ثورة إيران الإسلاميةraquo;، يعتقد أن كرزاي بحاجة حقيقية لإيران. وتبعا له فإن إيران لا تستطيع laquo;شراءraquo; حكومة كرزاي لكنها تستطيع laquo;استئجارهاraquo;.

وحقيقة أنها ظلت تغدق المال عليها يظهر بوضوح الى حد، أن هذه الحكومة فاسدة وضعيفة وبحاجة ماسة إلى الدعم من القوى الخارجية وعلى استعداد لطرح البلاد في المزاد العلني إذا تطلب الأمر.

وما اعترف به كرزاي يوضح بجلاء مدى تدخل ايران في الشؤون الأفغانية الداخلية ومدى نفوذها في هذا البلد. وسياسة طهران هنا مرتبطة عضويا بتنافسها الاستراتيجي مع واشنطن عبر العالم الإسلامي.

وقد كانت إطاحة طالبان في 2001 هدية غير مقصودة من هذه الأخيرة لنظام الملالي لأنها عززت laquo;تحالف الشمالraquo; غير البشتوني الذي طالما دعمته إيران خلال عهد طالبان.

واليوم فإن ايران تعتبر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين مع افغانستان وقدمت 660 مليون دولار لمشاريعها الإنشائية. ولأنها لا تضمن جانب أميركا أو الحكومة الأفغانية نفسها، فقد تحسبت للمستقبل بإقامة علاقات طيبة مع لاعبين كبار آخرين.

ومن هؤلاء اسماعيل خان، أمير هرات سابقا، ولورد الحرب الشهير قلب الدين حكمتيار، وقادة تحالف الشمال. وهذا إضافة الى رصيدها من الهزارا الشيعة الذين يشكلون 20 في المائة من عدد السكان، وحتى بعض عناصر طالبان نفسها.

ولفترة تقارب العقد ظلت إيران توسع رقعة نفوذها في أفغانستان بغرض عرقلة العمليات الأميركية إذا اختارت هذا، وأيضا ضرب القوات الأميركية انتقاما لأي ضربة أميركية محتملة لمشروعها النووي. وقد أنجزت العديد من أهدافها بسبب علاقتها الوثيقة بكرزاي، الذي يعتمد على الأميركيين في استمراره في السلطة، وتوقيعها اتفاقات معه تغطي التعاون الاقتصادي والأمني ومحاربة الإرهاب.

وكرزاي، رغم انه حليف لأميركا، يعلم أن بوسع إيران زرع الفوضى في بلاده. وهو يسعى إلى الظهور بمظهر الوطني المستقل القادر على مصادقة عدو لأميركا من دون إغضابها. كما انه رجل ذكي يجيد تأليب واشنطن على طهران والعكس حتى يحصل على تنازلات كبيرة من كل منهما على حدة.

ومع ذلك فعلاقة كرزاي بإيران لا تخلو من توترات. فهذه الأخيرة تعارض الوجود الأميركي في أفغانستان، وتنتقد سياسته المحابية للبشتون دون المتحدثين بالداري، واستعداده للحوار مع طالبان، وإخفاقه في وقف تدفق المخدرات الى أراضيها. وتنتقده لعجزه أيضا عن السيطرة على جماعة laquo;جند اللهraquo; الإيرانية الإرهابية التي قتلت العديد من أفراد الحرس الجمهوري الإيراني من أفغانستان الى بلوخستان داخل الأراضي الإيرانية نفسها.

على أن تلقي كرزاي الأموال الإيرانية يكشف أولا وأخيرا مدى الفساد المستشري في أروقة الحكم الأفغانية. وما هذه الا حلقة في مسلسل طويل حلقته التالية تعرية حالات فساد جديدة وسط منافسي كرزاي ومنتقديه والمؤسسات الأمنية الغربية.

ركزوا على باكستان

يعتقد جورج غافريليس، الباحث في جامعة كولومبيا الأميركية والمراقب في انتخابات افغانستان الأخيرة، أن التركيز يجب ان يكون على باكستان في المقام الأول وليس إيران، لأن هذه الأخيرة ظلت جارة أفضل لأفغانستان من الأولى. فقد ساهمت في نجاح انتخاباتها وتولت صرف رواتب المعلمين وساهمت، مع الهند، في تطوير بنيتها التحتية مثل الطريق السريعة في غربها.

ويقول إن هذه الطريق السريعة نفسها تفند آراء الزاعمين أن إيران تموّل طالبان لأن هذه الأخيرة حاولت استهداف الطريق وحاولت عرقلة تشييدها. كما ان طهران تعلم أن مساعدتها طالبان تعني إطالة معاناة الأفغان وتدفق المزيد اللاجئين منهم اليها، وهو ما ظلت تجأر بالشكوى منه.

ويذهب غافريليس الى القول إن المصالح الإيرانية في أفغانستان مشابهة للأميركية لأنها تقوم على أهمية وجود حكومة مركزية تسيطر على الأوضاع وتمنعها من التدفق الى الجيران. وليس من الحكمة القول إن المال الإيراني سيحيّد مطامع باكستان الجيوسياسية لأنه، أولا، قد يوجه الى أشياء تفيد أفغانستان مثل خلق فرص العمل ودفع أجور البيروقراطيين.

وثانيا فإن لإيران دورا laquo;نفسياraquo; مهما تؤديه ويتمثل في طمأنة الأفغان المتوجسين خيفة من عودة طالبان الى سدة الحكم بعدما تتخلى عنهم الولايات المتحدة والأسرة الدولية. وهناك قطاعات عانت كثيرا من هذه الجماعة البشتونية الأصولية مثل النساء والهزارا والتاجيك الشيعة.

ولذا فإن الأثر الإيراني على أفغانستان إيجابي ويجب على الغرب الا يضيف طهران الى قائمة همومه وأن يصب تركيزه على إسلام أباد. إيران ليست مصدر الهم الحقيقي وإنما باكستان.