شيراك وزوجتهحين كان يشغل منصب رئيس بلديّة باريس

رغم أنّ الـ 21 إتهاماً التي وجهت إلى الرئيس الفرنسيّ الأسبق جاك شيراك وتتعلّق بقضايا توظيف وهميّة كانت كافية لتثير جدلاً سياسياً - قضائيّا في فرنسا لم ينته بعد، إلا أنّ المصادر القضائية في باريس أعلنت الثلاثاء إحالة شيراك من جديد على القضاء بعد اكتشاف سبع حالات جديدة من قضايا الوظائف الوهمية التي يعود تاريخها إلى زمن بعيد حيث كان الرئيس السابق شيراك يشغل منصب رئيس بلديّة باريس.


باريس: ذكرت صحيفة (لونوفال ابسرفاتور) الفرنسية أنّ جاك شيراك بات يخضع الآن إلى تحقيقين مختلفين في ما بات يعرف بـquot;قضايا التوظيفات الوهميّةquot;، تحقيق في محكمة باريس والثاني في محكمة بلدة quot;نانتيرquot; في الضاحية الغربية للعاصمة الفرنسية.

قضية الرئيس الفرنسيّ السابق جاك شيراك ليست وليدة اليوم، لكنها سابقة في التاريخ الفرنسيّ بكلّ المقاييس، إذ إنها المرة الأولى التي يحاكم فيها رئيس للجمهورية بهذا الشكل. ولعلّ الغريب في القضيّة أنّ التهم الموجهة لشيراك تحوم حول quot;اختلاس أموال عامة في قضية وظائف وهمية تعود إلى مطلع تسعينات القرن الماضي حين كان عمدة العاصمة الفرنسية.quot;

وكان الرئيس الفرنسي السابق أحيل على التحقيق في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 بعد أن استفاد طيلة 12 سنة، من العام 1995 إلى العام 2007، من حصانة خاصة بصفته رئيسا للجمهورية الفرنسية، بتهمة quot;اختلاس المال العام في قضية وظائف محاباة مفترضة دفع رواتبها مكتب عمدة باريس، الذي كان يتولاه شيراك بين العامين 1977 و1995.

وتعود وقائع هذه القضية إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، وتحديدا إلى الفترة الممتدة من 1983 إلى 1998 أي من بداية العهد الثاني لشيراك على رأس بلدية العاصمة إلى الثلاث سنوات الأولى من عهد خلفه جان تيبري.

ويحاول شيراك منذ توجيه الاتهامات إليه الإجابة على الشكوك حول حقيقة هذه الوظائف التي استفاد منها عدد من الناشطين في حزب الرئيس وأيضا من المقربين منه. والذي يؤكد مكتب شيراك أن الرئيس السابق quot;هادئ ومصمم على أن يثبت أمام المحكمة أن أيا من الوظائف موضع السجال لم يكن وظيفة وهميةquot;.

ويشتبه في أن شيراك كافأ أشخاصا خصوصا من حزبه quot;التجمع من اجل الجمهوريةquot; (الذي أصبح الآن الاتحاد من اجل حركة شعبية) من أموال بلدية باريس. والثلاثاء، نقلت الصحف الفرنسيّة أنّ قاضي التحقيق في نانتير جاك غازو أبلغ محامي شيراك باتهام الرئيس السابق بسبع وظائف وهمية مفترضة.

وتقول التقارير الصحافية الفرنسيّة إنّ المحاكمة ستتم أمام محكمة الجنح من السابع من آذار/مارس إلى الثامن من نيسان/ابريل المقبلين، مع احتمال وارد جدا يتعلق بجمع التحقيقين نظرا لتقارب الاتهامات وتشابهها.

وفي التحقيق الأول الذي يتضمن 21 حالة، قد يواجه الرئيس الفرنسي السابق حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى 75 ألف يورو، أي حوالى 107 آلاف و500 دولار، في حالة إدانته باستخدام موظفي مجلس البلدية للعمل في حزبه السياسي.

وتتضمن الوثائق التي سرّب بعض منها عبر الإعلام الفرنسيّ والتي استندت إليها قاضية التحقيق في محكمة quot;جنحquot; باريس، كزافيير سيميوني، في قرارها بإحالة شيراك على المحاكمة، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 21 عقداً قالت إنها لـquot;وظائف وهميةquot;، منحها شيراك إلى أعضاء في حزبه السياسي، كانوا أيضاً ضمن فريق حملته في الانتخابات الرئاسية.

ولم يكن بالإمكان محاكمة شيراك خلال الفترة الماضية نظراً لتمتعه بالحصانة الرئاسية، إلا أن الاتهامات أُثيرت ضده مجدداً بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية، وأُحيل على التحقيق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، على خلفية تلك الاتهامات.

وذكرت صحيفة (لكسبريس) في تقرير لها عن المحاكمة أنّ شيراك توصل في أيلول/سبتمبر الماضي إلى اتفاق مالي ودي مع بلدية باريس التي يسيطر عليها اليوم الاشتراكيّون لدفع مبلغ يقدّر بـ 2,2 مليون يورو للبلدية،على أن يدفع حزب اتحاد من اجل حركة شعبية مبلغ 1.65 مليون يورو وان يدفع شيراك 550 ألفا.

ولا يوقف هذا الاتفاق الملاحقات بشأن هذه الوظائف الوهمية، لكنه قد يخفف الاتهامات ضد جاك شيراك خلال المحاكمة التي تثير جدلا كبيرا في الداخل الفرنسيّ على اعتبار المكانة المميزة لشيراك في قلوب الفرنسيين والفترة الطويلة التي قضاها كرئيس لهم ينتمي إلى المدرسة quot;الديغوليةquot;.

واختلفت تعليقات الفرنسيين عبر الفضاء الالكترونيّ وتحديدا تحت المقالات التي تتابع محاكمة شيراك، إذ يرى كثيرون أن شيراك quot;رجل دولةquot; ومحاكمته تشويه لصورته بعد السنين الطويلة التي قضاها في خدمة فرنسا والفرنسيين وبلغت 14 عاما بالتمام والكمال متربعا على عرش الاليزيه، ومن الواجب وقف التتبعات ضده حفاظا على سمعته وتاريخه وسمعة فرنسا من ورائه.

في حين يرى آخرون أنّ فرنسا هي دولة القانون والمؤسسات وأنّ شيراك ليس سوى مواطن فرنسيّ لا يمكنه القفز على العدالة إن أثبت القضاء أنه مدان بالفعل في التهم التي وجهت إليه. ويتمتع الرئيس الفرنسيّ الأسبق بسمعة جيدة لدى الفرنسيين وكثيرون يعتبرونه رمزا للجمهورية الفرنسية، وكانت الزعيمة الاشتراكية سيغولين روايال أعلنت مع بدء المحاكمة أن إحالة شيراك على القضاء quot;لن تكون جيدة لصورة فرنساquot;، واظهر استطلاع للرأي نشر مؤخرا أن 76% من الفرنسيين يؤيدونه، متقدماً بذلك على جميع السياسيين في فرنسا.

ويكرس شيراك وقته الآن لمؤسسة أنشأها تُعنى بالتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات. ونقلت صحيفة (لوباريسيان) اليوم عن مقربين من شيراك دعوتهم إلى ضرورة إيقاف التحقيق مع الرئيس السابق لدواعٍ صحيّة مع تقدّمه في السنّ، في حين تحدّث آخرون عن quot;حالة اكتئابquot; أصيب بها شيراك جرّاء التهم المتتالية التي توجّه إليه.

ولد جاك رينيه شيراك في 29 نوفمبر 1932 في الدائرة الخامسة في باريس، أبوه فرنسوا شيراك و أمه السيدة ماري لويز فاليت، تزوج في 16 مارس 1956 من برناديت شودروند ولهابنتان كلود و لورانس، وتخرج الرئيس شيراك من المعهد العالي للدراسات السياسية في باريس.

وفي عام 1962 عمل بالسكرتارية العامة للحكومة وبمكتب رئيس الوزراء جورج بومبيدو وفي سنة 1967 عمل سكرتير دولة مكلف بقضايا التشغيل في حكومة جورج بومبيدو كما عمل سكرتيرا للدولة للشؤون الاقتصادية والمالية في حكومات موريس كوف، موفيل، جورج بومبيدو، وأصبح عام 1972 وزيرا للزراعة والتنمية الريفية في حكومة بيرميمير وفي 1974 وزيرا للداخلية في الحكومة نفسها.

وقد أصبح رئيسا للوزراء في 27 مايو 1974 حتى 1976 حيث قدم استقالة حكومته احتجاجا على سياسة الرئيس فاليري جيسكار ديستان بعد ذلك انتخب عمدة لمدينة باريس حتى 16 مايو 1995. وفي 20 مارس 1986 عاد رئيسا للوزراء في مدة quot;التعايش السياسيquot;، و في 7 مايو 1995 انتخب شيراك رئيسا للجمهورية بنسبة أصوات بلغت 6.52 في المائة. وللرئيس شيراك عدة مؤلفات من بينها: quot;مناقشة من أجل فرنسا في موعد الحسمquot;، quot;ضوء الأملquot;، quot;التفكير في المساء من أجل الغدquot; quot;من أجل فرنسا جديدةquot;.