رغم إعلان النظام العسكريّ الحاكم في بورما عن فوزه في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي وهي الأولى منذ 20 عاما، فإنّ قضيّة زعيمة المعارضة اونغ سان سو تشي السجينة تمكنت من إحراج العسكريين وتسليط الضوء على واقع الحريات المتدهور وجلب تعاطف العالم.


رانغون: في الوقت الذي أكّد فيه مسؤولون بورميون احتمال إطلاق سراح المنشقة اونغ سان سو تشي خلال الأيام المقبلة، بعد أن صدر بحقها حكم بالإقامة الجبرية لمدة 18 شهرا، ردّ القضاء في بورما التي يسيطر عليها نظام عسكريّ استئنافا أخيرا تقدمت به زعيمة المعارضة ورمزها سو تشي، التي أصرت على حصول إقرار ببراءتها حتى لو تم الإفراج عنها في الموعد المحدد السبت بعد قضائها عقوبة الإقامة الجبرية.
وبغضّ النظر عن حصول المعارضة والناشطة الحقوقيّة اونغ سان سو تشي على البراءة أم لا، فالثابت أنّ إطلاق سراحها سيتمّ خلال أيام بعد أن بات سجنها وإخضاعها للإقامة الجبريّة عبئا على النظام البورميّ الذي تكثفت من حوله الضغوط الدوليّة بشكل غير مسبوق.

وكانت المحكمة العليا في نايبيداو، عاصمة البلاد منذ العام 2005، قد أصدرت قرارا يقضي quot;بتأكيد حكم الإدانةquot; ب18 شهرا من الإقامة الجبرية الصادر في آب/أغسطس 2009، ما يعني رفض طلب البراءة بشكل قاطع.

وقال كيي وين احد محامي المنشقة البورمية لوكالة فرانس برس quot;إننا نجهل سبب الرفض حتى اللحظة. نعلم فقط أن الاستئناف تم رفضهquot;، موضحا انه قد يحيل الطلب أمام المجلس العسكري نفسه.

وكان محامو اون سان سونغ تشي تقدموا بهذا الاستئناف الثالث في أيار/مايو من حيث المبدأ، على أمل إثبات براءتها. وذلك على الرغم من رد الاستئنافين الأولين من جانب محاكم عدة في هذا البلد الذي توالت على حكمه أنظمة عسكرية مختلفة منذ العام 1962، وحيث القضاء تابع تماما للسلطة التنفيذية.
ورأى مونغ زارني المحلل في quot;لندن سكول اوف ايكونوميكسquot; أن quot;هذه لعبة يلعبها الاثنانquot; أي المجلس العسكري والمحامين.

وأضاف انه على الرغم من تعبيرهم عن كافة آرائهم السيئة حول النظام القضائي في بورما، فإن المحامين quot;يريدون إثبات عدم وجود دولة قانون في البلادquot;، واصفا القضاء بأنه يستخدم quot;أداة للقمعquot;.
وكان نيان وين وهو محام آخر عن اونغ سان سو تشي قال الأربعاء quot;من غير المهم أن تتزامن تبرئتها مع موعد الإفراج عنها. يجب ان يتم الإعلان أنها بريئةquot;.

تاريخ من الاضطهاد والإقامة الجبريّة

ولدت سان سو تشي يوم 19 يونيو/ حزيران 1945 في العاصمة رانغون وتتزعم حاليا الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار. وهي ابنة أونغ سان الذي يوصف بأنه بطل استقلال بورما، والذي اغتيل عام 1945.

و تدعو سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل عام 1991 للابتعاد عن العنف ببلد خاضع لحكومات عسكرية متعاقبة منذ 1962. وينسب إليها تصريح في العام 1999 قالت فيه quot;إن الجنرالات لا يدركون معنى كلمة حوارquot;.

وتحظى بشعبية كبيرة في بلادها. كما تحظى بدعم غربي وأميركي على وجه الخصوص، وينظر إليها في الصحافة الغربية كما ينظر لمانديلا أو غاندي.

ورغم ما يصفها به أنصارها من كونها تتمتع بذكاء وشعبية وقوة إرادة، فإن معارضيها يأخذون عليها تعنتها الشديد، خاصة إثر دعوتها لفرض عقوبات دولية على بلدها وإلى مقاطعته سياحيا.
تلقت سو تشي تعليمها في مدارس يانغون، ثم أكملت دراستها في الهند حيث كانت والدتها تشغل منصب سفيرة عام 1960.

ثم واصلت دراستها في أوكسفورد حيث نالت درجة البكالوريوس في الفلسفة والسياسة والاقتصاد عام 1969. ثم نالت درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1985. وعملت محاضرا في مدرسة الدراسات الشرقية في لندن.

وتزوجت من البريطاني مايكل أريس الأستاذ الجامعي الذي تخصص في شؤون التبت والبوذية، وأنجبا طفلين هما ألكساندر وكيم. وعادت إلى بلادها في أبريل/ نيسان 1988 لتعتني بوالدتها المريضة.

ألقت أول كلمة علنية لها في أغسطس/آب 1988 وطالبت فيها بتشكيل حكومة انتقالية لبلدها الخاضع للأحكام العرفية مطالبة بإجراء انتخابات حرة، ثم بادرت ومعارضون آخرون بتأسيس حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية. وحقق حزبها في مايو/ أيار 1990 فوزا كبيرا بانتخابات تعددية، لكن الحكومة العسكرية رفضت الاعتراف بها.

وتبعا لذلك، تم وضعها قيد الإقامة الجبرية من منتصف 1989 إلى منتصف 1995. ثم من عام2000 مجددا فرضت عليها إقامة جبرية في منزلها على ضفاف بحيرة رانغون لمدة 19 شهرا. كما فرضت عليها إقامة جبرية للمرة الثالثة في مايو/ أيار 2003 إثر هجوم دام على موكبها.

وللمعارضة اونغ سان سو تشي عدة كتب ومؤلفات من بينها رسائل من بورما (صدر في 1998) بالاشتراك مع الكاتب فيغال كين، صوت الأمل (صدر في 1998) بالاشتراك مع ألان كليمنتس، التحرر من الخوف وكتابات أخرى (1995) بالاشتراك مع فاكلاف هافل وديسموند توتو وميشال أريس، فضلا عن أكثر من عشرة مؤلفات أخرى.

إطلاق سراحها ليس نهاية الطريق

من المفترض ألا يؤثر رد الاستئناف الذي صدر الخميس الماضي على الإفراج عن حائزة جائزة نوبل للسلام التي تنهي محكوميتها السبت.

وأشارت مصادر رسمية بورمية إلى أنّ أجهزة الأمن تجري تحضيرات مكثفة لذلك.

وخضعت اونغ سان سو تشي (65 عاما)، التي تواجه نفورا شديدا من جانب القائد الأعلى للجيش ثان شوي، للإقامة الجبرية المراقبة من دون توقف منذ 2003 وعلى مدى أكثر من 15 من أصل الأعوام ال21 الماضية.

وفي ايار/مايو 2009، كانت على وشك أن يطلق سراحها عندما نجح أميركي بالوصول سباحة إلى منزلها الواقع على ضفاف بحيرة في رانغون. وفي اب/أغسطس من العام نفسه، حكم عليها ب18 شهرا إضافيا من الإقامة الجبرية المراقبة.

وهذه الإدانة الجديدة أبعدتها بحكم الأمر الواقع عن المشاركة في الانتخابات البورمية الأحد الماضي وهي الأولى منذ 20 عاما، والتي أعلن الحزب الذي أنشأه المجلس العسكري فوزه فيها حتى قبل صدور النتائج الرسمية.

وكانت سو تشي وحزبها، الرابطة الوطنية للديمقراطية، حققا فوزا كبيرا في انتخابات العام 1990، من دون التمكن يوما من استلام السلطة. الا ان الحزب قاطع الانتخابات الأخيرة.

وحتى لو تم الإفراج عنها بالفعل السبت، يستبعد الخبراء أن يسمح المجلس العسكري الحاكم ان تمارس quot;سيدة رانغونquot; نشاطاتها السياسية بحرية.

وليس هناك ضمانات ببقائها حرة لفترة طويلة. اذ ان ثان شوي سمح بالإفراج عن المنشقة البورمية مرتين قبل إخضاعها مجددا للإقامة الجبرية.

ويبقى أيضا من الأمور غير المؤكدة مكانها المستقبلي في المعارضة الديمقراطية، التي خرجت منقسمة وأكثر ضعفا من الانتخابات، والتي تواجه معارضة داخلية من جانب جزء منها لاستراتيجيتها منذ سنوات عدة.

وبعض أحزاب المعارضة، من بينها القوة الديمقراطية الوطنية التي أنشأها منشقون عن الرابطة الوطنية للديمقراطية معارضون للمقاطعة، اختاروا بالفعل المشاركة في الانتخابات. والتوقعات أشارت إلى انهم سيحققون فقط مشاركة رمزية داخل الجمعيات الوطنية والإقليمية.