يكشف فنسنت نوزي في كتابه quot;في سرّ الرؤساءquot; حماسة الرئيس جاك شيراك في اعقاب اغتيال صديقه الرئيس رفيق الحريري، للتصدي لنظام الوصاية السوريّة على لبنان، ويؤكد لـ إيلاف أن الملف اللبناني كان بالنسبة لشيراك فرصة لإعادة الدفء إلى العلاقات الفرنسية الأميركية. وعن اسقاط نظام صدام حسين، يكرر القول إنّ قرار الحرب على العراق سبق اكتشاف أسلحة كيميائيّة فيه.


باريس: يثير quot;في سرّ الرؤساءquot; للكاتب الفرنسيّ فنسنت نوزي (Vincent Nouzille) المعروف بتحقيقاته وكتاباته المعمقة حول الاستخبارات وكواليس السياسة والأمن، انتباه المتابعين نظرًا لما يحتويه من معلومات كان من المفروض ألا ترى النور قبل نصف قرن من الزمن على اعتبار أنها أرشيف لا يمكن الاطلاع عليه في الوقت الحاليّ.

ويعتبر الكتاب الجديد للكاتب نوزي والذي صدر قبل أيام عن دار quot;فايارquot; (Fayard) الباريسيّة، وثيقة ستساعد الكثيرين على فهم أسرار الموقفين الفرنسيّ والأميركيّ من منطقة الشرق الأوسط عموما ولبنان وسوريا خصوصًا خلال المرحلة التي سبقت وتلت اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق رفيق الحريري.

وربما - بالكثير من الإجحاف والتعسّف على تفاصيل أخرى مهمة وردت- يمكن القول إنّ الكتاب يدفع استنادًا إلى خطوطه العريضة نحو الاقتناع بانّ الرئيس الفرنسيّ السابق جاك شيراك كان المحرّك الأساسيّ في المواجهة التي يخوضها الغرب اليوم ضدّ النظام السوريّ والتي تتخذ منعطفات عديدة.

ويبدو من خلال الكتاب الجديد quot;في سرّ الرؤساءquot; أنّ شيراك كان السياسيّ الأبرز الذي يحمل فكرة quot;ضرورة التصدّي للوصاية السورية على لبنانquot;، وربما فاقت حماسته تلك أكثر حماسة الرئيس الأميركيّ الأسبق جورج بوش لجهة تسريع الانسحاب السوريّ من لبنان، ومن ثمة إسقاط النظام البعثي الحاكم في دمشق.

quot;إيلافquot; التقت الكاتب الصحافي فنسنت نوزي صاحب quot;في سر الرؤساءquot; الذي أكد أنّ عمله جاء امتدادًا لكتابه السابق quot;أسرار في غاية الحفظquot;، الذي اطلع من خلاله القراء على خفايا العلاقات الفرنسية الأميركية، مشيرًا إلى أنه اعتمد منهجية البحث والتحري في وثائق أميركية وأخرى فرنسية لوضع القراء حقيقة في quot;سر الرؤساءquot;.

غلاف كتاب في سر الرؤساء
واطلع نوزي على وثائق تعود إلى أرشيف البيت الأبيض وأخرى إلى الاستخبارات الأميركية، كما حصل من جاك شيراك على إذن للخوض في أرشيف الإليزيه بخصوص العلاقات الأميركية والفرنسية ابتداء من سنة 1981، ما يعني حقبة حكم الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران ثم المدة التي تولّى فيها شيراك الشؤون الفرنسية.

وحمل الكتاب أسرارًا يمكن أن تمس بالعلاقات السورية الفرنسية، لما احتواه من حقائق حول إصرار الإليزيه في عهد شيراك على الإطاحة بالنظام السوري، دون

الدخول في المواجهة المباشرة معه، وأن يحصل هذا بالمرور من البيت اللبناني، بحسب المعلومات التي أتى بها هذا الصحافي الفرنسي، الذي قال لـ إيلاف في هذا الخصوص quot;إنه لا يعتقد أن شيراك كان واعيا بقيمة تلك الوثائقquot;.

أضاف الكاتب quot;بحثت في الوثائق حتى وصلت إلى هذه الحقائقquot;، في إيحاء إلى أن الإليزيه لم يكن يتصور أن هذه المستندات يمكن لها أن تحمل كل هذه الأشياء، كما نفى أن يكون تلقى أي رد فعل من قبل الرئيس السابق الفرنسي، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمعلومات مستمدة من وثائق رسمية، ولا يمكن بأية حال من الأحوال نفيها أو تكذيبها.

شيراك والملف اللبناني

يتحدث الكتاب عن الحنق الذي ظل يلازم جاك شيراك بعد مقتل صديقه رفيق الحريري في عملية إرهابية، ودوره في تشكيل لجنة تحقيق دولية ثم محكمة دولية لمتابعة القتلة.

لم يكن يتردد في توجيه التهمة للنظام السوري، كما كان شأن مصر التي انضم رئيسها حسني مبارك، حسب quot;في سر الرؤساءquot;، إلى جوقة متهمي سوريا بضلوعها في العملية التي أودت بحياة الزعيم اللبناني، مباشرة بعد الحادث.

وأكد نوزي لـ إيلاف أن quot;الملف اللبناني كان بالنسبة لشيراك فرصة لإعادة الدفء للعلاقات الفرنسية الأميركيةquot;.

وأوضح أن الإليزيه جدّ في البحث عن وسيلة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى مجراها الطبيعي، موحيًا أنه لم يكن في صالحه أن تستمر على نحو من التوتر، وخصوصا أن باريس كانت تعي كونها مهددة في مصالحها من قبل واشنطن.

يسرد الكتاب بهذا الشأن تهديدا واضحا وجهه أحد رموز المحافظين في البنتاغون، بول ولفوفيتز، إلى مبعوث جاك شيراك إلى الولايات المتحدة على خلفية التعاطي السلبي لباريس مع الحرب الأميركية ضد العراق، وذلك بقوله: quot;إن الموقف الفرنسي تعبير عن هزيمة أخلاقيةquot;، مضيفا وهو يلوح بيده في اتجاهه quot;نحن نعرف ماذا تعرفونquot;،علما أن الكتاب يفيد من جديد أن قرار خوض الحرب ضدّ نظام صدام حسين كانت مقررة سلفا على أن يتمّ البحث عن الأسلحة الكيميائيّة في ما بعد.

نوزي: قمت بعمل صحافي وتاريخي

الكاتب فنسنت نوزي

وإن كان تلقى ردود فعل من طرف الحكومات العربية التي أشير لحكامها بالاسم في الكتاب، قال فنسنت نوزي quot;حتى الآن لم أتلقى أي رد فعل، ولا أهتم بها إن كانت لا تقبل النقاش...quot;، مضيفا quot;قمت بعمل صحافي وتاريخي معتمدًا في ذلك على وثائق ألزمتني الكثير من البحث و التحريquot;.

وأشار الكاتب إلى أن مؤلفه صدر حديثًا وأنه لمس فضولاً من قراء الشرق الأوسط لمطالعته.

ونفى أن يكون كتابه سعى أن يمنح للعلاقات بين باريس وواشنطن لمعانًا، مضيفاً أنه وضع أسرار العلاقات الفرنسية الأميركية منذ عقود في متناول القارئ.

كما شدد على أنه أبرز الضغوطات التي مورست على الإليزيه في عهد شيراك الذي استغل الملف اللبناني أحسن استغلال لكسب ثقة البيت الأبيض، إلا أنه دفع الثمن غالياً، وبإلحاح أميركي، quot;بالتنازل عن الديون المتبقية لفائدة العراق والتي بلغت5.5 مليار دولار أي ما يناهز ثمانين بالمائة من ديون بغداد لحساب باريسquot;.