نظمت قاعدة عريضة من مثقفي العراق حملة شعبية في العاصمة بغداد ضد قمع الحريات في بلاد الرافدين، وطالب المحتجون بالعمل ضد الإجراءات التعسفية التي أغلقت خلال الآونة الاخيرة عدداً من النوادي الثقافية والترفيهية في العراق، وتوعد المتظاهرون بأن تشمل حملتهم المحافظات جميعها.


بغداد: شهدت مدينة بغداد حركة احتجاج عراقية ضد تقييد الحريات العامة، إذ تظاهر ناشطون سياسيون ومثقفون وفي منظمات المجتمع المدني في بغداد اليوم ضد تقييد الحريات العامة، حيث نددوا بما أسموها quot;الخمينية والطالبانيةquot; في بدء نشاط شعبي سيشمل مناطق اخرى من البلاد ضد اجراءات رسمية بغلق الاندية الثقافية والاجتماعية والترفيهية.

وشهد شارع المتنبي وهو مركز المكتبات في العاصمة العراقية تظاهرة احتجاج ضد غلق الاندية الثقافية والترفيهية والمهنية والليلية، واعتبر المتظاهرون تلك الاجراءات انتهاكا صارخا للحريات العامة.

جانب من حملات الاحتجاج على قمع الحريات في العراق

ويقود حملة الاحتجاج التي يدور الحديث عنها بيت المدى للثقافة والفنون، حيث انطلقت اليوم من شارع المتنبي وسط بغداد، وردد المشاركون فيها شعارات وحملوا لافتات كتبوا على بعضها quot;الحريات اولاquot; نطالب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالاسراع في فتح نادي الادباء الاجتماعيquot; وquot; لاتبنى الاوطان في ظل خنق الحرياتquot;، وquot;بغداد لن تكون قندهارquot;. ويعد هذا الاعتصام بداية لانطلاق حملة واسعة ستستمر خلال الايام المقبلة بهدف الدفاع عن الحريات العامة. وكانت قوة من الشرطة والأمن السياحي وعمليات بغداد اقتحمت مبنى اتحاد أدباء العراق في ساحة الأندلس وسط بغداد حيث اغلقت النادي الاجتماعي للاتحاد واندية اخرى ومحلات لبيع الخمور في مناطق مختلفة من البلاد، خاصة في العاصمة.

النهج الدكتاتوري

وقال رئيس اتحاد الادباء والكتاب فاضل سامر في كلمة في الاعتصام ان العراقيين لايريدون دولة خمينية (في اشارة للزعيم الديني الايراني الراحل الخميني) او طالبانية (الحركة الطالبانية في افغانستان) في العراق. واشار الى ان ما تتعرض له الحريات يأتي في اطار النهج الدكتاتوري السابق. وطالب الجهات الحكومية العليا بمنع فرض هذه الاجواء التي قال إنها تعيد البلاد الى عهد النظام السابق. اما الشاعر ياسين جبار فقد اكد ان غلق الاندية عمل مخالف للدستور العراقي وانتهاك للحريات، واشار الى ان المثقفين يسعون إلى رفع القوانين والتشريعات التي تسمح للجهات الحكومية بانتهاك الحريات العامة مهما كانت طبيعتها، خاصة تلك التي لاتؤثرفي الآداب العامة.

وتعتبر تظاهرة اليوم اكبر تحد للسلطات العراقية التي تهيمن عليها احزاب دينية تحاول فرض اجراءات قاسية ضد ما تسميه ممارسات محرمة ومنافية للاخلاق والدين وحيث تهيمن الاجواء الدينية والطائفية حاليا على المدن العراقية والتي تعدتها الى اجواء سياسية تتصف بالمحاصصة الطائفية وهيمنة أحزابها.

من جهته رد محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق الذي ينتمي الى حزب الدعوة الاسلامية بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي على اصوات الاحتجاج ضد الاجراءات التي اتخذتها ادارة محافظته الاسبوع الجاري ضد الاندية الثقافية والاجتماعية والترفيهية، وقال إن الادارة ليست مسؤولة عن اغلاق الاندية الثقافية والاجتماعية والمهنية والترفيهية، موضحا ان أجهزة تنفيذية من وزارتي الداخلية والدفاع هي التي قامت بالاغلاق. واضاف: quot;ان المحافظة كانت تلقت خطابا من الامانة العامة لمجلس الوزراء في التاسع عشر من الشهر الماضي بغلق الأندية ومحال الخمور التي لا تحمل إجازات رسمية او تحمل إجازات غير نافذة.

واشار المحافظ في تصريح صحافي تلقته quot;ايلافquot; إلى انه تمت مخاطبة المحافظة من قبل هيئة السياحة ومجلس النواب، بالاضافة الى مناشدات عدة من المواطنين طالبوا المحافظة بضرورة التصدي وغلق محال الخمور والملاهي الليلية غير المجازة بعد ان انتشرت بين المحلات السكنية وتعرض صوراً تخدش الحياء ولم تراع في ذلك الآداب والذوق العام. واوضح ان مراعاة الموازين وتطبيق القوانين أمر نص عليه الدستور العراقي في مادته الثانية (الفقرة الثانية) بضرورة الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي. وقال إن المحافظة غير مسؤولة عن تجديد إجازات الاندية والمحال المنتهية صلاحيتها.

واوضح عبد الرزاق ان هناك ضوابط رسمية تتحكم في بيع المشروبات الكحولية تضمنت عدم بيع الخمور للاشخاص ممن هم اقل من عمر 18 عاما وعدم وقوعها في ازقة الشوارع التي تكتظ بالسكان، وكذلك عدم استغلال الاجازة بفتح اكثر من محل فضلاً عن عدم منح اجازة للذين هم دون سن الحادية والعشرين من العمرquot;. وبين ان هناك 96 محلا مجازا رسمياً يعمل في بغداد حاليا. وأكد انه سيتم غلق محال الخمور حتى التي تحمل اجازات خلال الشهر الهجري المقبل (محرم) مثلما جرى في شهر رمضان الماضي. مشيرا الى ان غلق النوادي لم يطبق على الطوائف غير المسلمة التي تمتلك نوادي خاصة بها. واضاف ان اجراءات الغلق تمت وفقاً لإجراءات قانونية بحتة شأنها شأن المحال والمهن والفنادق التي يجب استحصال اجازة ممارسة مهنة لها. وقال: quot;لذلك لا داعي لإدراج الأمر ضمن المناكفات السياسية وبإمكان مجلس النواب ان يسن قانونا لبيع الخمور من دون الحاجة الى اجازة رسمية والمحافظة ملزمة بتطبيقهquot;.

وقد رفض اتحاد ادباء وكتاب العراق الاثنين الماضي اقتحام مبناه في بغداد واغلاق النادي الترفيهي التابع له وطالب الحكومة العراقية بالتدخل والسماح بفتحه من جديد.

محضر اغلاق

وقال الاتحاد في بيان ان قوة مسلحة من الشرطة والأمن السياحي وعمليات بغداد قامت باقتحام مبناه في ساحة الاندلس في بغداد وطالبت امينه العام الشاعر الفريد سمعان بتوقيع محضر اغلاق النادي الاجتماعي للأدباء بشكل نهائي اسوة بالاندية الليلية والملاهي والبارات. وقال الناطق الإعلامي لاتحاد أدباء العراق الشاعر إبراهيم الخياط ان اتحاد الأدباء يعتبر قرار غلق ناديه الاجتماعي غير حكيم ومؤشرا خطرا على محاصرة الحريات المدنية، ويطالب رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الداخلية جواد البولاني بالتدخل والسماح بفتحه لان رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي عن أمور جميع العراقيين. وتنوعهم لا يحتمل فرض لون واحد على قوسهم القزحي.

واوضح ان القرار يستند الى اخر سابق سيئ لمجلس قيادة الثورة المنحل رقم 82 لسنة 1994 في حين ان صدام وهو يعلن ويمارس حملته الايمانية المزعومة آنذاك ويطلق على نفسه لقب عبد الله المؤمن لم يتجرأ أن يغلق نادي الاتحاد، فاستثناه. واشار الى انه من المؤسف أن لا يحظى الاتحاد بدعم من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية quot;فمع عدم تخصيص ميزانية سنوية له ومع استمرار الحجر المجحف على امواله المنقولة وغير المنقولة يأتي هذا القرار للقضاء على آخر مورد مالي من ايجاره يساعده في اداء رسالته الثقافية. واشار الى ان الاتحاد يلتزم وفي المناسبات الدينية لاسيما المهمة (رمضان، محرم) باغلاق ناديه دون انتظار امر من أية جهة وذلك شعورا منه بمسؤوليته واحترامه التقاليد الشعبية.

وقد طالب سياسيون ومثقفون عراقيون بوقف مسلسل انتهاك الحريات العامة ومراعاة التنوع الاجتماعي والثقافي في العراق وأدانوا في اطار الحملة التي اطلقتها مؤسسة المدى تحت شعارquot;الحريات اولا: quot;خرق الدستور العراقي عبر حظر الموسيقى من المهرجانات الثقافية وفعاليات ثقافية اخرى كسيرك البصرة الى جانب غلق مرافق الترفيه الاجتماعية في بغدادquot;.

كما اشار هؤلاء الى انه بعد اكثر من سبع سنوات من التغيير الذي حدث في العراق بكل تداعياته كانت بشائر الحرية باوسع مفاهيمها تعد الحافز الكبير الذي جعل المواطن يتجاوز اخطاء كل ما رافق العملية السياسية ويصبر على نقص الخدمات الاساسية ومظاهر الفساد التي استشرت في مفاصل الدولة وعرقلت بناء النموذج للعراق الجديد.

تجاوز الحريات

ومن جهته أعرب المجلس العراقي للسلم والتضامن عن قلقه للتجاوزات على الحريات العامة التي كفلها الدستور وطالب بإيقافها فوراً.

وقال المجلس إن العراقيين quot;ظنوا ان محنتهم مع الطغاة ستنتهي بانتهاء الحقبة السوداء وأن آفاقاً رحبة من الانفتاح والتسامح والحياة الحرة الكريمة ستطوي ذلك التاريخ الحافل بالمفارقات وبالأعاجيب من تلك التصرفات التي استهانت بحقوق الإنسان وصادرت الحريات العامة وأنزلت برقعاً قاتما على الحياة المدنية ابتداءً من صبغ سيقان النساء على يد المحافظ المقبور طلفاح (في اشارة الى محافظ بغداد في فترة السبعينات خير الله طلفاح خال صدام) وانتهاءً بالحملة الإيمانية الزائفة وما رافق ذلك من حروب وعدوان وتطهير عرقي وأنفال خلفت مقابر جماعية شاهدة على عصر من الفظاعاتquot;.

واضاف المجلس في بيان quot;لقد كان النموذج الطلفاحي يراد له أن يظهر من جديد وأن يظل مسلطاً على رؤوس العراقيين ومن قبل أولئك الذين يحملون شعارات الفضيلة والذين طالما تعرضوا للاضطهاد والتشريد وكأن نزعة التسلط هي هي في كل الأوقات لا تقدم إلا صفحات جديدة من العتمة رغم كل الشعارات البراقة والتأكيدات التي يقولون فيها إنهم لا يريدون أن يبنوا دولة دينيةquot;. وقال: quot;انهم يعتقدون أنهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة ويعرفون الفضيلة ويفرقون بين المقدس وغير المقدس بل ويمتلكون مفاتيح الجنةquot;.

واوضح قائلا quot;بالأمس أقدم مسؤولو محافظة البصرة على إلغاء السيرك وقبلها ألغيت حفلات بابل واليوم يقود محافظ بغداد حملة إيمانية جديدة بإغلاق النوادي والمنتديات وبالقوة التي تسمى فرض القانونquot; .واشار الى أن هذا التوجه الخطر يمثل إحدى ملامح المرحلة المقبلة والتي يراد فيها أن يُرسم للمواطنين أسلوب حياتهم وطريقة عيشهم وكبح جماحهم بعد الحرية التي نالوها بسقوط النظام السابق وهي بداية لشوط جديد من المعاناة يراد فيه تقليص مساحة السلم المجتمعي وتوسيع ظواهر الفساد وتفشي المخدرات التي باتت تهدد حياة الناس وخاصة الشباب منهم.

رغبة الطغاة

ودعا المجلس منظمات المجتمع المدني وكل القوى الخيرة لاستنكار quot;هذا العمل الذي يتعارض مع الدستور ومع واقع الحياة العراقية التي أراد الطغاة أن يشوهوها فسقطواquot;. وطالب من اسماهم حماة الدستور رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب لأن يضعوا حداً للتدخلات والتجاوزات على الحريات العامة.

يذكر ان الكثير من المدارس العراقية خاصة خارج بغداد تفرض على الاناث ارتداء الحجاب حتى لو كانت الطالبة في المرحلة الابتدائية. وخلال الصيف الماضي فوجئت اللجنة المشرفة على تنظيم مهرجان الاغنية الريفية الثالث في مدينة البصرة الجنوبية بإلغاء فعالياته قبل ساعة واحدة من موعد انطلاقه وذلك استجابة لضغوط من جهات متشددة في المدينة ما حال دون تقديم 16 فرقة موسيقية، تمثل 12 محافظة عراقية فعالياتها الفنية والموسيقية. كما تم مؤخرا إلغاء الكثير من العروض الفنية والغنائية والراقصة المقرر تقديمها في مهرجان بابل بعد ان انتشرت quot;لافتاتquot; في شوارع مدينة الحلة تندد باقامته، كما طالب خطباء الجمعة برفض اقامته. الى ذلك قامت الكثير من مجالس المحافظات في اوقات سابقة باتخاذ اجراءات من شأنها تقييد حرية المواطن من خلال منع اقامة الحفلات في المناسبات وإلغاء بعض النشاطات الفنية.