اكتست شوارع مدينة بيت لحم مهد المسيح بالزينة مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، وبينما تشهد هذه المحافظة الواقعة جنوب الضفة الغربية العديد من الفعاليات والأنشطة تحضيراً للمناسبة، تعايش الأراضي الفلسطينية حالة من الترقب بعد فشل إطلاق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.


بيت لحم: أضئيت شجرة عيد الميلاد (عشرة أمتار) خارج كنيسة المهد في ساحة الكنيسة في بيت لحم ليل الأربعاء الخميس في حفل أطلق رسميا احتفالات عيد الميلاد، وعاد الهدوء النسبي إلى بيت لحم، بعد سنوات من القتال العنيف خلال الانتفاضة الفلسطينية. كما أنه في العامين الماضيين كانت هناك زيادة مطردة في السياحة في المدينة.

ومع اقتراب الاحتفالات بالعيد، بدأت المدينة تشهد العديد من النشاطات، فالمسارح تكتظ بالفنانين والموسيقيين والراقصين، وزائروها قدموا إليها من كافة أنحاء العالم، في وقت تزيّنت مداخل المدينة وأشعلت أضواء الميلاد، وصلواتها علت لتطلب السلام من خالق السلام لشعب يؤمن بالسلام.

زينة البلد..

تكتظ بيت لحم بالزوار والسيّاح منذ بدء احتفالات عيد الميلاد، فقد زينت عشرات الأشجار في الشوارع، وآلاف المصابيح أضيئت، والصلبان علقت ترحيبا وتهليلا بعيد المسيح، وهو ما أضفى اجواء الفرح لدى الأطفال بخاصة المسيحيين، ويقول الطفل اريك مكركر: quot;أحب العيد كثيراً، فالبلد كلها تكون مضاءة، وبابا سنتكلوز يأتي لي بهدية، وانا ايضا اذهب مع بابا وماما عشان أشتري هدايا لاخوتي وأصحابيquot;.

أمنيات الأطفال في هذا العيد اختلفت، بعضهم مثقف بالفطرة، ويتكلم السياسة، حيث يقول، الطفل سري العلمي: quot;ادعي الله ان أعيش بسلام، الطفل يسوع لما خلق كان بردان ودفوه الحيوانات، وكان مهدد وهربوا كل اللي بحبوا، وانا في كتير ناس بتحبني وأنا بحب الناس، واللي بدي اياه اني أعيش بسلامquot;.

بينما طفل آخر يجمع ما بين الحلم الفلسطيني الكبير بالعودة للوطن، وتفكيره الصغير، ليقول، quot;أنا دايما بسأل حالي وبابا وماما ليش عمي في أميركا وعمتي في الأردن، ما بدهم يعيدوا عنا السنة؟ كل سنة بيوعدوني ولا ينفذون وعدهم، يرسلون الهدية في علبة ولا يأتونquot; وهذا الطفل المتكلم، هو لعائلة لاجئة حالها كحال معظم العائلات الفلسطينية، الأخ الأكبر في الولايات لم يحصل على الأوراق الثبوتية والجنسية الأميركية بعد، ما يمنعه من دخول الأراضي الفلسطينية، والأخت لم تفلح في الحصول على أوراق لم الشمل.

على العموم، المجتمع الفلسطيني بدياناته كلّها وخصوصا المسيحيين يتخذ من كل ميلاد فرصة جديدة من أجل الصلاة للسلام وتحقيق العدل والحرية في هذه الأراضي المقدسة، الكنيسة المحلية والمجتمع المسيحي يتحمل جزءا أساسيا من هذه المسؤولية أنه ليس من حقهم فقط العمل للسلام بل ومن واجبهم السير في خطى رسول المحبة والسلام.

هدية العيد..

هدية العيد هي مسرحية قدمها مسرح الحارة- بيت لحم، تتحدث عن قيمة الهدية المعنوية، وليس عن الثمن المدفوع، فالابتكار والإيمان بشيء، هو من يجعلك تقتني الهدايا والراحة النفسية، موضحة ميرنا برهم، المديرة العامة للمسرح، quot;لإيلافquot; أن ممثلي المسرحية وهم رهام اسحاق، جورج مطر، ميرنا سخلة، بشخصية الأطفال يحاولون جمع النقود بينهم لشراء هدية ضخمة تقديرا لحب أمهم، ولكنهم لا يملكون الكثير من النقود لهذا عملوا على تصميم كارت(بطاقة) العيد ورسموا عليه شجرة العيد والنجمة والأضواء ورجل الثلج المزلاج، وبابا نويلquot;.

المسرحية حملت في طياتها الرتوش والمعاني الدافئة التي ترجوها كل عائلة خلال العيد، فكانت رمزية معنوية عبارة عن استعراض وألوان، بعيد عن النص الطويل، تمتع بها كل من حضر العرض، والذي سيعرض في عدد من المدن الفلسطينية لجلب السعادة، ليس لقلوب الأطفال وحسب، وإنما للعائلة ككل.

تحمل فعاليات وأنشطة عيد الميلاد العديد من الرسائل والقيم، وتركز من أجل السعي إلى تطوير للبنية الاقتصادية الفلسطينية، وخصوصاً لمحافظة بيت لحم والتي تنتعش اقتصاديا خلال هذه الاحتفالات، وخصوصاً أنها مدينة تعتمد في الدرجة الأولى على السياحة كمصدر أساسي للدخل المادي كما أنها تحمل رسالة للتضامن ما بين الجميع.

المحال التجارية واقتصاد العيد..

هدف الفعاليات الاقتصادية والتراثية والثقافية خلال فترة العيد المجيد، إظهار أن هناك شعبا فلسطينيا ما زال تحت الاحتلال، وأن ما تجلبه الأعياد المجيدة من فرص للرفع من السياحة في المدينة، يمكنها أن تلعب دورا مهما في إحلال السلام العادل والشامل في المنطقة من خلال بناء جسور التفاهم ودعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل، إذ إن السياحة تشكل مصدرا مهما للدخل الاقتصادي الفلسطيني والذي يزيد عن 10% من مجمل الدخل القومي.

ومن جهته أعرب مالك محلات عطوان في بيت لحم quot;لإيلافquot;، أن السياحة في أجواء العيد في بيت لحم مزدهرة كالعادة لم تختلف عما سبقها من سنين، والمبيعات لم تخرج عن نطاق الاحتفالات الميلادية المجيدة، فالكل يسأل عن الزينة والأضواء، وشجرة العيد والتماثيل والهدايا للأطفال، ولباس بابا سانتكلوز للمفاجآت، فالفرحة لم تقتصر على الصغار وإنما الكبار أيضاً.

التضامن العالمي..

وخلال مسيرة نظمت من قبل مؤسسة الأراضي المسيحية المسكونية، وشارك فيها عدد من الزائرين الأجانب وسياح المنطقة، عبر الشاب جورج مصلح لمراسلة الجريدة، عن أهمية هذه الفعاليات والتي تهدف ليس فقط للاحتفال بالعيد وإنما تعريفهم أكثر بالقضية الفلسطينية، ومن ثم تحميسهم للعمل من اجل العدل والسلام وبعد ذلك إطلاقهم للعمل داخل المجتمع الأميركي من اجل فلسطين.

وأعربت كاترين غانستيرغ، القادمة من الولايات المتحدة الأميركيةquot;لإيلافquot; ، عن فرحتها في وجودها في بيت لحم وللسنة الثالثة على التوالي، قائلة: quot;إننا نفخر ببناء جسور التواصل الإنساني بين المسيحي الفلسطيني والمسيحي في الولايات، متخذين من ميلاد المسيح، مكانا للترابط والاندماجquot;.

مشيرة إلى أن الكثير من الكنائس في الولايات المتحدة أصبحت اليوم ترفع الأعلام الفلسطينية على مبانيها ومداخلها للتأكيد على ضرورة إعطاء الفلسطينيين العدل والسلام وفقا لتعاليم الدين المسيحي وللتعبير عن مدى التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.

ومن ناحيتها عبرت نينا نوري، فلسطينية الأصل ألمانية الجنسية والمنشأ، أن quot;هناك نظرة خاطئة ناجمة عن الترويج من قبل المناصرين لإسرائيل بتعرض المسيحيين إلى الاضطهاد من قبل المسلمين، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فهذا هو الواقع المعاش وما شاهدته أعيننا منذ قدومنا على هذه الأرض المقدسة، لذا فسأعمل أنا وعدد من زملائي على تغيير هذه النظرة، فالاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون سواء كانوا مسيحيين او مسلمين هو اضطهاد الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل الأراضي الفلسطينية ويعرض الشعب الفلسطيني إلى أبشع أنواع الظلم وانعدام العدل والسلام في الأرض المقدسةquot;.

احتفالات العيد

هذا وتنظم الجمعيات المسيحية في بيت لحم والضفة الغربية عدداً من الفعاليات في كل عام، والتي تركز على مجموعة من الأهداف أهمها الاستثمار في جميع ثمار وموارد عيد الميلاد، سواء كانت الروحية، والمعنوية، والإنسانية، لتكون هذه الموارد هي الجسور الأساسية لربط وبناء علاقات حية ومتجددة بين أفراد المجتمع المحلي ومؤسساته من جانب، وسائر مؤسسات ودول العالم من جانب آخر.

وركزت فعاليات العام على بعث أجواء الفرح والبهجة وخصوصاً في قلوب أطفال فلسطين، فعيد الميلاد هو عيد لكل طفل، ومصدر للسعادة والبهجة ينتظرها أطفالنا مع إطلالة كل عيد جديد كم انها تهدف إلى التواصل وبناء شبكة من العلاقات الاجتماعية والثقافية والإنسانية ما بين أبناء المجتمع المسيحي والفلسطيني بكافة فئاته العمرية وتوزيعاته الديموغرافية، من خلال الفعاليات والأنشطة الاحتفالية التي تتم إقامتها، والتي تشجعهم للتواصل الاجتماعي والتبادل الثقافي من جانب، وتحثهم على السياحة والحج الداخلي إلى مدينة بيت لحم من جانب آخر.