من العاصمة الايفواريّة أبيدجان، يتحدّث الإعلاميّ والمحلل والسياسيّ روبير كرا لـ(إيلاف) عن تصلب معسكري الرئيسين الحسن واتارا ولوران غباغبو، والاهتمام الفرنسيّ والأوروبيّ والغربي المثير بالأزمة في هذا البلد الإفريقيّ المهدّد بالحرب.


باريس: كل المؤشرات تشير إلى أن الوضع في ساحل العاج يأخذ منحى خطيرا، نظرا لتشبّث الرئيس المنتهية ولايته لورون اغباغبو وإصراره على أنه انتخب من طرف مواطني بلده في انتخابات 28 نوفمبر الجاري، رغم أن لجنة مراقبة الانتخابات أكدت أكثر من مرة أن الفوز كان حليف خصمه الحسن واتارا ب 54 بالمائة.

ولا تبدو فرنسا التي تتابع بانشغال كبير الوضع في ساحل العاج، بمنأى عن التطورات داخل هذا البلد الإفريقيّ، وللسلطات الفرنسية قرابة 950 جنديا في ساحل العاج إلى جانب 10 آلاف جندي أممي.

وتنظر باريس بعين القلق إلى الوضع في هذا البلد المعروف بإنتاجه للقهوة و مادة الكاوكاو.

ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نظيره الإيفواري المنتهية ولايته إلى التنحي عن السلطة قبل أن يتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بمنع غباغبو وزوجته ومقرّبيه منه من دخول ترابه.

و من جهتها، أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل أليو ماري استعداد القوات الفرنسية التي دعاها غباغبو إلى مغادرة البلد بمعية القبعات الزرق، على الرد في حالة تعرضها لأي اعتداء من طرف جهة أخرى، كما دعت الفرنسيين المقيمين هناك، والذين يقدّر عددهم بـ15 ألف شخص، إلى توخي الحذر في تنقلاتهم.

وفرنسا هي شريك اقتصادي رئيسي لساحل العاج مستعمرتها السابقة في غرب أفريقيا ويعيش في البلاد عادة نحو 15 ألف فرنسي. ويعتقد أن هناك في الوقت الراهن نحو 13 ألف فرنسي في ساحل العاج وقد غادر البعض بسبب عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية وأيضا بسبب التوترات.

المنتظم الدولي يعزل غباغبو

يرى المتابعون للأوضاع المتفجرة في ساحل العاج، أنّ المنتظم الدولي نجح جزئيّا في عزل نظام لوران غباغبو.

لوران غباغبو

حيث سارت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها على خطى الاتحاد الأوروبي بمنع الرئيس الإيفواري المنتهية ولايته و محيطه من دخول ترابها، كما أن مجموعة غرب إفريقيا تخلت عنه، فيما صادقت الأمم المتحدة على تمديد مهمة القبعات الزرق بالأراضي الإيفوارية لمدة ستة أشهر أخرى.

آخر إطلالة للوران غباغبو على التلفزيون المحلي أظهرت أن الرئيس السابق الذي يستمر في تقديم نفسه للعالم على انه رئيس شرعيّ لساحل العاج، يحاول أن يجد لنفسه مخرجا سليما من هذه الأزمة، بعد أن شعر أنه مهدد ليس بالمقاطعة من قبل المجتمع الدولي فقط، وإنما بالملاحقة من طرف القضاء الدولي في حالة وقوع جرائم إنسانية ببلده.

الحسن واتارا

ويتحدّث غباغبو مؤخرا بلغة مسالمة لا تنم عن أي استعداد للزج بساحل العاجل في حرب أهلية جديدة تغرق البلد في حمام الدم.

وقال إنه quot;لا يريد أن تشتعل حربا جديدة و لا أن تراق الدماءquot;، داعيا المجموعة الدولية لانتداب من يمثلها لتشكيل لجنة دولية قصد تقييم مرحلة ما بعد الانتخابات.

الأزمة بعيون ايفواريّة

يقول الإعلاميّ المحلل السياسيّ الايفواريّ روبير كرا الذي تحدّث مع (إيلاف) من أبيدجان أنّ ساحل العاج وجدت نفسها في أزمة غير مسبوقة في الوقت الذي كان يعتقد فيه الجميع أن البلد على أبواب الخروج من النفق المظلم بعد الجهود التي بذلت من أجل السلام عقب تمرد العام 2002quot;.

ويرى روبير كرا أنّ معسكري غباغبو والحسن واتارا quot;منغلقان على ذاتيهماquot;، ولا يعتقد أنّ الضغوطات التي يمارسها المنتظم الدولي يمكن أن تؤتي أكلها، و دليله في ذلك استمرار تمسك غباغبو بالسلطة حتى الساعة.

ويقول كرا لـ(إيلاف): quot;خطابه الأخير للشعب الإيفواري دليل على تمسكه بالسلطة، يجب على المجموعة الدولية التحرك، وذلك بتشكيل لجنة دولية مكونة من الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي ،الأمم المتحدة، الجامعة العربية، الولايات المتحدة، روسيا،الصين،الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وذلك بهدف إيجاد تسوية سلمية للأزمةquot;.

اهتمام دوليّ quot;غريبquot;

وحول الاهتمام الدوليّ والأوروبي الكبير بالأزمة في ساحل العاج، يستغرب المحلل السياسي الايفواريّ ذلك، ويرى أنّ ذلك الاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي للانتخابات الرئاسية في ساحل العاج ووقوفه بجانب طرف معين، وهو ما لا يحدث في مناطق أخرى من العالم، حيث يكون التدخل لأجل الوساطة ومساعدة جميع الأطراف على الوصول إلى حل، أمر يطرح الكثير من الاستفهامات.

الطبقة السياسية في فرنسا تردد كلاما عن quot;علاقات صداقةquot; ربطت بين غباغبو وقياديين في الحزب الاشتراكي.

الإعلاميّ والمحلل والسياسيّ الإيفواريّ روبير كرا

ويؤكد روبير كرا في إفاداته لـ(إيلاف) أن الرئيس المنتهية ولايته لازال له أصدقاء في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهم على دراية كبيرة بالوضعية في ساحل العاج، أحدهم يدعى غي لابيرتي عبّر عن دعمه علنا لغباغبو.

و تجنب الإعلامي الإيفواري الخوض في سياسة quot;فرنسا إفريقياquot; التي تختزل تعاطي باريس مع الشأن الإفريقي، والتي كان الرئيس ساركوزي قد وعد بالقطع معها.

ويرى روبير كرا أنّ العلاقات بين باريس و أبيدجان استمرت في التدهور مند اندلاع الأزمة في ساحل العاج سنة 2002، و لم يتوقف من وقتها تراجع مستوى العلاقات بين البلدين، وهو تاريخ وصول غباغبو إلى السلطة وهو الذي عادة ما يتّهم باريس بالتدخل في الشؤون الإيفواريةquot;.

وحول مستقبل بلاده في هذه الظروف الاستثنائيّة، عبر روبير كرا عن quot;تخوفاتهquot; من أن ينزلق البلد نحو حرب غير محسوبة النتائج.

إلا أنه يمضي قائلا بنبرة متفائلة:quot;رغم هذه التخوفات أنا متفائل، لديّ الثقة في الإيفواريين خصوصا زعمائهم السياسيين الذين سيؤمنون في النهاية بضرورة اللقاء والحوار لتجنيب البلاد مخاطر الحربquot;.