إعتبر الدكتور بطرس غالي أن الأمم المتحدة بحاجة عاجلة إلى التطوير في ظل ما يشهده العالم من ثورة في الاتصالات إذ ان المؤسسة الاممية ومنذ تأسيسها لم تشهد تطورا. وفي حديث مع ايلاف تناول الوضع الداخلي في مصر والقارة الافريقية اشار غالي الى ان حقوق الانسان لم تعد شأنا داخليا خاصا بالدول ورأى أن العالم سوف يتحقق من صدق وثائق ويكيليكس بعد 30 عاما.


رغم أنه سوف يحتفل بعد أيام قليلة بعامه التسعين، إلا أن الدكتور بطرس غالي ما زال يمتلك ذاكرة متوقدة، وما زال مهموماً بقضايا العالم كله، وخاصة حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، وما زال قادراً على العطاء والبذل من أجل أن ينال الفقراء في مختلف الأرجاء حقوقهم في العيش الكريم. إنه الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، ورئيس مجلس حقوق الإنسان حالياً، الذي أكد في حوار مع إيلاف أن قضية حقوق الإنسان لم تعد شأناً داخلياً لكل دولة، بل مسألة دولية، ومن حق أي دولة أن تنتقد الأخرى، بل أن تطلب دعم المنظمات الدولية في إدانة ما تراها إنتهاكات في أي مكان في العالم.

كما أضاف أن منظمة الأمم المتحدة بحاجة إلى التطوير في آليات ومواثيق عملها، بما يتيح للمنظمات المدنية أن تنضم إليها، ولمواكبة التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن جنوب السودان سوف ينفصل، وانه يجب على مصر أن توازن بين علاقاتها معه، وعلاقاتها مع الشمال، لضمان مصالحها في حوض النيل. في وقت نفى أن تكون لديه معلومات حول تجسس أميركا على المنظمة الأممية. وفي ما يلي نص المقابلة.

ـ ما تقييمك لأوضاع حقوق الإنسان في مصر في ظل وجود المجلس الذي تترأسه؟

يعتبر المجلس وفق الإتفاق الذي تم في فيينا خلال عام 1993، مجلساً استشارياً، ليست له صفة تنفيذية، فمن حقه توجيه إنتقادات، وطرح مشروعات قوانين أو رفع توصيات. وهو ما زال في بداية طريق طويل، لأن هذا المجال يحتاج إلى عمل مستمر لعدة سنوات قادمة، فتغيير الثقافة المتوارثة لدى الكثيرين وجعلها تراعي وتعمل وفق مفاهيم حقوق الإنسان مهمة صعبة للغاية، وتستلزم نفسا طويلا، وعدم اليأس. ونحن في مصر قطعنا شوطاً جيداً، فلدينا حرية صحافة وحرية تعبير، وجميع مسؤولي الدولة يتعرضون للإنتقاد بدءا من الرئيس مروراً برئيس الوزراء و الوزراء، وهذا تقدم ملحوظ في مجال الديمقراطية، لكن نحن نتطلع إلى المزيد.

ـ قالت المعارضة إن الإنتخابات شابتها أعمال تزوير واسعة النطاق، فيما رد الحزب الوطني بأنها كانت نزيهة وشفافة، أين يقف المجلس القومي لحقوق الإنسان من الجانبين، خاصة أنه كان مراقباً لها في شتى مراحلها؟

ليست لدي إجابة على هذا السؤال.

ـ رفضت مصر المراقبة الدولية للإنتخابات، لأنها تمثل إعتداء على السيادة الوطنية على قولها، هل ترى أنها كذلك؟

المراقبة الدولية للإنتخابات ليست إجبارية، فأي دولة لها الحق في قبولها أو رفضها، تبعاً للقوانين المعمول بها، والإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها.

ـ هل الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان ما زال يعتبر شأناً داخلياً في ظل التطور التكنولوجي والمعلوماتي الذي جعل من العالم قرية صغيرة؟

لم تعد قضية حقوق الإنسان مسألة داخلية، بل قضية دولية، فمن حق أي دولة أن تنتقد أوضاع الإنسان في دولة أخرى دون أن يكون ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية، بل من حقها أن تلجأ إلى أجهزة دولية، لتطلب تأييدها في إدانة الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان، ومن حق الأخيرة أن تنتقد الأولى أو تحتج لدى الأمم المتحدة.

ـ ما رأيك في ظاهرة الكيانات الموازية التي تعلن عنها المعارضة مثل البرلمان الشعبي أو البديل، هل هي غير قانونية؟

هذا يخضع للقوانين المعمول بها في مختلف الدول، فهناك دول تبيح ذلك، بينما دول أخرى تعتبره سلوكا غير قانوني. وليست هناك قاعدة عامة تحكم العمل السياسي. وأعتقد أن الحكومة تتعامل مع هذه الأمور بالمزيد من المرونة، وأنا أراها دليلاً على حدوث تقدم ديمقراطي في مصر، لأن السماح للتيارات السياسية بممارسة العمل في حرية دون تعسف أمر إيجابي و ظاهرة سياسية صحية.

ـ كيف ترى تحركات الدكتور محمد البرادعي السياسية، و هل له حظ في خوض الإنتخابات الرئاسية؟

ليس لدي تعليق.

ـ هل تعتقد أن quot;وثائق ويكيليكسquot; التي كانت سبباً في فضح الإجتماعات السرية لمسؤولين أميركيين مع آخرين في مختلف دول العالم ستؤثر سلبا في العلاقات الدولية؟

لم أطلع على تلك المعلومات، أو البرقيات، ولا أعلم ظروف نشرها، لكن عموماً يعتمد تأثيرها في العلاقات الدولية على مدى قوة ومتانة علاقات أميركا بالدول التي وردت معلومات بشأنها في تلك الوثائق، والموضوع الذي تم نشره. و قد تساعد تلك المعلومات على تدعيم العلاقات بين بعض الدول، إذا كان ما تم نشره موقفاً جيداً لدولة ما تجاه أخرى كانت تمر بأزمة.

ـ ورد في أحد تسريبات ويكيليكس أن أميركا كانت تتجسس على منظمة الأمم المتحدة، ما مدى صحة ذلك؟

ليست لدي معلومات في هذا السياق. لكن عادة الوزارات تنشر الوثائق الخاصة بها بعد مرور ثلاثين سنة عليها، إذا بعد ثلاثين سنة سوف تظهر الحقيقة، و ما كان سراً سوف يخرج للعلن.

ـ بعد مرور سنوات من رحيلك عنها، كيف ترى منظمة الأمم المتحدة حالياً؟

الأمم المتحدة بحاجة ماسة إلى التطوير، فهي منذ إنشائها في نهاية الأربعينات من القرن الماضي لم تشهد أي تطور في آليات أو مواثيق عملها. فمثلاً في ذلك التاريخ لم يكن العالم يعرف الإنترنت وثورة الإتصالات والمعلومات التي شهدها خلال العقود القليلة الماضية. ولم يكن هناك إنتشار واسع للمنظمات المدنية، مثل quot;هيومان وتش رايتسquot; وquot;العفو الدوليةquot;، و كلها منظمات ذات تأثير كبير وثقل في السياسة الدولية، بل يعتبر تأثيرها أكبر من بعض الدول، خاصة في حقوق الإنسان، فلماذا لا يكون لها تمثيل في الأمم المتحدة؟

ـ في إعتقادك، لماذا نشبت أزمة المياه في حوض النيل بين مصر ودول المنبع في هذا التوقيت؟

في الواقع، يرجع ذلك إلى إهمال مصر في الإهتمام بالقضايا الأفريقية منذ نحو الخمسين عاماً، و خاصة قضية نهر النيل، حيث يعتقد البعض في مصر أنه نهر مصري، وأن باقي الدول ليست في حاجة إلى مياهه. ويرجع ذلك الإعتقاد إلى أن دول المنبع تمتلك مصادر أخرى من المياه، ومنها الأمطار الغزيرة التي تتساقط عليها طوال العام. و كان لا بدّ لمصر أن تعمل على التعاون مع تلك الدول وخاصة أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا والسودان ورواندا وبورندي. وكان على الحكومة المصرية أن تدرك جيدا أن العلاقات بين الدول على مستوى العالم قائمة على المصالح المشتركة.

كما من مصلحة مصر ودول حوض النيل أن يستمر نهر النيل متدفقاً إلى ما لا نهاية من دون أي عراقيل أو نزاعات، لأن مصلحتهم جميعاً في ذلك. وقد اقترحت منذ سنوات إنشاء منظمة مشتركة بين هذه الدول تكون مهمتها إدارة نهر النيل، و توزيع مياهه، و إنشاء المشروعات المختلفة على ضفافه، و استثمار مياهه بالشكل الأمثل وعدم إهدارها، وأعتقد أن ذلك هو الحل الأفضل، علماً أن مثل تلك المنظمات معمول بها في شتى الدول التي تشترك في نهر واحد. ولكن للأسف لم تنشأ تلك المنظمة حتى الآن، وما زالت العلاقات قائمة على أساس أن هذه الدول ليست في حاجة إلى مياه النيل، و قد يكون ذلك حقيقياً في ما مضى، أما حالياً فهذه الدول في حاجة فعلية لمياهه، خاصة بعد حدوث انفجار سكاني بها، وسوف تنتقل من الزراعة بالأمطار إلى الزراعة بالري العادي، وأتوقع حدوث مشاكل أكبر وأكثر تعقيداً خلال السنوات المقبلة حول المياه، ما لم يتم التفاوض حول كافة الأمور بهدوء، وعلى أساس المصالح المشتركة.

ـ يقال إن هناك جهات خارجية و تحديداً إسرائيل تتدخل في الأزمة، من أجل التأثير على حصة مصر والضغط عليها؟

ليست لدي معلومات دقيقة عن هذا الأمر، لكن علينا وضع نظرية المؤامرة جانباً، و عدم تعليق كل مشاكلنا عليها، ففي الماضي كان يقال إن الإستعمار هو من يقف وراء تعطيل عمليات التنمية، وتحسين خدمات التعليم، و لكن العديد من دول العالم الثالث استطاعت التقدم وإحداث تنمية شاملة. و أنا أرى أن علاج تلك المشكلة يأتي من خلال المفاوضات القائمة على لغة المصالح، و محاولة إنشاء منظمة أو جهاز لإدارة مياه النيل، هو الحل الأمثل. مع النظر إلى نهر النيل على أنه ليس مياهاً فقط، بل يصلح لعديد من الأغراض كما قلت سابقاً. ويجب على مصر القيام بدور أكبر في القارة الإفريقية، وإقامة مشروعات إقتصادية لها في أراضي تلك الدول، و تبادل تجاري. و كل ذلك سوف يؤتي ثماره سريعاً، وأعتقد أن الخطوة الأولى تتمثل في عقد اجتماع سنوي بين ممثلين عن تلك الدول لبحث مشاكل ومعوقات العمل المشترك.

ـ ماذا بشأن الجنوب السوداني، ما توقعاتك بالنسبة إلى انفصاله، وتأثير ذلك على الأمن القومي المصري؟

أتوقع انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة، و لكن التأثير السلبي أو الإيجابي على مصر سيتوقف على مدى اهتمامها بتلك الدولة الوليدة، أي أنه لابد من الموازنة بين الإهتمام بالشمال والجنوب، وأن يكون الإهتمام بأي منهما بالقدر نفسه. فإذا كانت هناك علاقات جيدة مع الدولة الجديدة سوف ينعكس ذلك بالإيجاب علينا. و يجب على السياسة المصرية أن تعقد إتفاقات تعاون مشترك، وتنشيط التجارة مع جميع دول حوض النيل.