تل أبيب: أطلقت جمعية يمينية تدعى quot;إم ترتسوquot; (وهو مطلع مقولة تنسب لهرتسل وتعني إذا رغبتم فلن يكون ذلك أسطورة)، الأحد حملة إعلانية تتهم فيها جملة من جمعيات حقوق الإنسان في إسرائيل بأنها تقف وراء القسط الأكبر من الوثائق والطعونات التي تضمنها تقرير غولدستون وأدان بالاستناد عليها إسرائيل بارتكاب جرائم الحرب في غزة.

وحملت هذه الحملة بشكل خاص على الأستاذة الجامعية، والنائبة السابقة في الكنيست، نعومي حزان، باعتبارها مديرة الصندوق الجديد لإسرائيل الذي يمول عشرات الجمعيات المدنية في إسرائيل وبضمنها 16 جمعية حقوقية تهتم بحقوق الإنسان وتنشط بشكل خاص في الدفاع عن حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.

وسبقت الحملة قيام الجمعية المذكورة بتزويد أحد أكبر الصحافيين في إسرائيل، وهو المحلل في معاريف بن كاسبيت بما اعتبرته دراسة تثبت أن هذه الجمعيات تقف وراء نحو 90% من الاقتباسات المدينة والمسيئة لإسرائيل والتي وردت في تقرير غولدستون.

وبحسب الجمعية اليمينية، فإن هذه المنظمات تعمل بشكل دائم ومثابر للمس بإسرائيل ومحاربتها في كل مكان وفي المحافل الدولية والطرق كافة، مثل حث محاكمة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم الحرب، والدعوة لفرض المقاطعة على إسرائيل، وبطبيعة الحال تشويه سمعة إسرائيل وإدانتها بجرائم الحرب.

وصور الإعلان لذي نشرته الجمعية اليمينية في الصحف الإسرائيلية اليوم، البروفيسور نعومي حزان وعلى جبهتها قرن حيوان وحيد القرن وجاء في الشعار إن لنعومي حزان قرن ( وهي تعني بالعبري أيضا صندوق دعم) لكنه قرنًا مؤذيًا للغاية. وبحسب الإعلان فإن صندوق نعومي حزان صرف عشرات ملايين الدولارات لدعم جمعيات مدنية معادية للصهيونية استغلت هذه الأموال لحربها ضد إسرائيل، باعتبار هذه الجمعيات بمثابة طابور خامس يعمل من داخل إسرائيل لهدمها وضربها.

وتضافرت هذه الحملة الإعلانية اليوم، مع ما رافق نشاط لجنة غولدستون أثناء عملها وبعد نشر التقرير من كتابات لكتاب يمينيين أبرزهم، بن درور يميني ودان مرغليت وآخرين، شنوا طيلة الوقت حملات ضارية ضد الجمعيات الحقوق المذكورة وفي مقدمتها quot;ييش دينquot;، وquot;يكسرون الصمتquot;، وquot;اللجنة العامة ضد التعذيبquot;، وquot;عدالةquot;، وquot;بتسيلمquot; وغيرها من الجمعيات التي دعت باستمرار إلى وقف الاحتلال وإلى محاسبة الجنود الإسرائيليين على جرائمهم وتصرفاتهم الوحشية وغير القانونية ضد الفلسطينيين.

وأثار إطلاق الحملة اليوم، بعد أقل من أسبوع على تسليم الرد الإسرائيلي على تقرير غولدستون للأمم المتحدة، قلقا ومخاوف متباينة لدى منظمات حقوق الإنسان التي ورد ذكرها في تقرير الجمعية اليمينية المتطرفة، فقد رأى البعض أن الهدف هو سحب شرعية هذه الجمعيات وشيطنتها أمام الرأي العام الإسرائيلي، فيما رأى بعضهم أن هذه الحملة وما سبقها من تحريض، ومحاولة التعرض لحياة مدير عام جمعية quot;سلام الآنquot; ياريف أوفينهايمر العام الماضي، والبروفيسور اليساري زئيف شطرنهيل، يشكلان مؤشرًا خطرًا على تدهور الأوضاع في إسرائيل وتفاقم خطورة العناصر اليمينية والفاشية التي تهدد ما تبقى من حيز للعمل الديمقراطي في إسرائيل وحرية الرأي فيها.

سريت ميخائيل: سلمنا كل الشهادات والوثائق للجيش قبل تسليمها للجنة غولدستون

وفي حديث خاص لإيلاف مع الناطقة بلسان المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان، ساريت ميخائيل حول هذه القضية اعتبرت أنه مما لا شك فيه أن هذه الحملة تشكل مؤشر خطير للغاية أن تقوم منظمات، وهي غالبا منظمات نعرف عادة حقيقة مواقفها وتوجهاتها السياسية، منظمات متطرفة للغاية تحاول عمليا ضرب ثقافة حقوق الإنسان في إسرائيل، لكننا لا نخاف من مثل هذه المحاولات.

وأضافت سريت ميخائيل أن هذه الموجة ليست جديدة بل هي قائمة منذ عدة شهور على الأقل، تمت عبرها محاولات لمهاجمة quot;الرسول بدلاً من قراءة الرسالة وفهمهاquot; وهناك صحافيون تتوافق أجندتهم الشخصية مع هذه الأفكار والمحاولات، ولكننا لا نعتقد بأن هذه المحاولات ستمس بقدرتنا على العمل، فنحن واثقون جدًّا من أنفسنا. ولكن وبطبيعة الحال فإن هذه المحاولات هي بمثابة فضيحة وتحريض ارعن لكننا لسنا خائفين.

واعتبرت الناطقة بلسان quot;بتسيلمquot; أنه على الرغم من خطورة هذه الحملات إلا أنه ليس هناك ما يدعو للخوف، فمن الواضح أن محاولات كم أفواهنا ستستمر. وكشفت ميخائيل النقاب، عن أن عملية التوثيق الهامة وكافة الشهادات والأدلة التي جمعتها منظمة quot;بتسيلمquot; عن خرق وانتهاك حقوق الإنسان والقوانين الدولية في الحرب على غزة، سلمت بداية ورفعت لقيادة الجيش الإسرائيلي فيها.

وقد طالبت المنظمة في هذا السياق، حتى قبل تشكيل لجنة غولدستون، الجيش الإسرائيلي بالتحقيق في الشكاوى التي تضمها هذه الشهادات، كاشفة النقاب أيضًا عن أنه كان هناك تعاون في كثير من الحالات بين المنظمة وبين الجيش الإسرائيلي. وأن التقرير الذي وضعته وزارة الخارجية للرد على تقرير غولدستون يشير إلى أن منظمة quot;بتسيلمquot; تساعد في التحقيقات التي يجريها الجيش، مما يشير إلى أنه لا يمكن لطرف الطعن في نزاهة ومصداقية عملها.

واعترفت ميخائيل أن منظمة بتسيلم تأمل فعلا بأن تشكل حكومة إسرائيلية لجنة تحقيق مستقلة، مع مختص خارجي (أجنبي) ولكن لجنة من خارج الجيش لفحص الشكاوى كلها ضد تصرفات الجنود ولكن وبشكل رئيس لفحص السياسة الرسمية في هذا السياق، مثل التعليمات والأوامر العسكرية ومن وضعها ومن رسم العمليات الحربية، لأن هناك شكوك وشبهات خطرة نشأت بعد عملية quot;الرصاص المصبوبquot;.

ووصفت تشكيل لجنة إسرائيلية مستقلة بأنه مصلحة إسرائيلية صرفة وضروري جدًّا لأن يكون هناك تحقيق مستقل وأمين وله مصداقية، وإنه إذ اقتضت الضرورة تقديم لوائح اتهام فيجب تقديم لوائح اتهام ضد من يثبت تورطه بارتكاب مخالفات. فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل أن تثبت عبرها أنها تعمل حقًّا لتنفيذ وتطبيق توصيات لجنة غولدستون. فالاعتقاد بأنه إذا تكرر الادعاء بأن غولدستون معادي للسامية سيجعل التقرير يختفي هو اعتقاد خاطئ.

وأكدت سرت مخائيل بأن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية تعمل بتعاون وثيق مع منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية مثل مؤسسة quot;الميزانquot; في قطاع غزة ومنظمة quot;الحقquot; وباقي المراكز الحقوقية وأن هناك اتصال دائم ومستمر مع هذه المنظمات بهدف الاطلاع على كل التطورات والتزود بالمعلومات اللازمة، ناهيك عن التضامن الكامل معها.

حسن جبارين: محاولات لنزع الشرعية عن المنظمات والطعن في التقرير

في المقابل قال مدير مركز عدالة (المركز القانوني لحقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل)، إن الهدف من وراء إبراز اسم quot;جمعية عدالةquot; ضمن الجمعيات الإسرائيلية الحقوقية الأخرى، هو بالأساس من أجل تشويه صورة هذه الجمعيات في الشارع اليهودي الإسرائيلي، وإظهارها بأنها تتعاون مع جمعيات عربية وفلسطينية، وبالتالي النيل من شرعية هذه الجمعيات كخطوة أولى في مسلسل ضرب هذه الجمعيات مع أن بعضها معروفة بأنها جمعيات يسارية صهيونية.

وخلافًا لتقديرات ساريت ميخائل يرى المحامي حسن جبارين أن الحملة الجديدة تشير إلى مدى تفاقم العنصرية في إسرائيل، وسهولة التحريض ضد العرب، وتصوير الجمعيات الحقوقية بأنها خائنة ولتعاملها مع جمعيات عربية غير صهيونية.

وأكد جبارين في حديثه مع إيلاف على أن هذا التصعيد الخطر يأتي لضرب المجتمع المدني وكم أفواه الجمعيات الحقوقية، وفي مقدمها جمعية عدالة التي تتولى أيضا الدفاع عن حقوق المساجين والأسرى العرب االمعتقلين في إسرائيل.

وكشف جبارين عن أن مركز عدالة عمل في قضية غولدستون في محورين متوازيين ومتلازمين، ففي المحور الأول عمل المركز على توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الناشطة في القطاع وفي مقدمتها الميزان ومركز حقوق الإنسان الفلسطيني حيث تم توثيق الجرائم في تقارير رسمية تم تسليمها للجنة التحقيق الدولية، كما تم أيضا العمل مع المنظمات الإسرائيلية في بلورة موقف موحد يدعو إلى التحقيق في ما حدث في غزة وكشف جرائم الحرب الإسرائيلية وتقديم المذنبين للمحاكمة.

وأشار جبارين إلى أن الهجوم على منظمات حقوق الإنسان وعملها في إسرائيل هو أمر خطير لا يمكن الاستخفاف به خصوصا وأن عددا من أعضاء الكنيست بل والوزراء في الحكومة الإسرائيلية دعوا قبل عدة شهور إلى سن قانون لوقف الدعم والتمويل الأجنبي للجمعيات الحقوقية في إسرائيل.

واعتبر جبارين أن كل هذه التطورات، وبالاستناد إلى تجربة القاضي غولدستون نفسه وتعرضه للهجوم في موطنه الأصلي وفي رواندا وغيرها، تشير على أن المجتمعات التي تشهد تعاظم وتغلغل قوة التيارات والحركات العنصرية فيها لا تستطيع التعامل مع مبادئ حقوق الإنسان، لذلك فهي تعتبر مؤسسات حقوق الإنسان عدوة لها، وهذا يفسر خطورة التحريض الحالي في إسرائيل ضد جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان.

وخلص جبارين إلى القول إنه لا يرى أي تحرك إسرائيلي جاد للتعاون مع توصيات غولدستون، بل على العكس فإنه حتى إذا اضطرت إسرائيل لتشكيل لجنة فإن هذه اللجنة ستعمل في نهاية المطاف إلى تبرئة ساحة إسرائيل، خصوصا إذا كان الحديث يدور عن لجنة quot;فحصquot; وليس لجنة تحقيق، لأن القانون الإسرائيلي يميز بين النوعين، ففي الحالة الأولى تكون اللجنة غير مخولة بصلاحيات حقيقية وملزمة، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن لها أن تقدمه هو رفع توصيات، ولذلك فهو يستبعد تشكيل لجنة تحقيق مع صلاحيات رسمية وحقيقية لأن الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن ووزارة الدفاع الإسرائيلية لا يمكن أن يقبلوا بمجرد فكرة تعريض الجنود للمسائلة القانونية فكم بالحر ملاحقة وتقديم للمحاكمة.