نصب اللقاء في منطقة المنصور ببغداد

باشرت معاول الهدم والتدمير بإزالة نصب وتماثيل شكلت إحدى معالم العاصمة العراقية، وترى فيها السلطات تمجيدًا لحزب البعث المحظور ونظامه الذي حكم البلاد ثلاثة عقود وسط جدل حول شرعية هذا الإجراء الذي قرره مجلس محافظة بغداد ليطال نصبي quot;قوس النصرquot; الذي يرمز إلى هزيمة إيران في الحرب مع العراق وquot;اللقاءquot; الذي يجسد الوحدة الوطنية بعد أن ظلت مؤسسة الذاكرة العراقية تقف منذ ست سنوات ضد هذا الإجراء الذي أصرت الأحزاب الحاكمة على تنفيذه وقامت في أوقات سابقة بإزالة نصب وتماثيل أخرى.

لندن: باشرت أجهزة مجلس محافظة بغداد بتدمير نصب quot;اللقاءquot; الذي صممه الفنان المعروف عالميا علاء البشير ونصب quot;قوس النصرquot; وسط بغداد وهو من تصميم النحات العراقي العالمي خالد الرحال. ويأتي هدم هذين النصبين بعد أن شهدت السنوات التي أعقبت سقوط النظام السابق عام 2003 إزالة أو تدمير أو تفجير نصب بغداد وتماثيلها التي كانت تزين الساحات العامة خاصة في بغداد.

ومن أبرز التماثيل التي هدمت في أوقات سابقة تمثال الخليفة العباسي باني بغداد أبو جعفر المنصور ثم الخليفة الواثق بالله وبعدها سرق تمثال رئيس الوزراء في فترة عشرينات القرن الماضي عبد المحسن السعدون كما تعرض تمثال كهرمانة أيضا للتفجير بسيارة ملغومة أدت إلى تحطيم أجزاء منه فيما قطعت أجزاء من تمثالي شهريار وشهرزاد في شارع أبو نواس على ضاف نهر دجلة.

كما أزالت السلطات رمز quot;سفينة البعثquot; ونصبا بلاط الشهداء والأسير العراقي وتماثيل الضباط الذين شاركوا في انقلاب عام 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني ومجموعة من التماثيل لقادة عراقيين قادوا الفيالق العراقية في حرب الثمان سنوات مع إيران والتي نصبت على شط العرب في مدينة البصرة الجنوبية وهم يؤشرون بأيديهم إلى إيران.

كما تم تدمير نصب المقاتل العراقي في ساحة باب المعظم ونصب المسيرة في ساحة المتحف وقادة ثورة مايس في ساحة جامع أم الطبول إضافة إلى هدم جدارية التأميم عند مدخل وزارة التجارة. ومن أشهر النصب التي ظلت تشكل احد معالم العاصمة قوس النصر وهو عبارة عن سيفين ضخمين يرسمان في الفضاء قوسًا شاسعًا تمسكهما يدان قويتان وقيل إن اليدين كانتا نموذجًا ليدي صدام حسين.

وتحت السيفين خمسة آلاف خوذة لجنود إيرانيين وهي خوذات حقيقية جمعت من ساحات المعارك التي دارت بين البلدين. وقد اشترط صدام على جامعيها ان تكون تلك الخوذ قد ثقبها رصاص الحرب وخلفت قتلى. وصمم النصب الفنان خالد الرحال في فورة الحماس للسلطة التي أعلنت النصر على إيران. ومنظر السيفين يدخل النشوة في قلوب الناظرين خاصة وان ساحة هائلة الفراغ تمتد تحتهما.. والنصب يوحي بالموت في ذات الوقت الذي يوحي بالقوة.

ونفذ قوس النصر بوساطة شركة quot;موريس سينغرquot; البريطانية التي اهتمت بتنفيذ أعمال البرونز لقبضتي صدام وساعديه لكل من النصبين المتقابلين.. وكذا شركة quot;هـ هـ ميتال فورمquot; الألمانية التي عهد إليها تنفيذ وصناعة السيفين من سبيكة الفولاذ وكانت هدية منها إلى بغداد على خلفية تزويد العراق بإمدادات تكنولوجية وأقيم هذا النصب أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

وكانت الساحة الواسعة تحت السيفين التي سميت بساحة الاحتفالات الكبرى مكانا للاستعراضات العسكرية والمسيرات الشعبية التي نظمت في عهد النظام السابق.

وكان صدام حسين يرفع يده محيِّيًا العراقيين من شرفة الساحة هذه وعلى مقربة منه تقف بصورة متقابلة كفاه البرونزيتان على ارض صلبة حاملتين السيف العربي.. عن نسخة حقيقية لكف صدام وتم تكبيرها برونزيًّا في المصهر الايطالي لتكون بوابتا النصر التي مر من تحتهما حشود الجيش العراقي بينما تتبعثر على الأرض الخوذ الحقيقية التي كان يضعها الجنود الإيرانيين فوق رؤوسهم وتم جمعها من جبهات القتال ومن الأسرى الإيرانيين في إشارة إلى النصر الذي حققه الجيش العراقي على القوات الإيرانية في تلك الحرب.

وكانت إيران قد طالبت برفع هذه القبعات التي ترى في وجودها على أرضية الساحة وتحت كف صدام إهانة لقواتها وكان هناك بالفعل مشروع لتهديم أقواس النصر وتم ضرب القوس الكائن في غرب الساحة حيث تحطم جزء من كف صدام البرونزي إلا أن إصرار مؤسسة الذاكرة العراقية التي أسسها كنعان مكية ويدير مكتبها في بغداد الإعلامي والناشط السياسي مصطفى الكاظمي على عدم المس بأي مكون في الساحة كونها تحت إشراف المؤسسة حال دون تهديم نصب قوس النصر طيلة السنوات الماضية.

لكن المؤسسة ظلت تتعرض لضغوطات حكومية كبيرة جردتها من معظم خططها وصلاحياتها للحفاظ على ارث واحدة من اعنف الفترات التي مر بها العراق خلال العقود الأربعة الأخيرة حتى تم اتخاذ القرار الرسمي الأخير بهدم النصب في تجاهل للمؤسسة التي بدأت تتخلى عن خططها للحفاظ على الذاكرة العراقية.

وخلال السنوات الأخيرة أهملت ساحة الاحتفالات الكبرى التي كانت تتميز بالخضار وشاشتيها التلفزيونيتين العملاقتين فبدأت تبدو جرداء خالية من مشاهد العراقيين الذين كانوا يتوافدون عليها في ليالي بغداد الصيفية بشكل خاص وتم تهديم قاعات المسارح والعرض السينمائي والصالات التشكيلية والمقاهي فيها. وكانت القوات الأميركية حالت دون إزالة النصب على الرغم من صدور قرار رسمي بهدمه مع عدد من النصب والتماثيل في بغداد والمدن الأخرى.

وإضافة إلى قوس النصر فقد بدأت أيضًا عمليات هدم نصب quot;اللقاءquot; الذي يرمز إلى الوحدة الوطنية في إحدى ساحات منطقة المنصور الراقية وهو لا يرمز إلى البعث أو إلى رئيس النظام السابق وهو من تصميم الفنان طبيب التجميل المعروف علاء بشير أواسط التسعينات في الساحة التي كانت تشهد وصول حافلات النقل القادمة من الأردن وسورية ما برر إطلاق اسم quot;اللقاءquot; عليه.

ويمثل النصب نحتًا ضخمًا من الخرسانة لجدرانين يشبهان ذراعين تميل إحداهما في اتجاه الأخرى ويرى العراقيون انه يعبر عن أمل لقاء العراقيين المغتربين. وقد قوبل هدم نصب اللقاء باستياء شعبي واسع لأنه لا يرمز إلى النظام السابق وإنما إلى الوحدة الوطنية لكن مجلس محافظة بغداد الذي يسيطر عليه حزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي يقول إن معظم التماثيل والصب الموجودة في بغداد تمثل جزءًا من بقايا النظام السابق، وترمز إلى تمجيده ولذلك سيتم وضع نصب جديدة مكانها تمثل العراق الجديد.

وكانت الحكومة العراقية قد شكلت في العام 2005 لجنة لإزالة النصب والتماثيل التي تشير أو تمجد حزب البعث المحظور خلال فترة حكمة للعراق للفترة بين عامي 1968 و 2003.